الاتفاق النووي الإيراني… ديبلوماسية الحنكة والصبر
جمال الكندي
بعد مفاوضات ماراتونية طويلة استغرقت أكثر من 12 سنة، بين أخذ وردّ وتوقف في بعض الأحيان، ها هي إيران توقع الاتفاق التاريخي بينها وبين مجموعة 5+1 ، ضمن إطار اتفاق نووي يتبعه بعد ذلك الاتفاق النهائي في حزيران المقبل. وبموجب هذا الاتفاق تعترف أوروبا وأميركا بحقّ إيران الطبيعي في تطوير أبحاثها النووية السلمية، وبرفع الحصار الاقتصادي عنها والإفراج عن أموالها المجمّدة في البنوك العالمية.
جاء الاتفاق الإيراني مع المجتمع الدولي لينهي عزلة إيران ويعلن دخولها النادي النووي من أوسع أبوابه، إنه حصيلة نضال قادته الديبلوماسية الإيرانية المشهود لها بالحنكة والصبر، ديبلوماسية حياكة السجاد الإيراني، فهي لم تملّ أو تكلّ طوال السنوات الماضية لتثبت أنّ برنامجهها النووي هو سلمي فقط وأنّ من حقها امتلاك هذه الطاقة، وها هي مساعيها تتكلل اليوم بالنجاح من خلال توقيعها الاتفاق الإطاري الذي يرسم الخطوط العريضة للاتفاق النهائي في حزيران. وقد حققت إيران مكاسب مهمّة بعد هذا الاتفاق مع الغرب، أهمها اعتراف المجتمع الدولي بحقّها في تطوير برنامجها النووي السلمي ورفع الحظر الاقتصادي عنها وعن أموالها المجمّدة والتي تقدر بحوالي 100 مليار دولار أميركي.
بعد توقيع الاتفاق، بدأ صراخ العدو يُسمع من خلال تصريحات رئيس كيانه بأنّ هذا الاتفاق هو تقوية لإيران اقتصادياً وعسكرياً، فهنالك الملايين من الأموال المجمّدة والتي سوف تذهب إلى أصحابها، وبما أنّ إيران من ضمن الحلف المعادي لـ»إسرائيل»، فهي ترى أنّ هذه الأموال خطر عليها، كما ترى في الانفتاح الغربي على إيران تهديداً لوجودها.
إنّ ما يريده العدو الصهيوني ببساطة، هو تفكيك الدولة الإيرانية من الداخل وإرجاع إيران إلى الحظيرة الغربية إن صحّ التعبير، إلى أيام حكم الشاه التي يتمنى العدو أن تعود ويعود معها النظام في إيران حليفاً استراتيجياً للغرب و»إسرائيل».
إنه الأمن الإقليمي والهروب من العنتريات التي دمّرت المنطقة الذي أجبر المجتمع الدولي على إيجاد اتفاق إطاري نووي يجنب المنطقة حرباً عبثية أخرى تدعو إليها «إسرائيل» من يسير في ركابها. إنها المصلحة المتبادلة بين الغرب وإيران والتي ترضي جميع الأطراف وتزيل الريبة بينهم، وطبعاً لن يعجب هذا الاتفاق بعض الدول في المنطقة وأولها «إسرائيل»، فعداء «إسرائيل» لإيران ولحلفائها هو عداء وجودي، فمنذ تسليم السفارة «الإسرائيلية» في طهران إلى دولة فلسطين والاعتراف بها وبحقوق الشعب الفلسطيني، إبان الثورة الإسلامية في إيران التي أعلنت مناصرتها قضايا الشعوب المستضعفة وخصوصاً القضية الفلسطينية، بدأ العداء الصهيوني لإيران وحاولت «إسرائيل» ولا تزال تحاول جمع أكبر عدد من الحلفاء لإظهار خطورة إيران في منطقة الخليج، وتحويل البوصلة من العداء الطبيعي للعدو الصهيوني إلى حرب عبثية تتبناها كبرى دول الخليج، إنها الحرب الطائفية المقيتة التي تدور رحاها في المنطقة العربية بأسماء واهية ومعروفة لدى الجميع مرة للتحرير من نظام يقال أنه فاسد، ومرة لإرجاع رئيس خلع نفسه بنفسه، وعلى ذلك تسير الأمور و»الإسرائيلي» يبارك ويصفق لأنّ تلك الحرب بعيدة عنه ولا تمسّ أمن كيانه، لذلك فهو لا يتردّد في دعمها طالما هي تضعف من يقول لا لـ»إسرائيل» ويدعو إلى إرجاع حقّ مغتصب اسمه فلسطين.
إنّ كلّ محاولات إفشال الاتفاق النووي الإيراني مع المجموعة الدولية، باءت بالفشل والخسران، والتهديدات من هنا وهناك لم تعد تنفع لوقف هذا الاتفاق التاريخي، بكلّ معنى الكلمة، لأنه سيزيل التوتر من منطقة الخليج ويفتح صفحة جديدة للتعاون مع إيران على أساس أنها قوة نووية، تُحترم ويستفاد من خبراتها في هذا المجال، بعد أن كان الغرب يعتبر كلّ من يتعاون معها مخالفاً للإرادة الدولية.
إنّ الحملة البربرية على دولة ذات كيان وسيادة واستقلال هو ضرب من ضروب الجنون، وأقصد هنا العدوان الأخير على اليمن من قبل جار لم يراعي حقّ الجوار، بل قاد عدوانه بالتحالف مع بعض الدول لقتل الشعب اليمني وتدمير مقدّرات الدولة وبناها التحتية من مطارات وموانئ ومعسكرات، وترويع الآمنين لأسباب واهية بدأ زيفها يتكشف للشارع العربي يوماً بعد يوم، وها هي باكستان تعلن أنها قرّرت عدم المشاركة في هذا الحلف المخزي، وتؤكد أنها تؤيد حلاً سياسياً سلمياً يحقن الدماء.
إنّ كلّ ما يجري يدفعنا إلى التساؤل: لماذا هذه الحرب إذاً؟ إنّ سبب هذه الحرب التي يقودها مراهقون سياسيون وعسكريون من قادة هذا الحلف الجديد، هو إعاقة الاتفاق النووي الإيراني مع السداسية الدولية. هذا العدوان على اليمن، في هذا الوقت الحسّاس من عمر المفاوضات الإيرانية مع الغرب، كان يراد منه شيطنة إيران لدفعها إلى القيام بما يعيق الاتفاق ويعكر جو المفاوضات، كون إيران حسب توصيف قادة الحملة على اليمن من حلفاء «أنصار الله»، لكنّ ذلك لم يتحقق.
إنه عنوان نجاح الدبلوماسية الإيرانية فهي كانت تواجه وتفاوض اعتى وأمهر المحنكين الغربيين سياسياً، وقد نجحت في هذه المواجهة بحصولها على اعتراف من القوى الكبرى بأنها قوة إقليمية فاعلة في المنطقة، وبأنّ لها الحقّ في الحصول على التقنية النووية السلمية، وأنها سوف تكون شريكاً للخليجين في أمن منطقتهم وهذا شي طبيعي، فإيران هي جار للدول الخليجية وأمن الخليج من أمنها.
أما بالنسبة إلى أميركا وأوروبا، فهما في حاجة إلى هذا الاتفاق لضمان أمن المنطقة ولإزالة مخاوف حلفائهما من الدول الخليجية من امتلاك إيران للقنبلة النووية، أما الزيارة المرتقبة لقادة خليجيين إلى البيت الأبيض، فإنّ هدفها هو تطمين هؤلاء الحلفاء بأنّ إيران لن تستطيع إنتاج أي قتبلة نووية في الأجل القريب أو البعيد، وأنّ على الدول المعنية أن تتعامل مع إيران على أنها قوة إقليمية فاعلة لأمن المنطقة، وللتعاون معها اقتصادياً وسياسياً، فهي جارة لدول الخليج، كما أسلفنا، في الماضي وفي الحاضر وفي المستقبل وهناك خطوط حمراء لا يسمح لإيران أن تتجاوزها في المنطقة، وهي الأمن الوطني لكلّ دولة خليجية وهذا ما تعلمه إيران جيداً.