الحرب بين اليمن والحجاز عمرها ألفان من الأعوام

الياس عشي

يبدو أنّ العرب غير مستعدّين حتّى الآن للخروج من تاريخهم السيّئ الذكر القائم على الاقتتال بين عرب الشمال وعرب الجنوب، أو تحت عناوين أخرى: بين العدنانية والقحطانية، أو بين القيسية واليمنية، أو بين الحميريين والحجازيين. وعلى رغم أنّ الإسلام وضع حدّاً لتلك الحروب القبلية، واستبدلها بحروب خارجية أوصلت العرب إلى الأندلس، على رغم ذلك ظلّت إثارة العصبيات القبلية هي السياسة المتبعة لدى الخلفاء المسلمين وبخاصة في العصر الأموي.

ولقد انعكس هذا الصراع في شتّى المجالات، حتّى اللغة العربية لم تسلم منه، فأبو عمرو بن العلاء يقول: «ما لسان حِمْير بلساننا، ولا لغتهم بلغتنا»، نافياً بهذا القول أية صلة بين لغة الحميريين أيّ أهل اليمن، ولغة أهل الحجاز. ولا يخفى على أحد أهميّة وحدة اللسان في تقارب الشعوب. إذاً كان هناك صراع بين لغتين اعترف به أصحاب الاختصاص، انتهى بانتصار لغة الحجاز، وتحديداً لغة قريش، وذلك بعد نزول القرآن الكريم على الرسول القريشي العربي الكريم محمد بن عبدالله، ولقد أثار ذلك، من دون شك، حفيظة أهل اليمن.

ولم يقتصر هذا الصراع على اللغة فحسب، بل امتدّ إلى الشعر، وإلى الشعراء الذين استطاعوا من طريق الهجاء إثارة نار الفتنة كلّما كانت المصلحة السياسية تقتضي ذلك، والعودة إلى المثلث الأموي الأخطل وجرير والفرزدق تؤكد أنّ العصبية القبلية بين عرب الشمال وعرب الجنوب لم تتوقف أبداً مما دفع الأخطل ليقول:

«إنّ الضغينة تلقاها وإنْ قدمت

كالعرّ يكمن حيناً ثمّ ينتشر»

هذه الحرب الضروس التي بدأت منذ ألفي عام ولم تنته حتّى اليوم، سببها الرئيس اقتصاديّ محض، فبعد سيل العرم، وانهيار سدّ مأرب، وسقوط الحضارة اليمنية، حدثت هجرة جماعية من الجنوب إلى الشمال، فكان من الطبيعي أن يتقاسم النازحون ثروات الحجاز المتمثلة يومذاك، بالماء والكلأ، ليبدأ تنازع البقاء… وهو ما زال قائماً.

كلّ ما في الأمر أنّ مواد الصراع على الثروة قد استبدلت بمواد أخرى، فحلّ النفط والغاز والممرات البحرية مكان الماء والكلأ والمسالك الرملية.

وكذلك أساليب الصراع… سكتت الخيول عن الصهيل، وترجّل الفرسان عن متونها، وغابت النسور هاربة من ضجيج الطائرات.

وعلى رغم كلّ ذلك يحلو للاعبين الكبار أن يعطوا لهذه الحرب بين السعودية واليمن طابعاً مذهبياً، لا لشيء إلا كـي تأخذ نار الفتنة في طريقها ما بقي من اليمن السعيد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى