«دولة ولاية الفقيه نووية» وما قبلها ليس كما بعدها
روزانا رمّال
يستقبل الإيرانيون محمد جواد ظريف العائد من لوزان السويسرية استقبال المنتصر وفي جعبته انتزاع رسمي لحق بلاده بإنتاج الطاقة النووية وضمّها الى نادي الدول الكبرى.
يعرف الايرانيون جيداً أنّ المهمة لم تكن سهلة، وأنّ طريقهم أصعب مما توقعوا، وأنّ السوء لم يلقه فقط «الإسرائيليون» الذين اعتبروا انّ هذا الاتفاق أسوأ مما تخيّلوا.
حوربت إيران وهوجمت بأكثر من طريقة وأسلوب، كلّ الأساليب كانت شاقة ومكلفة ومرهقة من دون محاولات بث انتصارات تأتي على طبق من فضة بتسويات، ومن دون تضحيات، فالهجمة الأميركية ـ «الإسرائيلية» على إيران بدأت منذ عشر سنوات وتوزّعت بين استهداف حلفائها في الشرق الأوسط تزامناً مع عقوبات، وصولاً الى ما هو أخطر ومباشر من حيث التعلّق بالبرنامج النووي الإيراني، والذي يعتبر رسالة موجهة، وهو اغتيال كبار علماء الطاقة والكيمياء في إيران، في موجة اجتاحت البلاد منذ سنوات من أجل إحباط عزيمة العلماء الإيرانيين وحتى الطلاب الذين يسيرون بالبلاد نحو التقدّم العلمي والتقني الذي شكل أهمّ أسباب تتويج إيران دولة علم وعلماء قبل أيّ شيء.
طريق المفاوضات كانت شاقة ومضنية وسط الأحداث التي عصفت بالشرق الأوسط، والتي يتهم فريق كبير إيران بالضلوع فيها، أو لعب دور سلبي على أقلّ تقدير فيها مثل دورها في العراق وسورية بحسب تعبيرهم.
بالنظر الى المعطيات الجديدة او بالتنازلات والمعادلات فإنّ السؤال ما الذي تغيّر اليوم حتى يسلك الاتفاق الإيراني مع الغرب طريقه، هل هي إيران أم هو الغرب؟
في الحقيقة الذي تغيّر ليس إيران بتاتاً، فهي لم تتنازل عن حقها النووي باعتراف «إسرائيلي» بأنها قادرة اليوم ان تمتلك سلاحاً نووياً بكلّ وضوح، وإيران هذه نفسها لم تتغيّر تجاه سياساتها التي لطالما اتخذت من تصريحات الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، أيّ قبل العهد الحالي، أنه كان يكثر من خطاباته النارية والحادّة تجاه «إسرائيل» وإزالتها عن الخريطة، بدليل أنّ الاتفاق اليوم نجح على وقع نفس الحديث ونفس اللغة في عهد الرئيس حسن روحاني، وعلى بعد يومين من لوزان التأكيد أنه بالنسبة إلى إيران فإنّ موضوع القضاء على «إسرائيل» ليس للبحث، أيّ أنه مسلّمات.
لا يهمّ الاميركيين كثيراً مَن الذي تغيّر، فلطالما كانت واشنطن تبدّل مواقفها وتتعاطى بازدواجية في كثير من الأمور المصيرية التي تخوض غمار البحث فيها، ولم يكن دعم مصر «مرسي» أو مصر «السيسي» سوى دليل قريب وملموس… لا يهمّ بالنسبة للأميركي اذاً من الذي تغيّر، المهمّ أنّ «الإسرائيلي» يعرف اليوم انّ أميركا هي من تغيّر، وأنّ في واشنطن مزاجاً آخر لا ينظر كثيراً في مصالح «إسرائيل» مهما حاول نتنياهو الادّعاء انّ العلاقة بينه وبين واشنطن متينة كالصخر.
تعرف «إسرائيل» جيداً أنّ إيران لم تتغيّر، كذلك السعودية توقن هذا الأمر، وبالتالي فإنّ نتيجة ما جرى يؤكد أمرين أساسيّين بالنسبة إلى كليهما.
الأول أنّ الخطوط الحمراء التي رسمتها «إسرائيل» وفرضتها على الغرب منذ نشوئها سقطت اليوم، وأنّ الحديث مع من يقاتل «إسرائيل» ويحاربها من إيران أو غير إيران، بات ممكناً جداً وبمعنى آخر لا مانع مثلاً من أن تستيقظ «إسرائيل» وترى اجتماعاً لسفير اميركي مع مسؤولي حزب الله طالما أنّ أميركا خاضت غمار التفاوض مع إيران.
ثانياً انّ السعودية لم تعد وحدها سيدة الخليج، او تلك الدولة التي تؤخذ مصالحها بعين الاعتبار ويتمّ مشاركتها وحدها في تسويات المنطقة وتقسيم النفوذ والمصالح، وأنها رسالة صريحة بضعف النفوذ السعودي بعين الاميركي.
«إسرائيل» والسعودية أدركتا ان عملية تحجيم نفوذهما بدأت اليوم بعد خضوع أميركي لقدرة أثبتتها إيران في الصمود والسيطرة على كيانها رغم العقوبات وشتى انواع الاستهدافات.
وفي المحصلة ها هي ولاية الفقيه نووية باعتراف دولي تخطى مسألة دعمها لحركات المقاومة التي تهدّد أمن «إسرائيل»، وليس على باقي الدول المجاورة سوى تقبّل هذا الأمر والتعايش معه والتحضير لما بعده فما قبل لوزان ليس كما بعده على الإطلاق.