الأمة بين مؤتمرين

معن بشور

في يومي السبت والأحد الفائتين، 27 و 28 آذار الماضي، عقد في شرم الشيخ وبيروت مؤتمران أحدهما رسمي على مستوى القمة، وآخرهما شعبي على مستوى شخصيات وقيادات في التيارين القومي والإسلامي.

وعلى رغم حراجة الظروف التي تمرّ بها الأمة في العديد من أقطارها، وعلى رغم حدة الانقسامات والتباينات في الرؤى والمواقف لم يكن صعباً على المراقب أن يلحظ فارقاً جوهرياً في خطاب المؤتمر الرسمي القمة وخطاب المؤتمر الشعبي المؤتمر القومي/الإسلامي .

القمة العربية التي يفترض فيها أن تكون قمة الحوار وإيجاد الحلول للمشكلات المتفاقمة على مستوى الوطن الكبير تحولت مرة أخرى إلى قمة إعلان حرب على بلد عربي فقير بإمكاناته المادية وغني بحضارته وبسالة أبنائه، مكررة نهجاً سبق أن اعتمدته في مقاربتها للعدوان الصهيوني المستمر على فلسطين ولبنان، وللاحتلال الأميركي على العراق، ولعدوان الناتو على ليبيا، وللحرب الكونية على سورية، حين تحول النظام الرسمي العربي إلى جزء من المشكلة، وإلى غطاء للعدوان، وإلى التعامل مع الاحتلال وإفرازاته بدلاً من أن يكون رائداً للحلول ومبادراً للمعالجات.

أما المؤتمر القومي/ الإسلامي الذي كان يتوقع له الكثيرون أن ينفجر من داخله، لحدة التباينات بين مكوناته، وتناقض الرؤى لما يجري في المنطقة، فقد ساد أجواءه حوار هادئ وعقلاني يعبّر عن إحساس عالٍ بالمسؤولية، وعن وعي عميق لدى المشاركين فيه بخطورة تعميم أجواء الانقسام على كل منابر الأمة ومحافلها، وبين كل أبنائها وقواها وتياراتها، كما يعبّر عن إدراك عميق بأن أحد أبرز أهداف المؤامرة المتنقلة من قطر إلى آخر، ومن ساحة إلى أخرى، يكمن في تمزيق عرى التلاقي والتوافق بين تيارات الأمة ومدارسها الفكرية والسياسية، وتمزيق الروابط القائمة داخل مجتمعاتها كي تتحول الدول إلى أشلاء، والكيانات إلى شظايا، والمواطنون إلى ضحايا.

وبدلاً من أن يصب خطاب المؤتمر الزيت على الحرائق المشتعلة في أكثر من قطر، أو على الخلافات والتباينات القائمة بين مكوناته، جاءت مداخلات أعضائه على ما أظهرت من تباينات تتم تحت سقف الحوار، وفي ظل الإيمان بأن التفاعل والتلاقي بين تيارات الأمة حول المشروع النهضوي العربي هو قرار استراتيجي ينبغي إخضاع كل التكتيكات العابرة والتناقضات الثانوية لموجباته، بل جاء بيانه الختامي مكرساً لروح التلاقي حول المشتركات ولمعالجة قضايا الخلاف بروح عالية من المسؤولية والحرص المشترك على إطفاء كل الحرائق الملتهبة على امتداد الوطن الكبير.

وفي حين تناسى المؤتمر الرسمي قمة شرم الشيخ مركزية القضية الفلسطينية، وأولوية الصراع مع العدو الصهيوني، وأخذ الرؤساء والملوك والأمراء قمتهم إلى كل مكان إلاّ إلى فلسطين، وأثاروا كل أنواع الصراعات داخل الأمة الواحدة أو مع دول جوارها الحضاري على حساب الصراع التاريخي الأكبر في حياتنا المعاصرة، وجدنا المؤتمر الشعبي المؤتمر القومي/ الإسلامي يخصص جلّ بيانه الختامي لقضية فلسطين بكل عناوينها العودة والتحرير، مناهضة تهويد القدس وحصار غزة، مقاومة العنصرية والاستيطان …الخ ، لا باعتبارها قضية حقوق غير قابلة للتصرف فحسب، بل لكونها أيضاً قضية جامعة لكل أبناء الأمة ومكوناتها، ولكل أحرار العالم وشرفائه، كما يعلن تمسكه بالمقاومة طريقاً لمواجهة الاحتلال والعدوان، بل وجدنا هذا المؤتمر يجدد دعوته للحوار مع أمم الجوار الحضارية الإيرانية والتركية والإثيوبية وعلى قاعدة الاحترام المتبادل للسيادات الوطنية والمصالح المشتركة.

أصر المؤتمر الرسمي القمة على تغييب الدولة السورية وهي قطب أساسي من أقطاب النظام العربي منذ تأسيسه، وركن رئيسي من أركان الأمن القومي العربي الذي خصص المؤتمر دورته للبحث في المخاطر التي تهدده، فإذ به يستبعد الخطر الأكبر المتمثل بالمشروع الصهيوني، ويُبعد القطر الذي بقي منذ استقلاله في الأربعينات حاملاً لواء مقاومة هذا المشروع الصهيوني، ناهيك عن مقاومته اليوم لما يسمونه في المؤتمر بخطر «الإرهاب».

بينما حرص المؤتمر الشعبي المؤتمر القومي/الإسلامي بالمقابل أن يضم بين جنباته ممثلين عن كل تيارات الأمة وقواها وأحزابها، رافضاً منطق الإقصاء والإبعاد والاستئثار والاجتثاث والتهميش الذي رعاه المشروع الاستعماري على مدى القرون، والذي تتغذى منه اليوم كل مشاريع الفتن ودعوات الغلّو والتطرف والتعصب والتوحش المنتشرة من حولنا.

لقد أدار المؤتمر الرسمي القمة ظهره لكل مبادرات الحوار والمصالحة واحترام الآخر، وهي مبادرات، مهما تعثرت السبل إليها، تبقى الطريق الوحيد للخروج من نفق الدماء والآلام الذي تعيشه الأمة، فيما كان أركان المؤتمر الشعبي المؤتمر القومي/الإسلامي ، مهمومين بالسبل التي توصل إلى إقامة حوار بين القوى المتصارعة في الأمة، وفي كل قطر من أقطارها، على أساس معادلة بسيطة «إن من حق الجميع أن يكون له رأيه ومطالبه وتوجهاته، وإن من واجب الجميع احترام رأي الآخر ومطالبه وتوجهاته، ولكن ليس من حق احد أن يستخدم هذه المطالب المشروعة لتنفيذ أجندات دموية مشبوهة يعد لها أعداء الأمة لتدمير مقوماتها وتمزيق مجتمعاتها، وتفكيك دولها وتقسيم كياناتها».

بين المؤتمرين اللذين عقدا في الوقت ذاته، نستطيع أن نقرأ تناقضاً مريعاً بين مشهدين تعيشهما الأمة، مشهد الانزلاق إلى المزيد من الفتن والحروب والاحتراب الأهلي والطائفي والمذهبي والاثني يقوده النظام الرسمي العربي، ومشهد الدعوة والسعي إلى إعلاء لغة الحوار والحلول السلمية والسياسية لكل القضايا المشتعلة، وهي اللغة التي لا تستقيم حرية من دونها، ولا تقوم وحدة ولا تصان كرامة ولا يبنى وطن في غيابها.

فإلى أي المؤتمرين والنهجين ننتمي؟

المنسّق العام لتجمّع اللجان والروابط الشعبية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى