مدارات أردوغان يتلمّس طريقه في طهران

ناديا شحادة

اتفاق لوزان الموقع بين إيران ومجموعة 5+1، والذي سيمهّد لتوقيع الاتفاق النووي النهائي في 30 حزيران المقبل، والذي وصفته القوى العظمى بـ»التاريخي»، وضع جميع الدول الموجودة في الإقليم في مكان يفرض إعادة تقييم وترتيب علاقتها الإقليمية بإيران العائدة إلى العالم بقوة نووية بعد عزلة طويلة.

ومن بين تلك الدول تركيا التي وجهت انتقادات حادّة إلى إيران سابقاً، حيث صرح رئيسها رجب طيب أردوغان في 27 آذار الماضي بأنّ إيران تحاول السيطرة على المنطقة، وهذا الأمر يزعجنا ويزعج السعودية وباقي دول الخليج، ولكن بعد التوصل إلى اتفاق الإطار لم يختلف موقفها الرسمي من الاتفاق عن حلفائها الغربيين في حلف شمال الأطلسي، حيث اعتبر البيان الصادر عن الخارجية التركية يوم 3 نيسان 2015 أنّ الاتفاق خطوة إيجابية لتحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، وقال وزير الخارجية التركي «نحن سعداء بأن نرى توافقاً على الإطار العام لاتفاق نهائي، وآمل أن تتوصل الأطراف إلى الاتفاق النهائي، هذا التغيير في الموقف التركي تجاه طهران يراه المراقبون أنه تعبير عن التغيير الواضح في استراتيجية أنقرة في إدارة ملفاتها الخارجية.

تركيا التي كانت تتمتع بعلاقة جيدة مع طهران قبل بدء الحرب في سورية وصلت إلى درجة قيامها بدور الوسيط بين إيران والقوى العظمى حول ملفها النووي عام 2010، ولكن العلاقة تدهورت بين الطرفين بشكل واضح على المستوى السياسي بعد الخلافات الحادة حول عدد من القضايا ومنها مساندة إيران لسورية ودعم الرئيس بشار الأسد، مقابل تركيا التي تسعى إلى إزاحته، وكذلك الخلاف على الملف العراقي ودعم إيران لحكومة نوري المالكي في بغداد، إذ دعت تركيا مراراً إيران إلى سحب قواتها من الأراضي العراقية، وازدادت الأمور انفجاراً بين البلدين بعد مساندة أنقرة لعملية «عاصفة الحزم» التي تقودها السعودية ضدّ الحوثيين في اليمن.

ويؤكد المراقبون أنّ التطورات في السياسة الخارجية التركية تجاه إيران التي ازدادت حدة هذه الأيام تأتي قبل زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى طهران اليوم الثلاثاء، إذ يؤكد المراقبون أنّ هذه الزيارة ربما تؤدّي إلى تطورات إيجابية في الملفات المختلفة، والمتعلقة بسورية والعراق واليمن، إذ أدّى الأخير إلى تصاعد التوتر الدبلوماسي بين البلدين بعد تصريحات أردوغان في 30 آذار الماضي، بأنه لا يزال يعتزم زيارة إيران الأسبوع المقبل، لكنه يراقب تطورات الأزمة اليمنية التي أدّت إلى تصاعد التوتر الدبلوماسي بين أنقرة وطهران. وفي المقابل، تؤكد طهران ضرورة الحلّ السلمي في اليمن، وجاء ذلك على لسان مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في 1 نيسان الجاري، على أنّ طهران تعتبر الهجوم العسكري السعودي ضدّ اليمن خطأ استراتيجياً، وأنّ الحلّ يجب أن يكون سياسياً يشمل جميع الأطراف الخارجية، في حين تدعم تركيا «عاصفة الحزم»، إذ أعلنت وزارة الخارجية التركية في 26 من آذار الماضي دعمها للعملية العسكرية التي تنفذها السعودية في اليمن ضدّ الحوثيين.

ويؤكد المراقبون أن زيارة أردوغان طهران لن تمرّ من دون عرض وجهات النظر ونقاط الاختلاف حول كلّ من اليمن والعراق وسورية، وتحديداً سورية حيث أخذ الدور التركي بالتراجع والفشل على رغم استمرار التصريحات المناهضة للرئيس بشار الأسد، فأردوغان يشعر بحجم المأزق الذي وضع نفسه فيه بعد خسارته رهاناته على إسقاط النظام السوري، وذلك بعد التوجه الدولي والإقليمي الذي بات واضحاً باتجاه الحلّ السياسي السلمي في سورية، هذا الحلّ الذي تطالب به إيران منذ بدء الأزمة، ويؤكد المراقب للشأن السوري أنّ إيران التي ما زالت تدعم النظام في سورية وتطالب بحلّ سياسي ربما تحاول فرض هذا الحلّ على أردوغان الذي ربما يساهم في تقارب وجهات النظر بين الجانبين التركي والإيراني حالياً في ما يتعلق برفض أي تدخل عسكري في الأزمة السورية، وكذلك أهمية القضاء على التنظيمات الإرهابية المتنامية في سورية لما تشكله من خطر ليس على سورية فقط إنما تشكل هذه الجماعات تهديداً على أمن وسلامة دول الجوار.

ومع التطورات التي نشهدها على الساحة الإقليمية وبعد زيارة رجب طيب أردوغان طهران، يطرح المراقبون أسئلة عدة، منها هل سنشهد تغييراً في موقف الدبلوماسية التركية تجاه الحرب في سورية وسياساتها نحو العراق؟ وبالذات بعد تصريحات رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري الذي قام بزيارة تركيا وأعلن أنّ الأخيرة دولة مهمة للعراق والعراقيين، ولا يمكن التوصل إلى الاستقرار من دون ترقية العلاقات الثنائية بين البلدين، وأنها مهتمة بتحرير الموصل، وهل سنشهد تحوّلاً في موقف تركيا تجاه عملية «عاصفة الحزم» ضدّ الحوثيين في اليمن؟ وهل التغييرات في الشرق الأوسط سوف تفرض على تركيا ضبط تفاعلاتها وتحركاتها لكي تخرج من المعسكر المناهض لإيران وحلفائها؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى