من لوزان … إيران تنتصر
راسم عبيدات
من لوزان في سويسرا، جاء الإعلان عن وضع الخطوط العريضة والرئيسية للتفاهم حول برنامج إيران النووي، ومما لا شكّ فيه، باعتراف المفاوضين جميعاً من إيرانيين وأميركيين وأوروبيين، فإنّ هذا الاتفاق حدث تاريخي بكلّ المعايير والمقاييس، حدث سيشكل، بعد التصديق عليه في شكل نهائي في حزيران المقبل، إذا لم تظهر أية عقبات أو تطورات أو مفاجآت، نقطة تحول في المنطقة، ليس لجهة الاعتراف بإيران كقوة إقليمية لها مصالح ونفوذ في المنطقة فقط، بل لجهة الاعتراف بأنّ إيران نجحت بصمودها وثباتها على مواقفها من القضايا الإقليمية والدولية، في الدخول إلى نادي الكبار في العالم، وهي تتصدر اليوم حلفاً يمتد من طهران حتى عدن، وسيفرض هذا الحلف شروطه ومعادلاته في المنطقة.
الفرحة عارمة بالوصول إلى هذا الإنجاز، الذي وصفه الرئيس الأميركي باراك أوباما بـ«التاريخي» ووزير خارجيته جون كيري بـ«العظيم». حقاً إنه تاريخي وعظيم، فهو يؤكد حقّ إيران في امتلاك التكنولوجيا النووية، ويبقي على قدراتها، في حدود الاستخدام للأنشطة والاستخدامات السلمية، كما أنه سيؤدي إلى رفع العقوبات الاقتصادية والمالية عن طهران، ما يعني تحرير الاقتصاد الإيراني من القيود الكبيرة التي أثقلت كاهله، ما سيؤدي إلى زيادة الإنتاج النفطي إلى أكثر من ثلاثة أضعاف، وهذا يعني تنشيط وتفعيل وترميم الكثير من المؤسسات الاقتصادية والمالية الإيرانية التي تضرّرت نتيجة الحظر والعقوبات الأميركية والغربية.
أثبتت إيران بتوقيعها الاتفاق التاريخي، للعرب العاربة والمستعربة، وكلّ المنهارين منهم، أنّ سياسة الاستجداء والاستعطاف والتعامل الدوني مع الأميركيين والغرب، لن تقود إلا إلى المزيد من الذلّ والمهانة وعدم الاحترام، فأميركا تتعامل مع العرب بدونية، رغم أنّ اقتصادها ينتعش بملياراتهم المضخوخة إلى المصارف والمؤسسات المالية في واشنطن، في حين أنّ «إسرائيل» التي يعتمد اقتصادها في شكل أساسي على الأموال الأميركية، تعربد وتمارس البلطجة، ويذلّ رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو الرئيس الأميركي في عقر داره.
نعم، أثبتت طهران لمشايخ النفط وغيرهم من العربان، أنّ الطريق إلى واشنطن، لن تمرّ عبر تل أبيب، كما أثبتت دول صغيرة في حجم كوبا وفنزويلا، من قبل، صحة هذه المقولة، فرغم حصارها والتآمر الأميركي عليها، لم تركع ولم تتخلّ عن مبادئها ومواقفها وثوابتها، ولم ترتعد قياداتها أو تجبن، وجميعنا يذكر أنّ الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز قام بزيارة الرئيس صدام حسين في العراق، رغم الحظر والعقوبات الدولية، كما قام بطرد سفير «إسرائيل» لأنها دولة إرهابية، على خلفية حروبها العدوانية على شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة.
الفرحة العارمة تعمّ دول العالم بهذا الاتفاق، لكنّه لا يلقى الترحاب والقبول في «إسرائيل» ولدى مشايخ الخليج، وخصوصاً في السعودية. وبالنسبة إلى «إسرائيل»، فقد حاولت بشتى الطرق منع توقيع هذا الاتفاق الذي وصفه رئيس وزرائها نتنياهو في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» بأنه «أسوء مما توقعنا»، ولم يترك نتنياهو مناسبة أو محفلاً أو مؤتمراً، إلا وحرض فيه على إيران معتبراً أنها دولة تريد تدمير «إسرائيل»، متهماً إياها بتصدير الإرهاب إلى سورية والعراق ولبنان ومصر واليمن وفلسطين. وفي سبيل ذلك مارست دولة العدو التخريب في المنشآت النووية الإيرانية، واغتالت علماء نوويين وهدّدت أكثر من مرة بأنها ستذهب منفردة لتدمير تلك المنشآت، وقد نسقت عبر رئيس جهاز الموساد مع السعودية لتحقيق هذا الهدف. أما السعودية، فقد سلكت هي الأخرى كلّ الطرق ومارست شتى الضغوط وكلّ أشكال الابتزاز وقدمت الرشاوى ووعدت بالمليارات، مقابل منع توقيع الاتفاق، فقد حاولت رشوة الروس بمليارات الدولارات وبمشاريع اقتصادية ضخمة، كما كانت تحرّض فرنسا وتدفع لها الملايين من أجل أن تتصلب في المحادثات الدولية 5+1 . ولجأت المملكة إلى الحرد في المؤسسات الدولية، حين تخلت عن مقعدها غير الدائم في هيئة الأمم المتحدة العام الماضي، كما اعتذرت عن إلقاء كلمتها في الجمعية العامة للأمم المتحدة، عندما اكتشفت أنّ أميركا بدأت محادثات مع إيران حول برنامجها النووي، من دون علمها بوساطة عمانية.
الموقف «الإسرائيلي» وحده يرسم بوصلة ووجهة الموقف من الاتفاق. «يوم حداد في إسرائيل» تقول المواقع «الإسرائيلية»، وتضيف إنه علامة فشل تاريخي لكلّ من «إسرائيل» والسعودية ستكون أثمانه باهظة عليهما.
تدرك أميركا جيداً أنّ السعودية و«إسرائيل» هما من تشوشان وتحرضان، في شكل أساسي، على الاتفاق، وقد جاءت الأحداث الأخيرة في اليمن لتمنح الأميركيين فرصة لتسويق هذا الاتفاق وتجاوز الاعتراضات السعودية ـ «الإسرائيلية» عليه، حيث أنّ ضجيج وصخب التدخل السعودي في اليمن، سيطغى على توقيع الاتفاق مع إيران، لذلك أعطت واشنطن الضوء الأخضر للسعودية لشنّ عملية عسكرية ضدّ الحوثيين، فالمعلومات المتوفرة تشير إلى أنّ قرار شنّ «عاصفة الحزم» السعودية على اليمن، كان سابقاً لزحف الحوثيين على عدن، وفي هذا الإطار، قال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير إنّ هذه العملية هي نتاج محادثات سعودية ـ أميركية ممتدة إلى شهور سابقة، وهذا ما اتضح من خلال الإعلان عن «عاصفة الحزم» السعودية من واشنطن.
شنت السعودية هذه الحرب العدوانية لخشيتها من خسارة دورها الإقليمي، أكثر من خشيتها امتلاك إيران للقنبلة النووية، فهي تعرف جيداً أنّ هذه القنبلة هي فقط من أجل خلق توازن رعب وحماية مصالح إيران ودورها ونفوذها في المنطقة، وليس من أجل استخدامها، وهي بفعل البترودولار قادرة، وبموافقة أميركية على شراء قنبلة نووية جاهزة من حليفتها باكستان.
تخشى «إسرائيل»، إلى حدّ الهوس، امتلاك أي دولة في المنطقة سلاحاً نووياً، يهدّد دورها ونفوذها أو يشكل خطراً وجودياً عليها، لذلك فهي تعتبر أنّ منع امتلاك إيران لهذا السلاح ضمانة لاستمرار تفردها وهيمنتها وسيطرتها على المنطقة، ولكي تهضم الاتفاق الإيراني مع أميركا والغرب فهي في حاجة إلى جائزة ترضية أميركية، جائزة ستدفع من الحقوق الوطنية الفلسطينية، حيث ستغضّ واشنطن الطرف عن مواصلة «إسرائيل» توسعها الاستيطاني في الضفة الغربية وتهويدها للقدس، مع بقاء المفاوضات دائرة لعشر سنوات مقبلة أخرى، وما بين تقديم مبادرة أميركية وأخرى أوروبية، تكون «إسرائيل» قد أجهزت ليس على القدس وحسب، بل الضفة الغربية أيضاً، وقضت على آمال الفلسطينيين بإقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة، عاصمتها القدس.
حدث تاريخي سيلقي بظلاله على كامل المنطقة، بعد التوقيع في شكل نهائي في حزيران المقبل، لتتكرّس بموجبه إيران في نادي الكبار، ولتتشكل على أساسه تحالفات ومعادلات جديدة في المنطقة.
Quds.45 gmail.com