الممكن الاستراتيجي
د. نسيب أبو ضرغم
لا شك في أن توقيع الاتفاق النووي بين إيران والغرب 5+1 ، أحدث دينامية على مستوى المنطقة، ولا سيما المشرق العربي.
أما لماذا المشرق العربي؟ فلأن هذا المشرق قد شهد فراغاً في منظومة القوة التي كان بإمكانها صوغ معادلة واعدة، هي بالتأكيد، أساسٌ لمستقبل مختلف، لا تنعكس إيجابياته على سورية الطبيعية فقط، بل تتعدى ذلك، إلى بلدان عربية أخرى.
بعد احتلال العراق من قبل التحالف الصهيو- أميركي، وبعدما أُشعلت الحرائق الصهيونية في جسد الدولة السورية منذ عام 2011، ظهر المشرق العربي خالياً من استراتيجية شاملة تتبناها دوله، بحيث يجرى استفراد كل دولة على حدة.
التوقيع على الاتفاق النووي بين إيران والمغرب، جعل المنطقة تقف عند مرحلة مختلفة عن التي سبقت الاتفاق. ذلك أن سمة هذه المرحلة، هي الإمكان الاستراتيجي، بعد أن كان هذا الإمكان رغبة وأمنية بفعل الكوارث التي أنزلها الاحتلال الأميركي للعراق من جهة، وبفعل ما يُسمى «بالربيع العربي» من جهة ثانية.
إننا في سورية الطبيعية نعيش لحظة الإمكان الاستراتيجي، وحتى ينتقل هذا الإمكان إلى واقع، لا بدّ من وجهة نظرنا من أن تقوم دولتا العراق والشام، بتأسيس الميثاق القومي الذي يؤسس لقوة قومية مشتركة تديرها أركان مشتركة، وكل ذلك مستند إلى رؤية استراتيجية مشتركة.
لم يعد جائزاً أو مبرراً، أن يكون محور المقاومة في سورية الطبيعية موزعاً على قوى، تتناغم ولكنها لا تتمأسس في سياق مواجهة شاملة واحدة.
لم يعد مبرراً أن تتكوّر قوى المقاومة في سورية الطبيعية ضمن حدود سايكس – بيكو، لأنها بهذا التكور تقضي على كثير من الإمكان الاستراتيجي الذي أشرنا إليه.
لقد فرضت تداعيات المواجهة مع قوى التكفير ومن وراءها، حقيقة وحدة الجبهة، وحدة القوى المقاتلة على الجغرافيا الموحدة.
لقد أصبح الممكن الاستراتيجي الكامن في واقعنا، ممكناً على وشك التحقق، إذا توافرت له شروطه، وهي في كل حال غير مستعصية.
إن ما فرضته القوى التكفيرية التدميرية يقوم على مدى الجغرافيا في سورية الطبيعية بعملية تدمير ممنهج للجيوش والدول والمجتمعات والحضارة، وقد أسقطت الحدود وانطلقت من أن المشرق هو المدى الواحد الذي ستقوم عليه دولة التكفيريين.
إزاء الخطر الواحد، في المدى الجغرافي الواحد، وعلى جميع مقومات الوجود الواحد، أليس من الممكن أن ينبثق زمن جديد، ووجود قومي جديد يرسي لنا حضوراً مختلفاً عن ذاك الذي ولدّته لنا سايكس بيكو؟
إن الاتفاق النووي مع إيران، يعطي إشارة تحوّل نوعي في تعاطي الغرب مع قضايانا. وهو بكل حال الاتفاق سينتج معطى جيو-سياسياً مختلفاً في المنطقة بأسرها، وبخاصة على مدى سورية الطبيعية إذا أحسن استثمار نتائجه.
ليس من المنطقي ألّا نرى على مدى سورية الطبيعية هيئة سياسية موحدة لكل من العراق والشام، وهيئة أركان مشتركة تجمع قوى المحور المقاوم كافة على مدى سوريا الطبيعية.
ليس من المنطقي أن يتأخر قيام مجلس التعاون المشرقي، هذا المجلس الذي سيحتضن في حال قيامه، تفعيل المعطيات السياسية والعسكرية والاقتصادية والإعلامية كافة على مدى هذا المشرق.
هذا المجلس الذي يشكل قيامه إنجازاً نووياً في السياسة المشرقية، وفي وجودنا القومي رمة.
إن تخلفنا عن توحيد قدراتنا كلها على مدى سورية الطبيعية، ليس ضرراً لنا فحسب، بل هو إضعاف لمعادلة المواجهة الدولية التي نجد أنفسنا في حلف معها، المواجهة التي يخوضها الحليف الدولي ضد الولايات المتحدة وقواعدها السياسية في المنطقة، وفي مقدمها «إسرائيل» والدولة التركية بقيادة أردوغان.
لم يعد مقبولاً أن تكون الجغرافيا الفاصلة بين الحليفين الاستراتيجيين «إسرائيل» وتركيا، جغرافيا مجزأة، كما لم يعد مقبولاً أن تكون ممكنات وقدرات دول هذه الجغرافيا منفصلة عن بعضها بعضاً، ومحتسبة في محاسب سايكس – بيكو…
لقد وحد التحالف المعادي من أميركا و«إسرائيل» وتركيا، قوى الموت التكفيرية على الرقعة الجغرافية الواحدة، واعترف بها، دولةً وجغرافيا، فيما نحن لا نزال نواجه هذه الكارثة بعقلية الدول والجغرافيا المجزأة.
لقد خلق اعتراف الغرب بإيران دولة نووية إمكاناً سوف يولد تبدلاً جيو- استراتيجياً على مدى المشرق، فهل نحن جاهزون لتوظيف هذا الممكن توحيداً في الجغرافيا والسياسة والدفاع والاقتصاد والإعلام؟ هل نحن متنبهون لدقة اللحظة التاريخية، والتي إذا التقطناها، نكون قد حجزنا لنا مكاناً في صناعة تاريخ المنطقة على الأقل؟
العالم اليوم، يتمخض عن ولادة قريبة، ستكون نظاماً دولياً جديداً، متعدد الطرف، وهي فرصتنا التي لم نجدها منذ خسرنا استقلالنا السياسي، يوم دخل هولاكو عام 1258 بغداد، وانتهاءً بالحربين العالميتين وما تمخض عنهما من اتفاق سايكس – بيكو ووعد بلفور وقيام دولة العدوان اليهودي في فلسطين.
الجغرافيا السورية لسورية الطبيعية والإمكانات الاقتصادية، والصمود الأسطوري لجيوشنا ومقاومتنا، والحضارة الضاربة في التاريخ، كل ذلك يشكل معطى جيو- سياسياً- اقتصادياً – استراتيجياً، ينبغي أن يتموضع في معادلة قومية حاضنة له، معادلة قوامها بغداد – بيروت، مقدمة لتعم الأمة بأسرها.
معادلة شرط تحققها إرادة سياسية، وإطارها مجلس تعاون مشرقي، وفعلها حضورٌ كريم عزيز حرٌ على مسرح التاريخ.
النووي الإيراني انتصارٌ لكل محور المقاومة، وجمع طاقات الأمة السورية في محورها المقاومة انتصارٌ للوجود القومي أولاً وللنووي الإيراني ولمحور المواجهة الدولية، وهكذا تعود الأمة السورية لتكتب التاريخ من جديد.