أبعاد المغامرة السعودية في اليمن وتداعياتها
هشام الهبيشان
يراقب العالم كله اليوم مسار الحرب السعودية الأميركية الشعواء، بغطاء «ناتو العرب»، على اليمن، هذه الحرب العدوانية التي تعتبر في توقيتها ونتائجها المستقبلية عنواناً لمرحلة جديدة قد تغرق المنطقة بأكملها في مسار فوضوي قد يمتد لسنوات عدة.
بدأت تأثيرات هذه المعركة تظهر على أرض الواقع خارج حدود نطاق الحرب العدوانية على اليمن، ونقرأ هذا من خلال تصريحات وتحليلات واهتمامات دوائر صنع القرار العالمية، ومن خلال بعض وسائل الإعلام العالمية، وبعض أحاديث وتحليلات وكتابات قادة الرأي في المجتمعات الغربية، ومن هؤلاء، على سبيل المثال لا الحصر، الصحافي البريطاني روبرت فيسك الذي قال في مقال له نشر مؤخراً في صحيفة «إندبندنت» البريطانية تحت عنوان «معركة اليمن تأخذ السعودية إلى الهاوية»: «إنّ الحرب ستنال رضا الغرب وإسرائيل، الذين يؤمنون بفكرة دخول العرب في حرب مع أنفسهم». وسأل فيسك: «إذا أصبح هذا الأمر واقعاً، هل سيكون ما تقوم به السعودية آخر محاولة لتثبت أنها قوة عسكرية كبرى؟».
هذا السؤال الذي طرحه فيسك، يقودنا إلى طرح مجموعة من التساؤلات التي تشتق من نمطية وتراتبية السؤال الرئيسي، وهي: ما الفائدة التي ستعود على السعودية ونظامها من تداعيات هذه الحرب الشعواء التي تشن اليوم على اليمن؟ فالنظام السعودي منغمس اليوم في مجموعة أزمات افتعلها في الإقليم، بدءاً من الأزمة السورية، وليس انتهاء بانغماسه المباشر في حرب عدوانية على اليمن.
يبدو أنّ كلّ الرهانات السعودية على كسب معركة واحدة من هذه المعارك والأزمات المفتعلة باءت بالفشل، فالسعوديون يدركون حقيقة هزيمتهم في ميادين عدة مؤخراً، وخصوصاً في الميدان السوري، لذلك لا يريدون أن يتلقوا هزيمة جديدة.
من المتوقع أن يستميت السعوديون في معركتهم العدوانية على اليمن، مرتكزين على قاعدة حلفهم وتحالفهم العشري «ناتو العرب»، فهم اليوم يعلمون جيداً ما معنى أن يفتحوا جبهة وصراعاً جديدين على حدودهم الجنوبية ويعلمون ما مدى الخطورة المستقبلية وحجم التداعيات التي ستفرزها هذه المعركة، وبالأحرى يعلمون حجم الإفرازات المباشرة للانغماس السعودي في هذه المعركة، على الداخل السعودي شرقاً وجنوباً. ومع كلّ هذا وذاك قرّر السعوديون أن يخوضوا هذه المغامرة والمقامرة الجديدة، لعلهم يستطيعون أن يحققوا انتصاراً، حتى وإن كان إعلامياً أو على حساب جثث أطفال ونساء مخيمات النزوح اليمنية، لعلّ هذا الانتصار يعطيهم جرعة أمل بعد سلسلة الهزائم المدوية التي تلقوها في أكثر من ساحة صراع إقليمي.
أما بالنسبة إلى واشنطن، حليفة النظام السعودي منذ سبعة عقود مضت منذ أن رسّخ دعائم هذا التحالف عبد العزيز آل سعود وفرانكلين وروزفلت، فهي تتابع بحذر شديد تطورات ما يجري على ساحات الصراع الجديدة للنظام السعودي ومسرحها الجديد اليمن، وقد قدمت واشنطن إلى السعوديين خدمات مجانية كثيرة في حربهم على اليمن، وليس أول ولا آخر هذه الخدمات تزويدهم بقائمة وبنك أهداف لقواعد عسكرية ومخازن أسلحة تابعة للجيش اليمني ولأنصار الله، والواضح اليوم ومن خلال حديث بعض ساسة وجنرالات واشنطن أنّ الدعم والتأييد الأميركيين للرياض في حربها على اليمن سيتواصل، رغم قلق دوائر صنع القرار الأميركي من التداعيات المستقبلية لهذه الحرب، والنابع من براغماتية واشنطن النفعية التي تتلخص في خشيتها من اندلاع حرب مفتوحة في المنطقة ستضرّ بانسيابية تدفق النفط الخليجي من باب المندب إلى الغرب، وقد تتطور إلى حرب إقليمية مفتوحة قد يكون «الإسرائيليون» جزءاً منها. هذا ما تخشاه واشنطن اليوم، لذلك فهي تعمل على إضعاف كلّ العوامل التي قد تؤدي الى تبلور معالم هذه الحرب.
تدرك القوى الإقليمية والدولية أنّ مغامرة السعوديين الأخيرة على حدودهم الجنوبية وإشعال فتيل حرب وصراع جديد في المنطقة، ستكون له تداعيات خطيرة على مستقبل المنطقة واستقرارها الهشّ والمضطرب، وستكون نتائج هذه المعركة الكلمة الفصل، وفق نتائجها المنتظرة، في أي حديث قادم عن تسويات للأزمة اليمنية ومعظم الملفات الإقليمية العالقة وتغيير كامل ومطلق في شروط التفاوض، فالمرحلة المقبلة ستحمل الكثير من التكهنات والتساؤلات، بل المفاجآت الكبرى، حول طبيعة ومسار عدوان السعودية على اليمن، وذلك لأنّ للمعركة أبعاد مستقبلية ومرحلية، ولا يمكن لأحد أن يتنبأ مرحلياً بنتائجها المستقبلية، فمسارها يخضع لتطورات الميدان المتوقعة مستقبلاً «التدخل البري».
سننتظر الأسابيع الثلاثة المقبلة لنستوضح مزيداً من المعلومات التي ستمكننا من قراءة المشهد المستقبلي أمنياً وسياسياً.
كاتب وناشط سياسي- الأردن
hesham.awamleh yahoo.com