التشكيليّ فؤاد دحدوح: المرأة محور الحياة والموضوع الفنيّ الأهمّ
محمد سمير طحان
تتحوّل المادة الخام بين يديّ التشكيليّ فؤاد دحدوح، إلى عالم من العفوية الطفولية المتدفّقة، سواء كان العمل منحوتةً كاملةَ النضج الفنيّ، من دون تكلف أو إغراق بالتفاصيل القاتلة للفنّ التعبيري، أو لوحة مفعمة بفوضى الألوان المحكَمة، بريشة فنان متمكن من أنغامه اللونية وكتلته المتواضعة بشغفٍ ضمن التكوين، والكادر المعنيّ بالمحيط ككلّ.
وعن علاقته بعمله الفنيّ والتمايز بين المنحوتة واللوحة لديه، يقول التشكيليّ دحدوح في حديث لـ«سانا»: «اللوحة والمنحوتة ـ كعمل فنيّ ـ بالنسبة إليّ، تشكلان مكوّناً واحداً، ولا فرق بينهما سوى أن سهولة الأفكار وسرعة وضعها على سطح اللوحة، هو ما يدفعني للرسم أكثر من النحت الذي يتطلّب تحضير دراسة الكتلة، وعمل مجسّم من الطين، ثم تبدأ الأفكار بالتشكل والتعبير. أما بالنسبة إلى الرسم، فعلى الفور تُفرّغ شحنة التعبير التي يريدها الفنان على سطح اللوحة».
يتركز العمل الفنيّ لدى دحدوح من ناحية الموضوع على عالم المرأة ومنعكساته الإنسانية بأسلوب تعبيريّ يقترب من التجريد بعفوية اللون وليونة الخطّ، ما يعكس امرأة من نوع خاص في فنّه كطفلة ناضجة تلهو بأجواء من الأخضر مع خصوبة لا تعرف النضوب، وهي الموضوع الأهمّ لأنها محور الحياة على حدّ تعبيره.
ويوضح المدرّس في كلّية الفنون الجميلة في دمشق، أنه يشعر بقلق دائم في خصوص مشروعه الفنيّ من ناحيتَي الشكل والمضمون، وضرورة مواكبتهما متطلبات العصر. لافتاً إلى أنه عندما يخوض تجربة ما، سرعان ما ينتقل إلى أخرى ثم يعود إلى سابقتها. وعلى رغم قضائه عشرات السنين مع التشكيل، إلّا أنه يرى نفسه ما زال في بحر التجربة والاكتشاف والدهشة.
ويرى دحدوح أنّ الأزمة أثّرت بشكل مباشر على الواقع الذي نعيش، والفنان بطبيعته مرآة لهذا الواقع. ومن الطبيعي أن يحمل عمله الفني شحنة سوداوية أشدّ توحّداً مع مناخ الحرب، متمنّياً انتهاء الأزمة لإنقاذ إرث سورية وحضارتها.
وحول تفاعل التشكيل السوريّ مع التشكيل العالميّ يقول دحدوح: «إن المشهد التشكيليّ السوريّ مؤثّر وبقوّة على الساحة الفنية عالمياً، على رغم الأزمة التي نمرّ بها. فللمحترف السوري بصمته ومكانته دولياً، سواء من خلال أعمال الراحلين من الرعيل الأول، أو من الفنانين الحاليين والشباب الذين أثبتوا جدارة منقطعة النظير في ما يخصّ الحداثة وما بعدها». لافتاً إلى وجود أعداد كبيرة من الشباب استطاعوا إغناء المشهد التشكيليّ المعاصر بأعمال ترقى إلى العالمية، من دون أدنى شكّ.
ويشير دحدوح إلى أن السوق الفنية داخل سورية تراجعت إلى حدّ كبير لأسباب عدّة أهمها إغلاق الصالات، والعامل الاقتصادي، وبيع الأعمال الفنية السورية حالياً إلى السوق الخارجية، التي بدورها تأثّرت قليلاً بسبب الأزمة في سورية.
ويؤكّد الدكتور دحدوح ضرورة أن تشارك كل المؤسسات الرسمية الفنية وغير الفنية إلى جانب صالات العرض في تنشيط العمل الإبداعي، لا سيما أن الدخل الوحيد للفنان، يكون من خلال تسويق عمله الفنيّ. موجّهاً النداء إلى جميع المؤسّسات والقطاعات الاقتصادية الوطنية، للتعاضد في تنشيط الحركة الفنية ودعمها، كي لا نهدر جانباً مهماً من إرثنا الحضاري.
ويرى دحدوح أنّ التواجد الكثيف للفنانين التشكيليين السوريين في الخارج، والعرض المستمر، سيفرضان على المشاهد الآخر في تلك البلدان دافعاً ومحرضاً على معرفة ثقافة هذا الشعب وهويته، مبيّناً أننا شعب مؤثّر في أيّ مكان نتواجد فيه، لما نملك من عراقة في جميع النواحي الثقافية والحضارية على تنوّعها.
ويختم دحدوح حديثه بالتعبير عن تفاؤله بمستقبل سورية في كافة المجالات ويقول: «أنا متفائل دائماً، لا سيما أنّ بلدنا ولّادة طاقات منتجة في كل المجالات، وهذا الشعب استطاع أن يتلقّى الصدمة ويتعايش مع هذه الأزمة على رغم كلّ الظروف المؤلمة والقاسية التي يمرّ بها، وما زال متّحداً وموجوداً في كل القطاعات».
الفنان فؤاد دحدوح من مواليد دمشق عام 1956، تخرّج في كلّية الفنون الجميلة في دمشق ـ قسم النحت عام 1981، ونال دبلوم المدرسة الوطنية العليا في فرنسا عام 1984، وماجستير المدرسة الوطنية العليا في بولونيا عام 1987، ودكتوراه في مجال الميدالية قسم العلوم الإنسانية في بولونيا عام 1993، وهو عضو اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين، ومدرّس في كلّية الفنون الجميلة في دمشق ـ قسم النحت، وله معارض فردية وجماعية عدّة داخل سورية وخارجها، وأعماله مقتناة في وزارة الثقافة والمتحف الوطني ومتحف تدمر، وضمن مجموعات خاصة في أنحاء العالم.