واقعية أوباما وتطرّف حلفائه
حميدي العبدالله
في مقابلة متلفزة أطلق الرئيس الأميركي باراك أوباما مواقف واضحة من بعض قضايا المنطقة، ولا سيما إزاء الوضع في سورية والعلاقات الخليجية – الإيرانية. واتسمت مواقف أوباما بالواقعية بالمقارنة مع مواقف حلفائه في المنطقة من هاتين القضيّتين.
حول سورية تساءل الرئيس الأميركي لماذا لا يقوم الذين يطالبونه بشنّ حملة عسكرية في سورية هم بهذه الحملة، ويقصد بذلك بعض دول الخليج، وتركيا و«إسرائيل». الرئيس الأميركي على قناعة راسخة بأنه في ضوء تجارب الولايات المتحدة في المنطقة، وهي تجارب ليست ماثلة للأذهان وحسب، بل إنها لا تزال قائمة حتى الآن، تستنزف قدرات الولايات المتحدة الاقتصادية والبشرية. فالولايات المتحدة حشدت ودول كثيرة في حربها على العراق وأفغانستان قوات وجيوش وصلت إلى أكثر من 200 ألف جندي، وكان ذلك عندما كان اقتصادها واقتصاد حلفائها في ذروة قوته، ولم تستطيع ربح هاتين الحربين، بل تمّ استنزاف الاقتصاد، وسبّبتا الأزمة الاقتصادية، وأوباما على قناعة بأنّ شنّ حرب ثالثة سيزيد هذا الاستنزاف، ولذلك رفض هذا الخيار، سواء في سورية، أو حتى في مواجهة الملفّ النووي الإيراني، وهو يرفض أن يدفع الأميركيون من اقتصادهم ودماء جنودهم دفاعاً عن مصالح أنظمة المنطقة، أو النزول عند نزوات حكام هذه المنطقة، لأن ليس ثمة خطراً حقيقياً يتهدّدهم، وهم يبالغون بالأخطار المزعومة التي يتحدّثون عنها.
أوباما هنا يعبّر عن موقف واقعي وليس أخلاقياً، ولو نجحت الولايات المتحدة في عدوانها على العراق وأفغانستان لما سمع أحد الرئيس الأميركي، سواء كان أوباما أو غيره، يتحدّث بهذه اللغة الواقعية، فالسياسة الأميركية التي يراها حلفاء أميركا تخاذلاً وانهزامية واستسلاماً، هي في الحقيقة سياسة واقعية، تعبّر عن حدود قدرات الولايات المتحدة في ضوء تجاربها القديمة والجديدة، في فيتنام في عقد الستينات، وفي العراق وأفغانستان في عصرنا هذا.
كما أنّ الرئيس أوباما عندما يتحدّث عن أنّ الخطر الذي يتهدّد الدول الخليجية، ليس من إيران بل من شعوب هذه الدول، فهو يؤكد حقيقة واضحة وصارخة، فإيرا تعلن ن ليلاً نهاراً أنها لا تستهدف الدول الخليجية، ولا تريد إلحاق الأذى بها، وهي مستعدة لتقديم كلّ الضمانات من أجل ذلك، ولكن الحكومات الخليجية، مستعدة للتعاون مع الشيطان، وهنا الشيطان العدو «الإسرائيلي»، لإلحاق الأذى بإيران، وواشنطن ليست مستعدّة لمجاراة هذه الحكومات في سياساتها التي فقدت أيّ منطق، وأطلقت العنان للحقد والنكاية، والحقد كما يقول بسمارك موجه سيّئ في السياسة، وكلّ حكومة تسعى للحفاظ على مصالحها لا تنساق وراء مثل هذه السياسات.
لا شك أنّ تصريحات أوباما ستخلّف عاصفةً من الإحباط وردود الفعل السلبية من حلفاء أميركا، ولكن آجلاً أو عاجلاً، سوف يتكيّفون مع الأمر الواقع الجديد، وإذا ما واصلوا مغامراتهم فسوف يدفعون وحدهم ثمن هذه المغامرات.