… واتفق العرب والأعراب!
محمد ح. الحاج
يقول أحدهم، أخيراً اتفقوا! لكنهم ما كانوا مختلفين، اتفقوا قبلاً فضاعت فلسطين، اتفقوا فخرّبوا العلاقة مع الدولة الإيرانية عندما تبنّت القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني.
اتفقوا فدمّروا العراق بكلّ مقوماته، العسكرية والاقتصادية والبنية الاجتماعية وتطوّره العلمي.
اتفقوا فمزقوا السودان إلى دولتين وهو مرشح ليصير أكثر مع دفعه إلى مزيد من الفقر وهو القادر على توفير الأمن الغذائي لعالمه العربي وربما فائض لجواره الأفريقي.
اتفقوا فجعلوا من الصومال بؤرة لحرب تحاكي حرب البسوس أو داحس والغبراء…!
اتفقوا فحطموا بنيان الدولة الليبية التي كانت كافية شعبها وأغلبه كسول غير منتج، كان الليبي يحوز المنزل والراتب ويعيش في بحبوحة وأمن، وكان الطلبة يدرسون في كلّ أنحاء العالم على نفقة الدولة، اليوم… فئات وجماعات وعصابات تقتتل وتقاتل من أجل السيطرة، من أجل الثروة، من أجل كلّ شيء ما عدا الوطن، وعاد علم الملكية الرجعية إلى الواجهة.
اتفقوا وما تحقق لهم النجاح في تونس، فسقطت جبهة تمثيل «الإخوان»، وقد تنتصر العلمانية التونسية لأنها راسخة، ولأنّ التونسيين يتمسّكون بما تحقق عبر مسيرة طويلة، وهم يرفضون اليوم العودة إلى قرون الظلمة والجهالة وسيطرة اللاهوت والعقول المتحجّرة.
اتفق العربان فأشعلوا نيران الحقد والضغينة والكراهية والمذهبية الضيّقة في طول الأرض السورية وعرضها تحت شعارات زائفة مزيّفة، جلبوا كلّ زناديق ومرتزقة العالم ومتخلّفيه إلى أرض بني عثمان، سلحوهم وموّلوهم وأدخلوهم تحت جنح الظلمة بدلالة العثماني إلى الأرض السورية عبر حدود تمتدّ مئات الكيلومترات وتحتاج إلى نصف مليون حارس أو أكثر لمنع هذا التسلل…! ألهذا سارعت تركيا على امتداد سنوات الودّ والصداقة إلى نزع الألغام وإقامة معابر الجدار الطيّب ومناطق اللقاء واجتماع الأهل التي أردناها أبواباً لعودة التواصل ونسيان الماضي، لكنهم أرادوها مداخل لتسريب أفكارهم السوداء والترويج لأطماعهم اللا محدودة في الأرض وثرواتها، معتمدين شعارات كاذبة تردّدها الدوائر الاستعمارية القديمة منها، والحديثة، شعارات الإنسانية، وحقوق الإنسان وهم يدوسونها تحت أقدامهم الثقيلة.
اتفق الأعراب فجعلوا لهم في لبنان ألف ذيل وذيل، وألف تابع وتابع، فتحوا لهم الخزائن، وأخذوا أرقام حساباتهم لتحويل الجعالات لقاء كلّ تصريح يهاجم المقاومة، أو يروّج للتطبيع، يهلل للوجود الأميركي وقواعده التي أصبحت أبواباً للارتزاق والمتاجرة، كما هي سفاراته، وهكذا تعطلت في الوطن الصغير ديمقراطية الحياة السياسية الشكلية، واتسعت الفجوة بين شرائح المجتمع، فكانت عمليات التفجير ومهاجمة الجيش والأمن، والخطف وقطع الرؤوس، ومع ذلك هلّل البعض من سياسييه وبرّر ما يجري على أنه سلوك يندرج في خانة ردّ الفعل، والحقيقة أنه فعل أصيل ومخطط بحدّ ذاته، وأصبح التزييف والتحريف والتكاذب قاعدة سلوك لأخلاق مستوردة أو مستحدثة على المستوى العام… هذا جوهر المشروع.
اتفق الأغراب والأعراب على التدخل في العراق، وهو أمر لم يتوقف منذ عقود، الجديد في الأمر محاربة التنظيم الذي أوجدوه «داعش» وشعار المحاربة زائف بالدليل القاطع، حقيقة الأمر أنهم يمارسون تمثيلاً أشبه بما يفعلونه في هوليوود، يعرقلون نجاحات الجيش والشعب العراقيين، يقدّمون المعلومات والمعونات الاستخبارية والعسكرية لـ«داعش»، أحياناً جهاراً، وأخرى تحت جنح الليل يكتشف ذلك أحرار العراق ، ويقصفون تجمّعات الجيش أو الحشد الشعبي عندما تشكل خطراً حقيقياً على أدواتهم لتمكينهم من الانسحاب أو توجههم إلى مناطق أخرى آمنة في عملية كرّ وفرّ أشبه بلعبة القط والفأر التي تمارسها الاستخبارات المركزية عملية إطالة للحرب والاستنزاف .
«داعش» السورية تتلقى التشجيع والدعم على كافة المستويات، ويتمّ رفدها بعناصر جديدة عن طريق العثماني الذي لم يدخل التحالف، إذاً، هو غير ملزم بالحرب، والتحالف راض بما يحصل، «داعش» السورية هي «معارضة معتدلة» في التوصيف التحالفي كما شقيقاتها، «النصرة»، و«جيش الإسلام»، و…
ويقول صاحبنا: … وأخيراً اتفق الأعراب والعربان والغربان على تحطيم اليمن لإعادة الشرعية! وهي شرعية من اللون الأزرق، أما الشرعية السورية فهي غير شرعية لأنها من اللون الأبيض أو الأحمر أو الأخضر، لا فرق، هي ألوان لا يعترف بها المشروع الصهيو ماسوني الذي تعمل في خدمته الإدارة الأميركية وكل توابعها ومنهم الأعراب والعربان، العدو الصهيوني ما عاد يشكل خطراً على المنطقة المشرقية بكلّ أدواته النووية وصواريخه البالستية وذراعه الجوية الطويلة… «ايران هي الخطر»… بمشروعها النووي، وصواريخها القادرة على الدفاع عن نفسها ومحيطها، إيران هي العدو لأنها لا تعترف بـ«حق» الصهاينة في «دولة يهودية»، بل لا تعترف بحقهم في الوجود على أرضنا الفلسطينية الطيبة، إنما تعترف بحق أصحاب الأرض الأصليين الموجودين عليها منذ آلاف السنين، ايران لا تعترف بأنّ الربّ صاحب مكتب عقاري وأنه وعد اليهود بهذه القطعة ليطردوا أهلها ويقيموا عليها دولة… إيران والمقاومة نقيضان للمشروع الصهيو أميركي، وهما ليسا من اللون الأزرق كما هم الأعراب والعربان، لهذا هم خارج الاتفاق ونقيضه.
الحوثيون هم امتداد إيران في اليمن، وهم خطر على الملاحة في باب المندب…! وحزب الله امتداد إيران في لبنان وتجب محاربته رغم لبنانيته ووطنيته، وقرى وبلدات نبل والزهراء والفوعة وكفريا رغم ضآلة أعدادها ورغم هويتها السورية الراسخة منذ مئات السنين، هي امتداد لإيران ويجب ذبح أهلها، وما كان السوريون يعلمون أنهم «شيعة» وأنّ هناك مئات البلدات والقرى تعود بأصولها إلى العرق التركماني أو الشركسي، وأنّ هؤلاء يحظون برعاية وحماية تركيا، وأنّ أمثالهم من العشائر البدوية أو بعضها يحظى بحماية السعودية، وكأنّ الشعب السوري أصبح مجرّد جماعات يحق للدول ادّعاء حمايتها دينياً أو عرقياً أو تحت أي شعار زائف آخر!
الشعب السوري وحده من يقرّر، وقد قرّر بأغلبيته أنّ قيادته تحظى بالثقة المطلقة، وأنها هي الشرعية لأنّ من يدّعون الشرعية ويقيمون تحت الأجنحة والوصاية المتعددة الجنسيات هم اللا شرعية، والشعب اليمني بأغلبيته هو من يقرّر الشرعية، وقد قرّرها بقبول استقالة الرئيس الذي ما عاد رئيساً، ولن يقبل بعودته لمجرّد أنها مرغوبة من السعودية نيابة عن المشروع الصهيو أميركي، وعجبي الكبير لسياسي كويتي من مرتبة دكتور يبدي العزم والحزم على موقف عربي موحد للوقوف في وجه إيران وأن لا عودة عنه حتى تصفية الحوثيين واستسلامهم ولو كانوا أكثر من نصف شعب اليمن! أما عجبي الأكبر فهو تساؤل عبد الباري عطوان عن عدم رؤيته لهذه الطائرات الحديثة من كلّ سلسلة الـ»أف…» في سماء فلسطين للدفاع عن شعبها؟ وكأنّ عبد الباري عطوان لا يعلم أنّ عقود شراء هذه الطائرات تنصّ على منع استخدامها ضدّ الكيان الصهيوني، مع أنها ملغومة بالأساس ولا تعادل في مواصفاتها وتسليحها ما يحصل عليه هذا العدو من نفس الطراز… هي أسلحة للاستخدام المحلي… ضدّ الشعوب وضدّ الجوار، أيّ… ضدّ حكام الدول من غير اللون الأزرق.
العربان والأعراب متفقون دائماً، وما اختلفوا إلا عندما يتعلق الأمر بالحق الفلسطيني، أو بأمن المنطقة المشرقية، هم أصحاب حزم وعزم تجاه بعضهم بعضاً، أو من يخرج على طاعة أسيادهم، وهم مجرّد ثعالب أو أرانب في مواجهة المشروع الصهيو أميركي، وعبيد أذلاء لقواعده وكلاب الحراسة المرافقة لضباطه وعسكرييه… نعم… اتفق العربان…!
«كما في الأمثال العامية: اتفقوا على العمالة والنذالة وقلة الأخلاق…»