زيارة البطريرك الراعي الفاتيكانية إلى الأراضي المحتلة تثير جدالاً بين مع وضدّ

هتاف دهام

تفاعلت زيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي برفقة رأس الكنيسة الكاثوليكية البابا فرنسيس إلى القدس المحتلة في 25 أيار الجاري. واستدعت مواقف عدة بين مؤيد ومعارض ومتوجّس ومتحفظ، خصوصاً من استغلال «إسرائيل» لهذه الزيارة، كون البطريرك هو أول مرجعية مارونية مشرقية وشخصية لبنانية على المستوى الوطني العام تقدم على ذلك؟

ففي الوقت الذي ترتفع أصوات الكثير من المرجعيات السياسية والدينية المشيدة بالبطريرك الراعي، وتنظر إليه بعين الاحترام، وتلتزم بمواقفه، هل ستبقى هذه الأصوات على ما هي عليه بعد الزيارة، علماً أنّ الكثير من الأحزاب لم تدل بدلوها بعد من الزيارة، ولا تزال تفضل التزام الصمت… لعلّ وعسى.

طرح البطريرك الماروني بعد انتخابه شعار «الشركة والمحبة»، الذي يفرض على الجميع عدم استفزاز الشركاء في الوطن، ولا قطع الطريق عليهم بالمحبة، إلا أنّ هذه الزيارة بحسب ما أشارت مصادر مسيحية ستقطع الطريق التنفيذي على الشعار الذي رفعه الراعي عند تنصيبه، والذي قدمه إلى جميع اللبنانيين والمشرقيين.

زار البطريرك الراعي سورية خلال الأزمة. حصلت الزيارة قبل الاعتداء على معلولا وتدمير أديرتها وسرقتها، وتهجير أهلها الذين لا يزالون يتكلمون لغة السيد المسيح الآرامية . وتسأل قيادات مسيحية: أليس من واجب البطريرك الراعي زيارة معلولا وصيدنايا وتفقّد الرعية التي تتشتّت… قبل أن يزور كيان العدو الذي هجّر المسيحيين ويعمل على اجتثاثهم من الشرق، لماذا لا يذهب إلى معلولا، ويسعى إلى إعادة إعمار أديرتها القديمة التاريخية، أين اتصالاته لتحرير المطرانين المخطوفين يوحنا يازجي وبولس إبراهيم؟ لماذا لا يذهب إلى العراق، فمن أصل مليونين وثلاثمئة ألف مسيحي، لم يبق سوى ثلاثمئة وثمانية آلاف.

ينتظر الكثيرون من سيد بكركي موقفاً من الزيارة التي أعلن أنه سيرافق البابا فرنسيس فيها. يعودون بالذاكرة إلى عدم مرافقة البطريرك الماروني السابق الكاردينال نصر الله صفير البابا يوحنا بولس الثاني في رحلته إلى الأراضي المقدسة على رغم انخراطه في المشروع المرفوض من القوى الوطنية، فهو لم يجرؤ على زيارة الأراضي المحتلة، وفي تقييمه للوضع، رأى ضررها عليه وعلى لبنان والمسيحيين.

فهل يلغي البطريرك الراعي الزيارة في ربع الساعة الأخير ويجنّب لبنان التطبيع؟ لا سيما أنّ «إسرائيل» أبلغت دوائر الفاتيكان أن لديها بعض الشروط على زيارته في مواجهة الالتزامات التي أعلن عنها سابقاً ومنها عدم مصافحة أي مسؤول «إسرائيلي»، وهي قد تلجأ إلى حشره بتوجيه وفد «إسرائيلي» لزيارته، بهدف إحراجه.

بقرادوني

وفي السياق، أكد الوزير السابق كريم بقرادوني لـ«البناء» أنّ على البطريرك الراعي إعادة النظر بالزيارة قبل الإقدام عليها، فهي ستشكل مشكلة داخلية من دون أن تحقق أهدافاً وطنية، فبغضّ النظر عن الشكليات فإنها قد تتسبّب بإشكاليات.

وفي رأي بقرادوني أنّ البطريرك سيعرّض نفسه لمطبات «إسرائيلية» غير محسوبة مهما كانت الاحتياطات، وأنه قد لا يستطيع تجنّب هذه المواقف، وقد يقع في مواقف محرجة هو في غنى عنها، لأن «إسرائيل» ستحوّلها إلى سياسية رغم إرادة البطريرك.

ولا يمكن للبطريرك، بحسب ما يقول الوزير بقرادوني، أن يتحكّم بمسار هذه الزيارة التي ليست في التوقيت الصحيح، ولا في الظروف المناسبة، ويمكن الاستغناء عنها لتجنب الجدال، على رغم أن لا جدال حول تاريخ الراعي الوطني.

ويؤكد بقرادوني أنّ هذه الزيارة لو تمّت، ستكون بمثابة صدمة تصيب صورة البطريرك، وتشوّهها على الصعيدين الإسلامي والوطني. والاحتياط الوطني الذي رافق تنصيبه، ستقضي هذه الزيارة عليه.

ويشير بقرادوني إلى أنّ الراعي لا يمكنه التذرّع بالاهتمام بأوضاع الموارنة في فلسطين المحتلة. الزيارة تحمل الكثير من المخاطر والقليل من المبرّرات، فهناك مطارنة موارنة يهتمّون بالعشرة آلاف ماروني الموجودين هناك، ولذلك بإمكانه إيفاد هؤلاء المطارنة للوقوف على حاجاتهم واهتماماتهم.

يرفض بقرادوني ما يُحكى عن أنّ البطريرك الراعي سيتسلّم مفتاح كنيسة المهد، فهذا المفتاح بالإمكان أن يتسلمه عبر المطارنة الموجودين في فلسطين المحتلة الذين يسلّمونه إلى البابا الذي يسلّمه بدوره إلى الراعي.

ويشدّد بقرادوني على أنّ المستفيد الأول من الزيارة هو التطرف الإسلامي الذي سيُسارع إلى القول إنّ المسيحيين متورّطون مع «إسرائيل»، ومتعاملون معها وعندها سيتمّ الاعتداء عليهم وتهجيرهم من الشرق. أما المستفيد الثاني فهو «إسرائيل» التي ستسارع إلى القول إنّ الموارنة يعترفون بها.

ولما كنا على أبواب الاستحقاق الرئاسي فإنّ الزيارة وفق الوزير السابق ستضعف موقفه بعدما كان كلامه ضاغطاً، وأدى إلى دفع مجلس النواب للانعقاد، فإنّ المعادلة ستتغيّر وستصبح كلمته بعد الزيارة ضعيفة سياسياً ولن تكسبه شيئاً، لا سيما أنها ستشكل لو تمّت خلافاً وطنياً على غرار ما سبّبه اتفاق 17 أيار.

وفي رأي بقرادوني أنّ حزب الله لن يهاجم البطريرك الراعي، بل سيتحفّظ، فهو لا يمكن أن يهاجم مقام بكركي، وسيترك هذا الأمر للمسيحيين، سيلجأ حزب الله إلى إبلاغ الراعي موقفه مباشرة لا في الإعلام، وكذلك سيفعل الرئيس نبيه بري، حيث أن النائب علي بزي رفض الإدلاء بأيّ تصريح لـ«البناء» حول هذا الموضوع، وكذلك القوى السياسية الأخرى في 8 آذار.

حزب الله: لا تعليق

كلام بقرادوني أكدته مصادر في حزب الله فأشارت لـ«البناء» إلى أنّ الحزب لن يعلّق على الزيارة على رغم الامتعاض والانزعاج الشديدين منها، بل سيتابع ذلك من خلال القنوات المعنية.

قزي

في موازاة ذلك، رأى حزب الكتائب بحسب وزير العمل سجعان قزي، أن البطريرك هو من يقرّر، فنحن لسنا وطنيين أكثر من بكركي التي ليست أقلّ حرصاً على الأراضي المقدسة من الذين أبدوا الحرص عليها وأضاعوها. وإذ أشار إلى رفض حزب الكتائب لأيّ لقاء مع المسؤولين «الإسرائيليين»، أكد قزي لـ«البناء» أن «الكتائب تنتظر عودة الراعي من الخارج لتطلع منه على خلفيات هذه الزيارة، مع إدراكها أنّ البطريرك المعروف بوطنيته ليس في وارد لقاء أي مسؤول إسرائيلي».

نقولا

وعلى مقلب التيار الوطني الحر، أكد النائب نبيل نقولا لـ«البناء» أنه لا يؤيد هذه الزيارة. ففي الوقت الذي تعمل «إسرائيل» على إقامة دولة يهودية، وتسعى إلى تهويد المقدسات، تأتي هذه الزيارة التي لو حصلت لتكون بمثابة صك براءة وغفران لـ«إسرائيل».

نقولا الذي يشير إلى أنّ هذا الموقف لا يلزم تكتل التغيير والإصلاح، يؤكد أنّ الزيارة لا تلزم التيار الوطني الحر بشيء، وبالتالي لا تحرجه.

الراسي

وفي السياق نفسه أكد عضو المكتب السياسي في تيار المردة النائب السابق كريم الراسي لـ«البناء» أنّ البطريرك الراعي تسرّع في القرار الذي اتخذه ونتمنّى عليه إعادة النظر به قبل فوات الأوان، داعياً إياه إلى استشارة قانونيين لمعرفة مخاطر هذه الزيارة، فـ«إسرائيل» هي عدو في القانون اللبناني الذي يمنع أي لبناني يحمل الهوية اللبنانية القيام بزيارة الأراضي المحتلة».

وأشار الراسي إلى «أن لا أحد فوق القانون، فرجال الدين أيضاً ملزمون بتطبيق القانون اللبناني، ولو قام الراعي بالزيارة فإنه سيفتح الباب أمام التطبيع مع «إسرائيل»، وسيجعل كثيرين يستغلون الزيارة ليقوموا بمثلها من صحافيين وآخرين.

الراسي المستاء من قرار البطريرك الراعي، ويعتبره غلطة كبيرة لا تغتفر، يؤكد «أنّ إسرائيل ستستغلّ هذه الزيارة لتقول إنّ الموارنة لا يريدون حرباً معها، بل يريدون سلاماً. هذا الأمر لن يمرّ بحسب الراسي مرور الكرام عند اللبنانيين، لا سيما أنّ الزيارة تأتي في ذكرى تحرير الجنوب من العدو «الإسرائيلي» الذي دمّر وقتل المسيحيين والمسلمين في لبنان. ويشدّد على أنّ الزيارة ستؤدي إلى رّد فعل فمن يفتح الباب يسمع الجواب» يعقب ذلك صراع مسيحي إسلامي، فهجوم على بكركي كما كانت الحال في عهد البطريرك صفير.

لا يجد الراسي أي مبرّر لهذه الزيارة ويقول: «البابا فرنسيس ذاهب إلى الأراضي المقدسة ويمكننا الاكتفاء بذلك، على رغم أننا ضدّ زيارة البابا أصلاً»، مذكراً البطريرك الراعي بـ«أن البابا شنودة لم يزر الأراضي المحتلة على رغم تطبيع مصر مع إسرائيل».

رحال

في مقابل ذلك رفض النائب عن تيار المستقبل عمار حوري الحديث لـ«البناء» عن الزيارة، قائلاً: هذا الموضوع ذو خصوصية مسيحية، على رغم غمزه إلى أنّ فلسطين محتلة، داعياً إلى الحديث مع أحد النواب المسيحيين في التيار، فأشار النائب رياض رحال لـ«البناء» إلى أنّ الراعي هو بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق، ولذلك فإنّ الزيارة هي ضرورية ليؤكد للمسيحيين ـ بغضّ النظر عن عددهم ـ الذين لم يتركوا فلسطين ضرورة التشبّث بأرضهم. وشدّد على أنّ تيار المستقبل لن يبني موقفاً من الزيارة إلا بعد عودة البطريرك من الأراضي المقدسة التي يقول رحال إن الراعي سيذهب إليها عن طريق الأردن، فإنْ استغلت إسرائيل الوضع، وسار هو بالأمر، عندها لكلّ حادث حديث.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى