الزلزال القادم من أميركا…!
سومر منير صالح
إنّه حال الخليج، فوضى في السياسة وتأخر في التاريخ، وقصر بصرٍ في رؤية المستقبل، حيث يقوم الاستقرار الخليجي بشكلٍ عام على الالتزام الأميركي بأمنه عبر القواعد العسكرية الأميركية على أراضيه، وهو مكرسٌ باتفاقياتٍ أمنيةٍ بدأت بالاتفاقية الأميركية الكويتية العام 1990 للتوسع لاحقاً لتشمل كلّ دول مجلس التعاون الخليجي.
وإذا ما عدنا إلى التاريخ قليلاً فقد شكّل الخروج الفرنسي البريطاني الإيطالي من «الشرق الأوسط» محور الاستراتيجية الأميركية في عقد الخمسينيات من القرن الماضي من خلال استراتيجية ملء الفراغ في «الشرق الأوسط»، خوفاً من تمدّد النفوذ السوفياتي إليه آنذاك، وشكّل ذلك المدخل الفعلي إلى الهيمنة على «الشرق الأوسط»، وبمباركة حكام الخليج الذين أرعبتهم أيديولوجيا العدالة الاجتماعية وتقسيم الثروات بشكل عادل على الشعوب…
تغيّرت أولويات الولايات المتحدة وبدأ المحور المركزي للسياسة الخارجية يتغيّر لصالح إعادة التوازن في الشرق الأسيوي، وبدأت الولايات المتحدة تتعجّل الخروج الآمن من «الشرق الأوسط» من دون تقديم تنازلاتٍ تاريخيةٍ كبيرةٍ، وكان آخرها توقيع «اتفاق الإطار» حول البرنامج النووي الإيراني الذي اعترف بالجمهورية الإسلامية في إيران قوةً نوويةً في مجال التكنولوجيا السلمية.
ما يهمّنا هو حال الفوبيا الخليجية من هذا الاتفاق التاريخي، وكما هو واضح من بنود الاتفاق أنّه لا يشكل حداً أدنى من الخطر الاستراتيجي على المنطقة ولا على الأمن الدولي، لكن على ما يبدو أنّ الخشية الخليجية هي نقل النموذج الإيراني إلى دول الخليج، نموذج الدولة المتقدّمة الحديثة العقلانية ولو كان طابعها إسلامياً، وليس ممالك الرمال الهشة، بمعنى دول إسلامية خليجية معاصرة ولو موالية للغرب، تكون أولى مهامها تجفيف منابع التطرف التي أوجدتها ممالك وسياسات مشيخات النفط، عبر إيجاد بيئة سياسية واقتصادية واجتماعية خليجية مستقرة بعيداً عن سياسات الفتاوى والرشاوى ومحاباة رجال الدين لتأمين استقرار تلك الممالك، وبسيناريو «ربيعي» على شاكلة ما حدث في بعض بلدان العرب، بذلك تحاول الولايات المتحدة توجيه ضربة استباقية لمشروع التطرف الخليجي الذي قد ينقلب على الولايات المتحدة في أماكن أخرى مثل آسيا الوسطى واندونيسيا وماليزيا وغيرها…
هذا المشروع الأميركي إذا ما تقرّر تنفيذه سيحظى بدعم روسي، لأنّ سياسة الأذرع المتطرفة المتبعة خليجية أرهقت الأمن القوميّ الروسيّ في الشيشان وأوكرانيا وغيرها… طبعاً المؤشرات قد بدأت لصالح تنفيذ هذا السيناريو الأميركي، بدايةً عبر توريط ممالك الخليج بجملة من الحروب الخارجية بدأت بليبيا وحالياً اليمن، للتخلص من مخزون السلاح الهائل لديها، ثانياً خطاب حقوق الإنسان في الخليج العربي والذي بدأ يعلو في الإعلام الغربي وخصوصاً حقوق المرأة الخليجية…
إذاً هو سيناريو ربيعٍ خليجيٍّ يسقط أنظمة الطغيان والتطرف في ممالكه، طبعاً الانقلاب الأميركي على حكام الخليج حاضر في ذهنية هؤلاء الحكام وأربك سياساتهم الخارجية، هذا الإرباك يدفعهم إلى البحث عن بدائل خارجية تؤمّن استمرارهم كحكامٍ للنفط، فتارةً تتحالف مع «إسرائيل» لضرب لبنان وغزة بشكلٍ سريٍّ وأحياناً علنيّ، وتارةً إلى التحالف مع العثماني والفرنسي لضرب سورية العروبة ولضرب اليمن وتمزيق ليبيا، وتارة مع الإيطالي لضرب ليبيا، إنّه الغباء التاريخيّ، فهؤلاء المستعمرون يحاولون مجدداً العودة إلى مواقعهم الاستعمارية في «الشرق الأوسط» مستغلين الفوبيا الخليجية من إيران النووية من جهة، والرغبة الأميركية في التخلص من عبء أزمات «الشرق الأوسط» من جهة أخرى… فيعمدون إلى تزكية النزعات الطائفية ودعم التنظيمات الإرهابية… وإذا كانت الخطيئة الخليجية السابقة أنتجت هيمنةً أميركية على «الشرق الأوسط»، فالخطيئة الحالية تعيد رسم سايكس ـ بيكو جديد في بلادنا العربية! لكن هذه المرة سينطلق من شبه جزيرة العرب…
باحث بدرجة الدكتوراه