تطهير السلسلة الشرقية واجب …هل ينفذ؟
العميد د. أمين محمد حطيط
خلافاً لسياسة النأي بالنفس التي ادعتها الحكومة اللبنانية ومعها بعض الأطراف علانية وعمل الجميع بعكسها خفية أو مواربة، فقد تحولت عرسال اللبنانية وجرودها إلى قاعدة متعددة الوظائف يستخدمها المسلحون انطلاقاً من لبنان للإخلال بالاستقرار والأمن السوري. وشجعت جماعات 14 آذار وبعض من في السلطة الرسمية اللبنانية خلال السنوات الثلاث الماضية، هذا السلوك المنافي لمصلحة لبنان عامة ومصلحة عرسال خاصة، ظناً منهم أن المسألة مسألة أيام تنتهي بسقوط سورية وتغيير هويتها، وعندها يستعاد لعرسال ومنطقتها وضعها الطبيعي في ظل القانون اللبناني.
وقد دفع لبنان وجيشه بخاصة من دماء أبنائه ومعنوياتهم أثماناً باهظة بسبب هذه السياسة الغبية القصيرة النظر، فكان منهم الشهداء الأبرار والمخطوفون المعذبون هم وأسرهم في شكل سادي وحشي على يد الجماعات المسلحة التي تحتفظ حتى الآن بأكثر من 27 عسكرياً من الجيش وقوى الأمن الداخلي.
لم يدرك قصيرو النظر عندما اعتمدوا السياسة تلك مغبة عملهم، وتجاهلوا حقيقة «أن طابخ السم آكله» وأن المكر السيء يحيق بأهله، والآن دقت ساعة الحقيقة ووقعت المواجهة بين أهل عرسال الذين فاخر مسؤولوهم يوماً بدعم ما أسموه «الثورة السورية» من جهة وبين المسلحين الذي ارتدوا على «مضيفيهم» وراحوا يذيقونهم مرارة الكأس التي يقدمهما الإرهابي عادة لضحاياه من قتل وخطف وسرقة واغتصاب، وبدأ أهالي عرسال يستغيثون ولكن …غابت هذه المرة «النخوة الحريرية» والهبة «الـ 14 آذارية» والزيارات الفلكلورية، إلى أن وصل الأمر بإدارة الظهر لهم حتى أن أحداً من مسؤولي هذه الجماعات لا يتورع عن أقفال بابه أو خطه الهاتفي بوجه أحد من أهالي عرسال الذين يتضورون ألماً وعذاباً ومهانة على يد الإرهاب المتعدد التسميات بالفصائل والمتوحد السلوك في الميدان.
نعرض لهذا ليس من أجل الشماتة بأحد من اللبنانيين مهما كانت سلوكياته، بل من أجل اتخاذه عبرة في السلوك، تضاف إلى العبر المستخلصة من 22 جولة قتال في طرابلس هيأت لها جماعات تيار المستقبل ظروفها وشحذت لها سلاحها وأشعلت نارها وعندما قتل من قتل وعطل عمل من تعطل، وأدت النار دورها بعودة تيار المستقبل إلى السلطة مترافقة مع فشل في الاستمرار باتخاذ طرابلس قاعدة لوجستية أو أكثر من أجل التخريب على سورية، بعد كل ذلك تنصل تيار المستقبل ممن شغلهم على محاور القتل والتخريب في طرابلس، وانقسم الجمع إلى فئة دخلت الوزارة وتربعت على السلطة وفئة دخلت السجون واقتيدت إلى أقواس المحاكم بعد أن تخلى هذا التيار عنها.
ومع هذين المثلين، وفي خضم الحريق العربي الذي تلفح ناره لبنان من الشرق انطلاقاً من الحدود مع سورية يطرح السؤال: «كيف نحمي لبنان من خطر هذا الحريق ومن سلوكيات ذاك الفريق»؟ تيار المستقبل و14 آذار المصرّ على مراهناته وارتهانه للخارج بتبعية قاتلة تكاد تجعل أشخاصه دمى بيد السعودية التي تقود اليوم حرب تدمير العرب وتشويه الإسلام حتى اجتثاثه لتحويل المنطقة إلى ركام خاوية تقيم على أنقاضها الصهيونية إمبراطورتيها بقيادة أميركية.
لقد تمكن الجيش اللبناني على رغم إمكاناته المحدودة في العتاد والسلاح ومتكئاً على احتراف عال لدى ضباطه وجنوده ومعنويات ووطنية منقطعة النظير لدى مقاتليه، تمكن الجيش بدعم مباشر أو غير مباشر من رجال المقاومة من أن يتصدى للأخطار الوافدة من الشرق، وقطع الطريق على الإرهابيين ومنعهم من إقامة إمارة الشمال ومنعهم من فصل البقاع الشمالي عن الوطن لكن بقي الخطر قائماً وسيبقى حتى تتم المعالجة الجذرية للشأن والتي لا تكون إلا باجتثاث الإرهاب من الأرض اللبنانية حيث تنتشر الجماعات المسلحة من جرود راس بعلبك ومحيط القاع شمالاً إلى شرق النبي شيت جنوباً، في شكل ألزم الجيش اللبناني للدفاع عن المنطقة بتخصيص قوى تعادل سدس قوته القتالية الجاهزة، وألزم المقاومة أيضاً بالبقاء قابضة على الزناد للمواجهة الدفاعية في كل النقاط والثغرات التي قد يتعذر على الجيش العمل فيها أو الوصول إليها لعلة أو لأخرى، فضلاً عن أن الوجود الإرهابي ذاك يضع المنطقة والأهالي تحت تهديد دائم ما يؤدي إلى شل الحركة وتعطيل الإنتاج والحياة الطبيعة.
لهذه الاعتبارات نجد أن معركة تطهير السلسلة الشرقية على الحدود اللبنانية السورية باتت حاجة أمنية واجتماعية ملحة لا يمكن التسويف فيها، وعلى رغم أن العمليات الرشيقة المحددة التي يقوم بها الجيش اللبناني حالياً في مواجهة المسلحين خاصة في محيط راس بعلبك لها فوائد كثيرة والتي كان آخرها عملية المخيرمة وقبلها تلة جرش النوعيتين، إلا أنها تبقى كما ذكرنا غير كافية ولا يمكنها أن تخرج لبنان من دائرة الخطر الذي يشكله الإرهابيون على لبنان، بينما نلاحظ على الاتجاه السوري يقوم الجيش العربي السوري بعملية عسكرية مخططة واسعة لتطهير القلمون انطلاقاً من الجنوب في محيط الزبداني.
في مواجهة هذا الواقع نرى أن وحدة الخطر ووحدة الهدف تفرضان وحدة المواجهة ما يعني أن الأطراف الثلاثة اليوم لبنان سورية المقاومة الذين هم في مواجهة عدو واحد بات عليهم العمل وفقاً لخطة واحدة يتوزعون مهامها في عمل يحاصر الإرهابيين ويضيق الخناق عليهم شيئاً فشيئاً فتقطع طرق إمدادهم ثم ينقض عليهم وصولاً إلى تطهير المنطقة منهم وعندها يدفع القلق والخطر ويحرر الجيش اللبناني أكثر من 3500 جندي يعملون الآن في شكل مباشر للدفاع عن الحدود الشرقية.
إن قواعد العلم العسكري تفرض العمل المنسق التكاملي، وسورية بدأت العمل من جانبها دونما انتظار ولكن السؤال يبقى في لبنان «هل أن الذي تسبب بمأساة طرابلس وعرسال استفاد من العبر وسيقيل بالعمل العسكري الصحيح عبر إطلاق يد الجيش في الميدان وفتح الباب أمام تسليحه وتمكينه من التنسيق مع سورية والمقاومة لتنفيذ هذه الخطة أم أن مأساة لبنان بوجود هذا الفريق التابع للخارج ستستمر؟
نطرح السؤال مع التأكيد على أن المسلحين قد لا ينتظرون طويلاً لمفاجأة الجيش ولبنان في معركة تمددهم إلى الداخل ووضع اليد على مصادر يحتاجونها وتكسر ما يمكن تسميته شبه عزلتهم أو حصارهم المحدود… أن الأسابيع الأربعة المقبلة قد تحمل الجواب.
أستاذ في كليات الحقوق اللبنانية