مغامرة مجنونة
العلامة الشيخ عفيف النابلسي
لا نحبذ التشبيه والمقارنات، ولكن الحرب على اليمنيين تستعدي منّا أن نقف مليّاً وأن ننظر في أحوال الحروب وقادتها في هذه المنطقة، حيث سنجد أنّ ما ينطبق على العدو «الإسرائيلي» من وحشية وهمجية وتطرف ينطبق على السعودية بنحو تام. ومثلما كانت تلجأ «إسرائيل» إلى العدوان ها هي السعودية تلجأ إلى العدوان كذلك. والسياسة نفسها التي مارستها «إسرائيل» في ارتكاب المجازر ضد الفلسطينيين الأبرياء، ها هي السعودية تقوم بالأمر ذاته فترتكب المجازر ولكن ضد اليمنيين.
ما يثير الاستغراب أنّ العدوان على اليمن يلقى تجاوباً سياسياً من دول عربية لم نشعر بقوتها وحميتها وحماستها ضد «إسرائيل» يوماً، ويلقى دعماً شرعياً من مفتين لم يتعبوا بعد من نشر الفتن وتحريض الشعوب على بعضها البعض. ها هم ذُعروا من مطالبة الحوثيين بالحق، فلجأوا إلى اتهام الحراك الشعبي بأنّه حراك إيراني فارسي، صفوي، شيعي، وأطلقوا الحملات الإعلامية والدعائية لاستنفار الناس وتحشيدها لمقاتلة اليمنيين الفقراء الذين عانوا من سياسات السعودية الظالمة والحقودة بحقهم سنوات طوال.
بالله عليكم: لماذا تلجأ السعودية إلى تخريب اليمن وتدمير بنيته الإعمارية والحضارية؟
لماذا تريد التقسيم في اليمن وتهوّل بتدخل بري في عدن!.
لماذا تدّمر المطارات المدنية وتحاصر الموانئ البحرية وتمنع أي مساعدات إنسانية وإمدادات إغاثية؟ لماذا تدعو السعودية مشايخ السوء ومنهم إمام الحرم الملكي لاستشارة السعوديين مذهبياً وغرائزياً وإظهار الحرب بعنوانها الطائفي، وكأنْ لا حقَّ لليمنيين أن يتحرروا من استبداد واستعباد المملكة المعروف منذ عشرات السنين؟ لماذا تقصف الطائرات السعودية منازل المدنيين وأماكن العيش والاسترزاق؟
لقد بذل الحوثيون جهوداً جبارة لحل الأزمة بالطرق السليمة وعن طريق الحوار، ووافقوا على إجراء مفاوضات في صنعاء أو أي عاصمة عربية محايدة. وبذلوا أيضاً جهوداً كبيرة لقلب صفحة جديدة في تاريخ العلاقات اليمنية ــ السعودية مؤكدين رغبتهم بتسوية الخلافات والمشاكل القديمة، لكن السعودية رفضت واتجهت مباشرة إلى الحرب.
لكن إلى أين يمكن أن تؤدي هذه الحرب، وهذه المجازر، وما هي النتائج التي يمكن أن تنتج في حال استمرارها؟ على العرب إن بقي منهم عاقل أن يعلنوا رفض هذه الحرب المدمرة، ورفض التقسيم في آن واحد، وأن يدعو إلى مصالحة وطنية من خلال حوار بناء بعيداً عن التلفيقات الطائفية والاتهامات ضد إيران بأنها تريد السيطرة على اليمن.
إنّ على السعودية أن تتراجع عن مغامرتها المجنونة وسعيها المتواصل لتفجير اليمن، وتتوقف عن سفك الدماء وإشعال المنطقة التي لا ينقصها المزيد من الحروب والصراعات العبثية.