العالم يترقب عودة إيران إلى سوق الذهب الأسود
مرفان شيخموس
يبدو أنّ التاريخ يعيد نفسه من جديد. فقد واجهت السعودية أكبر تحدّ لها خلال محاولتها السيطرة على إنتاج النفط عالمياً عام 1986، وما يجري الآن من انهيار لأسعار النفط ما هو إلا إعادة لواقع الثمانينات، حيث أنّ دوافع «الحرب النفطية» سياسية بحتة وهي تستهدف في الدرجة الأولى إيران بسبب مواقفها من الأزمة السورية وملفها النووي.
فما هي القدرات الإيرانية النفطية على المستوى العالمي؟
قدرت منظمة الدول المنتجة للنفط، وفق تقرير نشره موقعها الإلكتروني عام 2002 احتياطي إيران من النفط الخام بــ99.08 مليار، وهو آخر إحصاء للمنظمة في هذا الشأن على الموقع.
وحسب «أوبك»، فإنّ كمية احتياطي النفط السعودي تبلغ حوالى 262.79 مليار برميل، وتأتي في المرتبة الأولى، يليها العراق في المرتبة الثانية باحتياطي مقداره 115 مليار برميل.
وتأتي إيران في المرتبة الثالثة، تليها الإمارات العربية المتحدة 97.8 مليار برميل ثمّ الكويت في المرتبة الخامسة 96.5 مليار برميل .
وكان وزير النفط الإيراني بيجن زنغنة قد صرح آنذاك بأنّ الاكتشافات النفطية الجديدة في جنوب غرب إيران تعني أنّ بلاده أصبحت تمتلك ثاني أكبر احتياطي للنفط الخام في العالم، معتمدة على أرقام أصدرتها شركة «بريتيش بتروليوم» في حزيران 2004 والتي وضعت إيران في المرتبة الثانية باحتياطي قدره 130.7 مليار برميل.
ولكن ما هو واقع النفط الإيراني في العامين الأخيرين؟
تبلغ حصة إيران من الإنتاج حالياً 3.744 مليون برميل يومياً، كما يبلغ إنتاجها حوالي 3.9 مليون برميل يومياً.
إضافة إلى ذلك، تردّدت تقارير عن نحو 30 مليون برميل من الخام يجري تخزينها في إيران ويمكن إطلاقها في السوق.
ولكن ما الذي سيطرأ على أسعار النفط عالمياً بعد الاتفاق النووي الإيراني ومجموعة 5+1؟
هبط سعر مزيج برنت الخام 5 في المئة إلى 54 دولارا للبرميل، تحسباً للتوصل إلى اتفاق قد يسمح لإيران بالبدء في بيع المزيد من الخام في غضون أشهر، لكن ما أن بدأ المتعاملون يمعنون التفكير في توقيت دخول المزيد من النفط الإيراني للسوق حتى تجاوز برنت 55 دولاراً للبرميل في نهاية اليوم.
وقال بوب مكنالي رئيس مجموعة رابيدان جروب لأبحاث الطاقة والمستشار السابق للرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش: «إنّ التحقق من التزام إيران، التي كانت ذات يوم خامس أكبر منتج للنفط في العالم، سوف يستغرق شهوراً على الأرجح بعد التنفيذ الذي قد يتم بدوره بعد الموعد المستهدف في 30 حزيران».
ولكن يبقى السؤال الأهم ما الذي سيؤول إليه الاقتصاد الخليجي عموماً والسعودي خصوصاً، بعودة الجمهورية الإسلامية إلى عالم إنتاج النفط وتصديره؟
بما أنّ حصة السعودية هي 10 مليون برميل يومياً، يرى تقرير صندوق النقد الدولي أنّ من المرجح أن تصل خسائرها إلى 21 نقطة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، أي بخسارة تقدر بـ 150 مليار دولار. وذكر الصندوق في تحديث لتوقعاته لمنطقتي الشرق الأوسط وآسيا الوسطى أنّ الاقتصادات التي تعتمد اعتماداً كبيراً على صادرات النفط ومنها قطر والسعودية ستكون الأكثر تضرّراً من هبوط أسعار الخام أكثر من 50 في المئة، إذ سجلت المؤشرات الخليجية تداولات منتصف كانون الأول من العام الماضي، تراجعات جماعية، مع مواصلة أسعار النفط تراجعها إلى مستويات متدنية.
فإذا كانت الخسارة السعودية الخليجية قد وصلت إلى تلك الأرقام قبل رفع العقوبات عن إيران، ما الذي سيجري بعد عودتها؟
وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني، في سياق الحديث عن العقوبات المفرو ضة على بلاده، وخصوصاً في مجال تصدير النفط في ظلّ تراجع الأسعار، إنّ الدول التي تقف وراء انهيار أسعار النفط ستندم على قرارها، وإنّ السعودية والكويت ستعانيان من تراجع الأسعار أكثر مما تعانيه بلاده.
ورأت «إنرجي أسبكتس» في تقرير تحليلي أنّ إيران تحتاج عدة أشهر أخرى من أجل رفع حجم إنتاجها من النفط وزيادة صادراتها، متوقعة تراجعاً في أسعار النفط نتيجة لزيادة المعروض النفطي في الأسواق.
قال وزير المالية التركي محمد شيمشك في مقابلة مع قناة إن.تي.في الإخبارية إنّ الاتفاق الذي تم التوصل إليه بعد محادثات مطولة في سويسرا سيساهم أيضاً في خفض أسعار النفط العالمية.
وذكر شيمشك أنّ التضخم في تركيا يسير في اتجاه غير مرغوب فيه بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية وقوة الدولار، مشيراً إلى أنّ هذا الاتجاه قد يتغير بسبب تراجع أسعار النفط.
إذاً كلّ المؤشرات تدلّ على أنّ أسعار النفط مرشحة للانخفاض أكثر، وخصوصاً مع توقع زيادة في معروض النفط في الأسواق العالمية مع عودة إيران إلى سوق الذهب الأسود بعلاقات طبيعية مع أسواق الغرب، الأمر الذي يضع السعودية أمام تحد يضغط على ميزانيتها التي تعتمد بما يقارب 90 في المئة منها على دخل النفط، وإذا ما أضفنا تحدي تكاليف الحرب الباهظة التي أشعلتها الرياض في اليمن، فإنّ المملكة مرشحة لأن تعاني الأمرين، الأمر الذي ستكون له تبعات غير محمودة على الاقتصاد السعودي.