سراب تشكيل قوة عسكرية عربية موحّدة

تقاسم اليمن ومفاوضات الملف النووي اهتمامات الساسة والنخب الفكرية الأميركية كما تجسّد ذلك في إصدارات المراكز المتعدّدة.

سيتناول قسم التحليل العدوان على اليمن، بقيادة السعودية وسبر أغوار الأهداف المبهمة المعلن عنها من الرسميين، عرباً واميركيين. كما سيستعرض التحديات التي تواجه تشكيل «قوة عسكرية عربية»، كما أعلنت عنه جامعة الدول العربية في قمتها الأخيرة في شرم الشيخ المصرية والدور الأميركي البارز والمضمر في الحملة العدوانية على اليمن. كما سيتناول في قسم منفصل قراءة أولية لموقف أوباما من الاتفاق التمهيدي وردود الفعل الداخلية.

تداعيات غزو دول الخليج لليمن

سخر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية من ميل البعض إلى تبسيط خريطة النزاع في اليمن، لا سيما «حلفاء أميركا الذين يحرّكهم هاجس إلحاق الهزيمة بإيران عبر هزيمة الحوثيين، وإعادة الأوضاع السياسية إلى سابق عهدها». وأوضح أنّ «السعودية، بتحالفها مع الحكومات اليمنية السابقة، سعت إلى إنجاز ذلك دون نتائج مرضية… بل «انّ إزاحة الحوثيين من مناطقهم في شمالي البلاد أمر غير وارد في الحسابات الواقعية».

أعرب معهد كارنيغي عن اعتقاده بضبابية الأهداف السياسية المعلنة، كما انّ توقيت القصف السعودي المكثف لليمن «أتى متأخراً بضعة أشهر ليحقق صون نفوذ حلفائها التقليديين في اليمن… كالميليشيات القبلية التابعة لآل الأحمر، وعدد من القوى السلفية، وحكومة الرئيس المطاح به عبد ربه منصور هادي، والذين هُزموا شرّ هزيمة أمام الحوثيين». كما أعرب عن شكوكه في إمكانية «تشكيل تلك القوى سداً مقاتلاً موحداً… وتواجههم عقبات متعدّدة». وأضاف انه في المدى المنظور «لا يتوفر للسعودية حليف قوي يتمسك بالأرض وباستطاعته تسخير الغارات الجوية لصالحه… بل انّ التجارب التاريخية تثبت عقم الغارات الجوية انْ لم ترافقها قوات برية».

استعرض مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أهمية الموقع الاستراتيجي لليمن على الرغم من انه «لا يشابه منطقة الخليج من حيث الأهمية، بل انّ استقراره يعدّ حيوياً لاستقرار المملكة السعودية والجزيرة العربية». وأوضح «انّ التهديد الذي تمثله تشكيلات القاعدة في الأراضي اليمنية يعدّ أقوى التهديدات الإرهابية التي تواجهها المملكة السعودية… فضلاً عن انّ ايّ تواجد لداعش في اليمن لا يخدم إلا مفاقمة الأوضاع المتأزمة».

المفاوضات النووية مع إيران

أقرّ مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بصعوبة المفاوضات «وتعقيداتها الدائمة»، وأكد المعهد على «انّ مفاوضات الحدّ من الأسلحة تشكل عملية متكاملة، وليست حدثاً بحدّ ذاته… فضلاً عن التوترات البيّنة داخل كلا الفريقين». وأشار المركز الى المشاحنات الداخلية الأميركية حول الاتفاق وما نشب عنها من «خلاف علني بين الرئيس أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي وكذلك قلق حلفاء رئيسيين للولايات المتحدة كالمملكة السعودية…» وأوضح انّ نجاح ايّ اتفاق في المستقبل، لا سيما المتعلق «بالحدّ من الأسلحة… قد يكمن في الجوانب السياسية كما في الأسس الموضوعية».

سورية

سخر معهد كاتو من «قدرة حلفاء الولايات المتحدة من العرب على مواجهة داعش بفعالية»، مشيراً إلى «الأعمال التي قامت بها تلك الدول الخليجية، وخاصةً قطر والسعودية، بتدخلها في الأزمة السورية… والفوضى التي تسبّبوا بها في سورية». واضاف «انّ هذه الدول «الاستبدادية» تنقصها الخبرة في السياسة الخارجية والأدوات العسكرية والاستخباراتية التي تحتاجها». واوضح انّ «اعتماد تلك الدول على ثروة النفط والغاز الهائلة يشوّه آلية اتخاذ القرارات في مجال السياسة الخارجية وسبل تطبيقها… لا سيما أنّ بعضها يموّل بشكل مباشر المنظمات الإرهابية مثل داعش». وحمّل المعهد «حلفاء الولايات المتحدة» مسؤولية تفشي الفوضى ونزعات التشدّد، «واثبتوا أنهم غير راغبين ولا قادرين على ملاحقة مواطنيهم الذين يدعمون التطرف في سورية… بل وغضّوا الطرف عن حملات التبرّع» التي تجري في بلدانهم لصالح المتشدّدين في سورية.

المغرب العربي

أشاد معهد كارنيغي بالنضج السياسي الذي تمتعت به الأحزاب السياسية الإسلامية في المغرب والتي أدركت أنّ «البقاء في السلطة يتطلب دعماً قوياً من الملك… كما تشهد عليه العلاقة القائمة بين القصر وبين رئيس الوزراء عبد الاله بن كيران». واوضح «أنّ الأخير لا ينازع الملك في صلاحياته، يقابله دعم الملك له في الإصلاحات المقترحة». واستدرك بالقول «إنّ الأحزاب الإسلامية تدرك جيداً انّ مصير القضايا الهامة يبقى في يد الملك…» وطبّقت شعارها بحذافيره «المشاركة لا الهيمنة».

إيران

ذكّر معهد ويلسون المتشائمين من الاتفاق النووي مع إيران بأنّ «أربعة عقود من العداء بين إيران والولايات المتحدة لن تمحى بين عشية وضحاها». وأوضح أنّ ما يجمع الطرفين هو المصالح لكلّ منهما، لا سيما في تقاطع أهدافهما بمحاربة داعش كما أنّ «الرئيس روحاني وفريقه يحدوهم الأمل في مراكمة التجربة استناداً إلى المحافظة على المصالح المتبادلة، بيد أنّ المرشد الأعلى السيد علي خامنئي سيستمرّ في سعيه إلى إبراز إيران كلاعب أساسي في الإقليم… مما يضع إيران في مصاف المنافسة مع الولايات المتحدة في عموم منطقة الشرق الاوسط».

عقبات أمام تنفيذ قرار الجامعة العربية

إعلان القمة العربية الأخيرة في شرم الشيخ المصرية عن «تشكيل قوة عسكرية عربية موحدة قوامها زهاء أربعين ألف عنصر» شكل إيذاناً بتسليم السعودية قيادة النظام العربي الرسمي، ودعم مخططاتها وتحالفاتها الدولية.

على الرغم من أجواء الارتياح التي أشاعها الإعلان، لا سيما بين الدول الخليجية، إلا انّ الأمر ينطوي على موقف ضعف وليس قوة في الحشد والتحشيد ضدّ ما يسمّونه «الخطر الإيراني» المزعوم، وخاصة لبدء السعودية غاراتها الجوية على بلد عربي لم يعتدِ عليها دون انتظار التئام لقاء القمة. دخول السعودية المباشر أضاف من تعقيدات العوامل الإقليمية وأضفى صبغة طائفية على الصراع «مما سيؤدّي إلى تعقيده وإطالة أمده»، كما يعتقد.

السفير الأميركي السابق لدى الرياض، روبرت جوردان، أوضح «انّ السعوديين يخاطرون بتنفير واستعداء الكثير من سكان اليمن بسبب غاراتهم الجوية»، التي استهدفت المواقع الحيوية ومخازن الوقود والغذاء. لقد بدأ «حجم المغامرة التي اتخذها الملك سلمان ونجله محمد وزير الدفاع يتضح بازدياد اعداد الضحايا والنتائج المتواضعة في تدمير البنى التحتية اليمنية، ليس إلا». وسائل الاعلام الأميركية تقول «انّ الغارات بالنسبة إلى بعض اليمنيين المعارضين للحوثيين تساهم في توجيه غضبهم ضدّ المملكة السعودية بدلاً من حركة الحوثي… بل ان الميليشيات المحلية تقاتل بعضها دون الاكتراث بالرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي».

سيتمّ رفد القوة العسكرية، التي لم تتشكل بعد، بقوات برية وجوية وبحرية، إضافة إلى مختلف أنواع الأسلحة والقوات الخاصة، لمواجهة «ايران كمصدر تهديد» لاستقرار الأنظمة العربية، بعد ان حمّلها الأمين العام للجامعة نبيل العربي مسؤولية «التدخل في بلدان عدة»، دون ان يتحمّل عناء تقديم الدلائل والبراهين، باستثناء ما اعتبره بالنيابة خروج اليمن من تحت عباءة الهيمنة السعودية.

لم يعد سراً او محض تكهّنات تعويل السعودية على مشاركة فعّالة من باكستان، والتي لا زالت تحتفظ بـ 8000 عنصر من قواتها المقاتلة هناك عقب انتهاء المناورات العسكرية المشتركة، قبل فترة وجيزة، بيد أنّ قرار المشاركة بقوات برية، نيابة عن السعودية، يلقى معارضة غير ملتبسة داخل صفوف القيادات العسكرية والقوى والمؤسسات المدنية المختلفة، خاصة أنها تواجه تحديات متزايدة من «طالبان» الباكستانية ومشتقات «القاعدة» الأخرى. وأبلغت السعودية رسمياً بدعم مخططاتها من دون الإفصاح عن مشاركة مباشرة.

آفاق «القوة العسكرية» سياسياً

مراهنة السعودية وحلفائها الإقليميين على انخراط قوات عسكرية باكستانية، نيابة عنها، للقتال في اليمن بدّدته المعارضة المدنية الداخلية وحساسية الأمر داخل القيادات العسكرية. ونشرت صحيفة «الفجر دون» الناطقة باللغة الانكليزية نتائج استطلاع لقرائها، في 31 آذار، شملت نحو 22.000 فرد لعزم تدخل بلادهم رسمياً في اليمن. وقالت انّ الغالبية العظمى، 77 في المئة، من المستطلعة آراؤهم رفضت بشدة ايّ مشاركة لباكستان في الغزو السعودي لليمن. ربما توقيت النشر هو الأهمّ، اذ جاء غداة سفر وزيري الخارجية والدفاع الباكستانيين إلى الرياض للتشاور بشأن «الطلب السعودي لمساعدة عسكرية».

معهد ستراتفور الاستخباري أوضح استناداً الى «مصادره الخاصة انّ السعودية ومصر تستمران في حشد قواتهما البرية استعداداً لاشتراكها في معارك استعادة مدينة عدن»، التي أطبقت القوى اليمنية الوطنية سيطرتها عليها منذ الثاني من نيسان الجاري. وأضاف انّ القوات السعودية المحتشدة على الحدود الشمالية مع اليمن «قد تصدر اليها الأوامر لاختراق الأراضي اليمنية بغية السيطرة على صنعاء»، مستدركاً انّ مغامرة من هذا النوع ستثبت كلفتها الباهظة… اذ لا يعتقد ان تقدم السعودية على اتخاذ هكذا قرار باستخفاف»، في اشارة الى تنسيق الجهود مع الولايات المتحدة.

المغامرة السعودية لم تلق تأييداً معتبراً بين النخب الفكرية، على الرغم من رفد معظمها بأموال وهدايا كبيرة. صحيفة «نيويورك تايمز» وصفت ما يجري «بتدخل سعودي مشؤوم في اليمن… يهدّد بصراع إقليمي واسع النطاق يشمل إيران، ويبدّد اي أمل في تحقيق الاستقرار». وحثت الصحيفة الرئيس أوباما على «استخدام نفوذه لتشجيع جميع الأطراف على التوصل إلى حلّ سياسي…»

مركز الدراسات السياسية، المناهض لسياسات التدخل، اعتبر غزو السعودية «امتداداً لسياسة الخروج على القانون الدولي التي أرستها الولايات المتحدة بشنّها حرباً مفتوحة على الإرهاب». واضاف انّ حجج الولايات المتحدة والسعودية «باحتواء النفوذ الإيراني هي كذب ورياء، وترمي بعرض الحائط مصالح وحياة الشعوب في اليمن وسورية والعراق ولبنان والبحرين».

بينما اعتبرت صحيفة «واشنطن بوست»، 31 آذار، انّ تركيز الحملة الإعلامية، السعودية والأميركية، على إيران شكل «وسيلة فعّالة لصرف الانتباه عن التوتر الخطير الجاري بين الأنظمة العربية… وتوفر فرصة سانحة للابتعاد عن المنافسة المريرة» بين مختلف القوى.

واعربت الصحيفة عن شكوكها في «ديمومة» التحالف برئاسة السعودية، «فسرعان ما سيتلاشى» بالتزامن مع «وصول الحملة العسكرية الى طريق مسدود، ولن يتوفر خيار حينئذ إلا بين انسحاب او المضيّ في تصعيد خطير». وذكّرت الصحيفة السعودية بعقم مراهنتها على «القضاء على الحوثيين، إذ فشلت في هزيمتهم عسكرياً على مدى العقد الماضي الشاهد على ذلك».

دورية «فورين بوليسي جورنال»، عدد 3 نيسان، تكهّنت انّ السعودية «تستقوي بمصر» لإبلاغ واشنطن رسالة مفادها «انّ سياستها لاسترضاء إيران هي توجه احمق»، واعتبرت شعور السعودية بالتهميش من قبل واشنطن هو أحد العوامل الرئيسة الذي حفزها للإقدام على مغامرتها العسكرية».

آفاق «القوة العسكرية» عسكرياً

تعدّدت التفسيرات لحقيقة القوة المنوي تشكيلها، وهل سترى النور ام ستلاقي مصير الضحايا الآخرين في قرارات الجامعة العربية. يشار في هذا الصدد الى العقبات المتعددة التي واجهتها دول الخليج في إنشاء «قوة درع الجزيرة» عام 1984، وقوامها نحو 10.000 جندي موزعين على كتيبتين، مقرّها في السعودية رابطت على حدودها المشتركة مع كلّ من الكويت والعراق. تضخمت القوة لتصبح زهاء 40.000 جندي في الوقت الراهن. التجربة التاريخية تشير الى تعثر القوة وتواضعها في إنجاز الأهداف المنوطة بها.

غزت السعودية البحرين في شهر آذار 2013، تحت واجهة قوات «درع الجزيرة»، شاركتها قوات من دولة الإمارات. استثمرت دول الخليج النفطية أموالاً ضخمة لشراء قطع بحرية حديثة تعينها على «مواجهة التدخل الإيراني» المزعوم، مسلّحة بأفضل ما يمكنها الحصول عليه من أسلحة ومعدات، تشمل زوارق هجومية سريعة مزوّدة بأجهزة استشعار ليلية وصواريخ خفيفة ومدافع ذاتية الحركة. المعلومات العسكرية المتوفرة تشير إلى تفوّق تلك الزوارق ومعداتها على ما تمتلكه إيران من معدات مماثلة، وتتيح لها البقاء في المياه لمدة طويلة.

رغم التسلح بأفضل المعدات، عجزت القيادة الموحدة للقوات الخليجية عن بلورة خطة محدّدة المعالم للردّ على ايّ تهديد بحري محتمل على خطوط التجارة البحرية. واستندت الى نمط دفاعي يعتمد على السير المكثف بقافلة بحرية، والذي يعدّ سلبياً ليس في وسعه الانتصار في ايّ مواجهة، وأقصى ما يستطيع إنجازه هو إبطاء معدّل الضرر الذي قد يصيب أساطيل التجارة البحرية.

تكثيف القوى البشرية والزوارق الحربية والطائرات المقاتلة متعددة المهام لن يؤتي ثماره في ظلّ غياب خطة عسكرية واضحة المعالم لمواجهة الأخطار، وهي التي سقطت في غفلة سباق مؤتمر القمة المذكور وتخلفه عن التعبير لوحدة الإرادة السياسية، وستظلّ مصدر قلق للقوة العسكرية المعلن عن إنشائها.

الحرب على اليمن

دقت دورية «فورين بوليسي جورنال» ناقوس الخطر محذرة مصر من مغبة الانزلاق الى «مستنقع فيتنام جديدة»، سبق لها اختبار قوتها حينما هبّت مصر الناصرية إلى نصرة الجيش اليمني ضدّ السعودية، 1962 1967. كما أوضح عدد من الخبراء العسكريين الأميركيين انّ الانخراط في الحرب على اليمن يوازي «مآزق بريطانيا والاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة في افغانستان»، وتساوي نتائجها بهزيمتهم جميعاً. يُشار الى توارد بعض الأنباء عن وجود فعلي لقوات مصرية في السعودية ترابط على حدودها المشتركة مع العراق، شمالاً، واليمن جنوباً.

كما انّ صراعات معسكرَيْ الحرب الباردة، لاحقاً، أسهمت في بروز دولة اليمن الجنوبي والتي انخرطت في حرب طويلة مع جارتها الشمالية، توّجت عام 1994 بحرب أسفرت عن توحيد شطرَيْ البلاد. جولة الحرب والصراع المسلح الراهنة برزت الى النور عام 2004، ايضاً ضدّ السعودية واركانها المحليين في شمالي اليمن بشكل خاص.

أجّجت الولايات المتحدة حدّة الصراعات والحروب في اليمن، عقب هجمات 11 أيلول 2001، واتخذت من الأراضي اليمنية مسرحاً ممتداً لطلعات طائرتها المسيرة تلقائياً، الدرونز، وقيامها باغتيال الأبرياء المرة تلو الأخرى. وصعّدت الولايات المتحدة نطاق انخراطها عسكرياً في اليمن منذ أفول عام 2004، باشتراك قواتها المسلحة وطواقم وكالة الاستخبارات المركزية في شن غارات مكثفة ضدّ المدنيين والأبرياء. وعلى اثر انكشاف حجم الضرر الذي تتسبّب به الغارات الأميركية تنامى حجم المعارضة في الداخل الأميركي، وخاصة بعد مقتل مواطنين اميركيين أحدهما من أصول يمنية في أيلول 2011، أنور العولقي، وسمير خان. وفي الشهر التالي تسبّبت غارة اميركية مماثلة بمقتل نجل العولقي، عبد الرحمن، والذي يحمل الجنسية الأميركية.

في صدد الحرب الجارية على اليمن، يجمع المراقبون، سياسيون وعسكريون، على انّ الغارات الجوية السعودية «استنفذت أغراضها»، ولم تعد بفائدة تذكر. ويحذر هؤلاء السعودية من التغاضي عن الاستفادة من التجارب التاريخية التي أثبتت عقم الغارات الجوية بمفردها لإحراز انتصار، كما دلت عليه تجارب الولايات المتحدة و»اسرائيل»، الأمر الذي اقتضى انخراط قوات برية لتحقيق أهداف متواضعة. ويضيف هؤلاء انّ السعودية بقدراتها الذاتية لا تقوى على شنّ حرب بمفردها وخاصة لعدم توفر «خطة عسكرية متماسكة» لها ولحلفائها.

ماذا عن الدور الاميركي؟

الموقف الرسمي الأميركي «بارك» الغارات الجوية السعودية، معرباً عن انخراطه في توفير الدعم الاستخباري واللوجستي باستثناء إرسال قوات اميركية. وسائل الإعلام العربية، ومعظمها موال للسعودية ودول الخليج، أفادت مراراً باشتراك طائرات الدرونز الاميركية في الغارات الجوية على اليمن، فضلاً عن توفيرها إحداثيات دقيقة لطائرات تحالف السعودية لأهداف يتمّ قصفها تؤدّي الى مزيد من الضحايا المدنيين.

صنّاع القرار السياسي الأميركي وضعوا نصب أعينهم هدف ضرورة التوصل الى اتفاق نووي مع إيران ووضع حدّ لسياسة إقصائها طمعاً في إبطاء برنامجها النووي على الأقلّ وفي الوقت نفسه إبقاء انخراطها العملي في الصراعات الجارية «وإدارتها من خلف الستار».

أميركا، والسعودية أيضاً، قلقة من أمكانية خسارة أعوانها اليمنيين ميدانياً وإقصائهم عن التحكم بالممرّ الاستراتيجي في باب المندب والتسهيلات البحرية المبرمة معها في ميناء عدن. في هذا الصدد، أعرب معهد ستراتفور الاستخباري عن الاضطراب الشديد والخشية من «تحكم القوى المعارضة في مدينة عدن ومينائها»، معرباً عن شكوكه في «قدرة السعودية شنّ حملة ناجحة لاستعادة السيطرة قبل فوات الاوان». ومنذ الثاني من نيسان الجاري تواردت الأنباء عن سيطرة الحوثيين والجيش اليمني سوية على معظم أنحاء عدن ومينائها.

ما يتبقى من خيارات محدودة لا تبشر بالخير لأميركا التي قد تجد نفسها مضطرة للدخول ميدانياً بقواتها الخاصة بحجة «تدريب» قواتها الحليفة على فنون الحرب غير التقليدية وهي المهمة التي اضطلعت بها قواتها المعروفة بوحدات «القبعات الخضر» قبل نضوج مرحلة الحرب المفتوحة على الإرهاب. الأمر الذي يعد بنشوب حرب أخرى في ساحة جديدة ضدّ اليمن وشعبه.

تاريخ الصراعات في اليمن يدلّ على انّ البلاد عصية على التدخلات العسكرية. الغزو السعودي حقق بعض الضرر وتدمير البنى التحتية، بيد انّ الامتحان الحقيقي يكمن في مدى قدرة قيادة الغزو الخلفية، أميركا، على استيعاب الدروس وتأييد حلّ سياسي يبعد شبح الحرب الطويلة والمفتوحة عن اليمن وعموم المنطقة، ويحيل انتصار المغامرة السعودية الى مجرّد أضغاث احلام.

أوباما و«التفاهم التاريخي» وردود الفعل الأميركية الداخلية

وصف أوباما ما جرى في لوزان بالوصول الى تفاهم مع إيران بأنه تاريخي، من قبل الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها.

واستبق اوباما المعترضين والمشكّكين بتقديمه مطالعة شاملة تدافع عن التفاهم التمهيدي، مؤكدا انّ المفاوضات والمسار الديبلوماسي هو الأكثر ضماناً لسلمية البرنامج النووي الايراني.

فنّد أوباما مخاطر المقاربات الأخرى مثل العقوبات التي لم تعرقل تقدم إيران في برنامجها، مذكراً حتى بأنّ الخيار العسكري لن يكون مفعوله سوى عامل تأجيل او تأخير فقط، لا بل قد يكون الحافز لاتباع مسار نووي تسليحي له ما يبرّره.

ذكّر أوباما بمبادرات ديبلوماسية جريئة قام بها رؤساء سابقين مثل كنيدي ونيكسون وريغان ضمنت السلام الدولي في مرحلة الحرب الباردة. كما رحب ببدء جدل ونقاش حيوي في أميركا والعالم، في الأسابيع والشهور القادمة، حول عناصر الاتفاق الأساسية، مبدياً ثقته بأنّ الاتفاق سيجسّد حقيقة انه اتفاق جيّد لأمن اميركا وحلفائها والعالم.

كشف أوباما، في معرض طمأنة حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة العربية، انه تحدّث مع العاهل السعودي وسيدعو قادة دول مجلس التعاون الى لقاء قمة في منتجع «كامب ديفيد» هذا الربيع، لمناقشة كيفية تعزيز التعاون الأمني والسعي إلى حلّ الأزمات المتعددة التي تسبّب المتاعب وعدم الاستقرار في المنطقة.

إصرار أوباما على إنجاز الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني يبدو كمن يحاول تحقيق ما يعتبره إنجازاً مفصلياً او ارثاً فعلياً له كي يستحق جائزة نوبل للسلام التي نالها بناء على نواياه في مستهل عهده.

التزم قادة الحزب الديمقراطي «الصمت الحذر»، وعدم إبداء تعليقات حول الاتفاق النووي، بينما أوضح رئيس مجلس النواب، جون بينر، في بيان شديد اللهجة معارضته القوية للاتفاق التمهيدي قائلاً: «معايير الاتفاق النهائي كما نشرها البيت الابيض بالأمس تشكل فارقاً مقلقاً بالمقارنة مع الأهداف الأساسية التي حدّدها البيت الأبيض»، معرباً عن خشيته من «إمكانية رفع العقوبات عن طهران في المدى القصير».

رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، بوب كوركر، كان حذراً من توجيه انتقاد صارخ للإدارة، معرباً عن عن أمله في أن تتيح الإدارة فرصة للكونغرس لمراجعة تفاصيل ايّ اتفاق نهائي مع ايران، إذا تمّ التوصل إلى اتفاق نهائي… يجب أن تتاح الفرصة للشعب الأميركي من خلال ممثليه المنتخبين لإبداء الرأي للتأكد من قدرة الاتفاق حقاً على القضاء على خطر البرنامج النووي الإيراني ومحاسبة النظام».

انتقدت يومية «واشنطن بوست» في افتتاحيتها الاتفاق المعلن نظراً لسماحه ببقاء «البنية التحتية النووية لإيران على حالها، رغم تعليق بعض أجزائها لمدة 10 سنوات… وعليه ستغدو إيران في طريقها لأن تكون دولة نووية فور انهيار الاتفاق». وأوضحت انّ المعايير التي أرساها الرئيس اوباما، عام 2012، بأن «الاتفاق الممكن قبوله مع ايران… سينص على إنهاء برنامجها النووي والالتزام بقرارات الامم المتحدة» التي تدعو إيران إلى وقف تخصيب اليورانيوم. ووصفت المعلومات الصادرة عن البيت الأبيض «بالغموض»، في ما يتعلق بتعليق العقوبات المفروضة على ايران «دون توضيحه ماهية الخطوات او الأسس التي ستقوم عليها عملية التحقق» من امتثال ايران لشروط الاتفاق.

محرر صفحة الرأي في صحيفة «واشنطن بوست» والمقرب من الأجهزة الاستخبارية الأميركية، ديفيد اغناطيوس، رحب بالاتفاق على الرغم من انه «ليس اتفاقاً نهائياً»، ووجه كلامه إلى فريق المتشككين وخصوم الاتفاق قائلاً «إنّ الإدارة الاميركية رسمت قائمة دقيقة للبنود التي يتعيّن على إيران الالتزام بها»، والتي جاءت بعنوان «معالم خطة عمل مشتركة». ولفت اغناطيوس الانتباه الى «التباين الواضح» بين الوثيقة الأميركية المنشورة وبين «البيان المقتضب الذي أدلت به وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، فيديركا موغيريني، ونظيرها الإيراني محمد جواد ظريف».

واضاف اغناطيوس انّ البيان المشترك المشار اليه نصّ على عزم «البدء بصياغة النصّ وملحقاته استناداً الى الحلول التي تمّ التوصل اليها» في لوزان، «مما يعني انّ هذا الاتفاق لن يخدم مصلحة ايران على الإطلاق».

في جانب الترحيب بالاتفاق أوضحت الصحيفة انّ الاتفاق لا يمكن وصفه بالمثالي، ويمثل «أفضل بديل واقعي… بل البنود المبدئية الواردة تتجاوز في الواقع توقعات الكثيرين، وهو ما يجعله إنجازاً مبشراً للغاية لولا مسألة انه لم يتمّ التوقيع عليه».

من أهمّ ما جاء في تقرير «واشنطن بوست،» إقرارها بتطلعات الولايات المتحدة للتوصل الى صيغة اتفاق «أكثر صرامة… والحدّ بشكل محسوب من العقوبات مقابل الحصول على تنازلات كبيرة من ايران.» لكن «يبدو انّ الولايات المتحدة تراجعت عن موقفها بشأن هذه المسألة الرئيسة».

صحيفة «نيويورك تايمز» أوضحت انّ الرئيس أوباما «سيواجه صعوبة في إقناع الكونغرس»، نظراً إلى قلق ساسة الحزبين العميق مما اعتبروه «مجازفة سياسية» للرئيس أوباما «الذي باءت طموحاته لإعادة تشكيل العالم بفشل متكرّر… والتهديد بإحباط الاتفاق الذي دفع به إلى درجة أنه تخلى عن اعتبارات الأمن الأميركي والاسرائيلي».

واستدركت بالقول انّ تواضع إنجازات السياسات الاميركية المتعددة «حيّرت الرؤساء الاميركيين على مدى عقود… وساهمت إخفاقات سياسة الرئيس اأوباما في إعلاء صدارة الملف الإيراني الذي أضحى بالنسبة له السبيل لإعادة تشكيل المنطقة.

وأضافت انّ الاتفاق يعزز من «احتمال حدوث مصالحة بين واشنطن وطهران بعد عداء دام لنحو 36 عاماً… والذي من شأن الاتفاق وما سيعقبه من ترتيبات إحداث تغيير في سياسات الشرق الأوسط وتزويد الرئيس أوباما بإرث أقوى من أيّ رئيس آخر في العصر الحديث».

واعتبرت عزم الرئيس أوباما على التوصل إلى اتفاق بأنه «رهان بكلّ ما يملك على الاتفاق النووي وليس لديه شيء يخسره… وإثبات أنه جدير بجائزة نوبل للسلام» التي اعترف بنيله لها قبل الاوان».

صحيفة «يو اس ايه توداي» رحبت باتفاق الطرفين «وتمكنهما من التوصل إلى اتفاق شامل نهائي بحلول الثلاثين من حزيران المقبل… وبما يضمنه من نقل مخزون إيران من اليورانيوم المخصب إلى الخارج، وتخفيض أجهزة الطرد المركزي» لديها. وأوضحت انّ «اتفاق الإطار… يقابله رفع العقوبات الدولية المفروضة على ايران».

من جهة أخرى، انتقد كافة المرشحين المحتملين للرئاسة عن الحزب الجمهوري الاتفاق التمهيدي مما يعزز من واقع انّ حسابات السجال الانتخابي بين الحزبين سيضيف الى الصعوبات التي سيواجهها أوباما والحزب الديمقراطي في حملتهم لتسويقه داخلياً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى