تسيبراس… واللعب على ركائز المشروع الأوروبيّ

عامر نعيم الياس

آلِكسيس تسيبراس، لا يعبّر فقط عن المزاج الشعبي الجديد في اليونان في مواجهة الصلف الأوروبيّ، ولا يستند فقط في خطاب جدولة الدَّين والقروض الممنوحة لليونان من البنك الأوروبي، على اعتبارات اقتصادية بحتة، أو حتى تبنّي مذهب سياسيّ يساريّ شعبويّ من شأنه أن يقلق القائمين على الاتحاد الأوروبي وعلى رأسهم ألمانيا.

حلّ رئيس الوزراء اليوناني ضيفاً على موسكو في زيارة رسمية حاملاً معه، بحسب صحيفة «لوموند» الفرنسية، حقيبته «المليئة بالمظالم» إلى موسكو التي يلتقي فيها الرئيس بوتين إضافةً إلى عدد من المسؤولين الروس. مظالمٌ يدرك الأوروبيون قبل غيرهم حجمها، مؤمنين بتداعياتها التي جلبت لهم تسيبراس إلى الحكم، وجلبت معه التلويح بخيارات يحتار المراقبون الأوروبيون في توصيفها بين رهان تسيبراس على البديل الروسي، أو أن تندرج الزيارة في إطار إبراز خيار إضافيّ لدعم الاقتصاد اليونانيّ.

موسكو كانت قد أعلنت في شباط الماضي استبعادها تقديم أيّ مساعدة مالية للحكومة اليونانية، ربما تحاول بعث إشارات طمأنة في ملفّ اليونان الذي يربك بروكسل وحلف الأطلسي على حدّ سواء، لكن الأمور تتغير ولا تقف عند حدود لطالما استمر الصلف الأوروبي في معالجة الملف الأوكراني. هنا يبرز تصريح وزير الزراعة الروسيّ عشية زيارة تسيبراس إلى موسكو، بإمكانية «رفع حظر المنتجات الزراعية الروسية عن اليونان والمجر وقبرص»، ليبدو كمحاولة لملاقاة بعض طموحات تسيبراس في توطيد العلاقة مع موسكو خلافاً للحكومات التي قادها المحافظون في اليونان. أمرٌ يقلق بروكسل من مبادرة روسية بديلة، كما يقلق حلف شمال الأطلسي من فتح ثغرة إضافية لروسيا في جدار أوروبا المنقسمة والمرتبكة في معالجة عودة روسيا إلى ساحة الفعل الأوروبي.

هل يرتكب تسيبراس خطأً استراتيجياً؟ هل يراهن على مصدر رديف للمساعدة المالية لبلاده؟ هل يبحث عن خيار بديل؟

من غير المتوقع أن يندفع تسيبراس في الآونة الحالية لنسف المسار التفاوضي مع الاتحاد الأوروبي، هو يسعى الآن للحصول على 7.2 مليار دولار هي ما تبقى من قرض بروكسل لمعالجة الأزمة المالية في اليونان، لكن التلويح بالورقة الروسية من شأنه أن يساهم في تليين الموقف الأوروبي لا العكس كما يتوقع المراقبون، في ضوء استرتيجية تسيبراس المركبة لمعالجة أزمة بلاده مع الاتحاد الأوروبي، وتحديداً مع ألمانيا. فرئيس الحكومة اليونانية يستحضر تاريخ بلاده وتاريخ العلاقات الأوروبية ـ الأوروبية ليس فقط في خطاباته أمام جماهيره، بل في إدارته الملف التفاوضيّ مع بروكسل، وهو ما يمسّ جوهر الاتحاد الأوروبي والغاية التي أنشأ من أجلها. ويعود بأوروبا إلى حقبة النازية والتعويضات المالية للحرب العالمية الثانية، إذ إنّه من المعروف أن الاحتلال النازي لليونان بين عامَي 1941 و1946، قد دمّر هذا البلد الأوروبي بنسبة كبيرة، وقيّمت حينذاك التعويضات المالية لإعادة إعمار اليونان في مؤتمر باريس عام 1946 بما مقداره حينذاك 7.2 مليار دولار. لم تحصل أثينا من ألمانيا سوى على أجزاء لا تذكر منها، واليوم يعود تسيبراس وبعض وزراء حكومته إلى التلويح بورقة التعويضات المالية كحقٍّ من حقوق بلاده وشعبه لا منّة لأحد بها، بما يهدّد الركائز التي قام عليها المشروع الأوربي ككل، ويدفع القارة العجوز إلى محاول احتواء رئيس الحكومة اليونانية بكافة الوسائل، فيما تبقى زيارته إلى موسكو أساساً مستقبلياً لتطوير العلاقات مع الكرملين والدفع بها إلى مستويات متقدمة. لكن حتى اللحظة، في سياق الخيار الإضافيّ لأثينا لتعزيز علاقاتها مع حلفاء غير تقليديين كروسيا والصين، وليس في سياق الخيار البديل عن أوروبا.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى