بيان الخارجية الأميركية حول الإرهاب: انقلاب السحر على الساحر
حميدي العبدالله
اعترفت وزارة الخارجية الأميركية في بيانها السنوي حول تعاظم خطر الإرهاب بأن عام 2013 شهد تحوّلاً كبيراً على هذا الصعيد، وأن سورية تعتبر الساحة الرئيسية لتجمع أخطر الإرهابيين في العالم. وفي وقت سابق حمـّّل المسؤولون في الإدارة الأميركية الدولة السورية المسؤولية عن وجود الإرهابيين في سورية، وقالوا إن سورية تحولت إلى مغناطيس جاذب للإرهاب في العالم. وهذا الاتهام الموجّه إلى الدولة السورية يستدعي وقفة تحليلية لوضع النقاط على الحروف، وكشف زيف الادعاءات الأميركية ومجانبتها الحقيقة.
طوال ثلاثة عقود ونصف عقد على ولادة ظاهرة الإرهابيين، كانت سورية أكثر دول العالم استقراراً وأكثرها محاربة للإرهاب، وقصدتها جميع الاستخبارات الغربية للإفادة من خبرتها على هذا الصعيد. وكانت سورية حتى آذار عام 2011 الدولة الأكثر أماناً واستقراراً والأكثر حزماً في مواجهة الإرهاب، ولم يجد الإرهاب موطئ قدم لـه في سورية إلاّ بعد آذار 2011 عندما حشدت الولايات المتحدة دول المنطقة وطلبت منها تسهيل تجمع الإرهابيين في سورية وتسهيل دخولهم إليها، فجميع إرهابيي العالم عبروا الحدود إلى داخل سورية بالتعاون مع أنظمة حليفة للولايات المتحدة، وبناءً على خطط ساهمت في وضعها وكالات الاستخبارات الأميركية.
إذن وجود الإرهاب في سورية الذي يتحدث عنه بيان الخارجية أنه الأخطر، هو حصيلة سياسة الولايات المتحدة وفعلها في الدرجة الأولى، وهذه ليست المرة الأولى تتحوّل فيها الولايات المتحدة إلى داعم رئيسي للإرهاب. ففي عقد الثمانينات لدى اندلاع الموجة الأولى من الإرهاب الدولي، ثبت أن الولايات المتحدة وحلفاءها، خاصة السعودية، هم المسؤولون عن ولادة ظاهرة الإرهاب، حين جندوا ألوف المتشددين ودربوهم في معسكرات أشرفت عليها وكالات الاستخبارات الأميركية لمحاربة الوجود السوفياتي في أفغانستان، وكانت ولادة أول موجة من الإرهاب ضربت لاحقاً الدول الغربية، بما فيها الولايات المتحدة في 11 أيلول، وتلك محصلة طبيعية لسياسة الولايات المتحدة التي اعتمدت الإرهاب لمحاربة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان.
بعد توجيه ضربات للإرهاب الدولي في عقد التسعينات كادت تقضي عليه، انتعش هذا الإرهاب مرة أخرى على أيدي الولايات المتحدة عندما احتلت العراق في 2003 واستخدمت الإرهاب وسيلة لمحاربة مقاومة العراقيين ضد الاحتلال الأميركي ومحاولة واشنطن إثارة الفتنة الطائفية لخلق تسابق بين مكوّنات الشعب العراقي للتمسك بوجود الاحتلال. لكن رغم ذلك ظلت وتيرة الإرهاب أقل خطورة، لكن حين اعتمدت واشنطن وحلفاؤها الغربيون ودول المنطقة التي تدور في فلكها الإرهاب وسيلة الإرهاب لمحاربة الدولة السورية وإسقاط النظام، تصاعد خطر الإرهاب ووصل إلى المستوى الذي وصفه بيان الخارجية الأميركية.
إذن، الولايات المتحدة هي المسؤول الحصري عن وجود ظاهرة الإرهاب وتوفير الرعاية لها وتأمين متطلبات تعاظم قدراتها. كان ذلك في أفغانستان وفي العراق واليوم في سورية، فليست سورية مغناطيس الإرهاب، إذ كانت قبل استهدافها أكثر دول المنطقة أماناً واستقراراً وتصدياً حازماً للإرهاب، وقبل احتلال كان العراق مثل سورية خالياً من الإرهاب تماماً.
في ضوء ذلك، إذا كان من خطر للإرهاب اليوم، على ما يقول بيان الخارجية الأميركية، فإن الولايات المتحدة هي التي أوجدت هذا الخطر، ويمكن الاستنتاج على نحو قاطع أن السحر انقلب على الساحر.