ليلة الفصح
الياس عشّي
الفكر المسيحي فكر إشراقيّ تجذّر، ونما، وصار له حضور إنساني عبر ثلاثة من المواقع:
الأوّل: في العشاء السرّي
حيث كرّس السيّد المسيح جسده ودمه في ذبيحة حضاريّة جوهرها الإنسان المتألّه في الآخرين. فبدلاً من أن يُذبح الآخرون تمجيداً للإله يهوه الذي طلب من إبراهيم أن يذبح ابنه، أو تمجيداً لآلهة وثنية كانت تملأ الأرض بضجيجها وحروبها، جاء السيّد المسيح ليكون هو الذبيحة، مكرّساً، بهذه المناقبية الخارجة على ديكتاتورية الأنا، خلاصاً أبديّاً من عالم غارق في النزوات، وشهوة القتل.
الثاني: في الجمعة العظيمة
الجلجلة تصير ومغارةَ بيت لحم توأمين في نقطة عبور واحدة. ففي بيت لحم كان الطفل يسوعُ ملكاً في مذود، يسجد الملوك والرعاة له، ويضعون بين يديه الذهب والمرّ واللبان. وعلى الجلجلة كان السيّد المسيح ملكاً على صليب، تسجد السماء والظلال والأشجار لموته المتوّج حربةً في الخاصرة، وخلّاً في الفم، ومساميرَ ترتفع أوسمةً على جسده الناحل المدمّى بإكليل من الشوك. وفي كلا العبورين نسمع نحيب النساء في بيت لحم، ونحيب النساء في القدس… وفي كلا العبورين نلمح هيرودس الآمر بذبح الأطفال خائفاً ومرتعباً، ونرى يهوذا الاسخريوطي الذي سلّم سيده بثلاثين من الفضّة، يتأرجح منتحراً على شجرة تين.
الثالث: في سبت النور
سبت النور هو فعلُ القيامة، القيامةِ من الموت، الانتصار على الموت، لأنّه مكتوب أنّ ابن البشر يموت، ثمّ يقوم في اليوم الثالث. والقيامة في الإيديولوجيا المسيحية هي المسيحية كلّها، وهي بداية العهد الجديد، وبداية الإشراقة الروحيّة. لو لم يمت المسيح ويقُمْ، لما كان للمسيحيّة هذا الحضور البهيّ. قيامة المسيح فلسفة من نوع آخر انتصرت فيها القوّة الكامنة في الروح على عالم تحكمه الطقوس والغرائز، وانتصر فيها العهد الجديد المتجسّد في الإنجيل المقدس على العهد القديم الممثّل بالتوراة.
وبعدُ..
ماذا بقي في المسيحية، وفي المسيحيين، من هذه الأفكار المتجذّرة في ليلة الفصح؟
ما زلنا، في أكثرنا، كما قال الأب ميشال حايك في واحدة من عظاته: «ثمّة مسيحيّ واحد هو المسيح، ونحن، على الأكثر، طلّاب مسيحيّة».