عدوٌّ عاقل خيرٌ من صديق جاهل

طاهر محي الدين

كثر الهرج والمرج داخل الشارع السوري عن وجود حزب الله وقتاله في سورية، من قبل محور العدوان على سورية العربي أولاً، والغربي ثانياً. والأهم هو هرج من قبل بعض السوريين والمحسوبين «مؤيدين» مع توضيح نقاط كلا الطرفين، بعدما تبين القول القاطع الذي أدلى به سماحة الأمين العام حسن نصر الله في أكثر من ظهور، ولعل أبرز تصريح كان: «لو احتاج الأمر لمحاربة التكفيريين الإرهاببين في سورية أن أذهب أنا و كل حزب الله إلى سورية فإننا سنذهب». كما أكد، على ما هو معلوم للجميع، أن حزب الله كان آخر الذاهبين للقتال في سورية، وأن ذهاب حزب الله إلى سورية هو للدفاع عن لبنان وعن المقدسات التي تعني لجميع المسلمين في العالم وعن المقدسات التي تخص جميع مسيحيي العالم، ولعل طاقم قناة «المنار» الذي ارتفع شهداؤه إلى الله في معلولا، أثبت للعالم جميعاً أن حزب الله في سورية إنما يدافع عن اللبنانين في جميع طوائفهم من المدّ التكفيريّ الإلغائي، كما يدافع عن سورية كآخر قلاع العرب في مواجهة الكيان الصهيوني. ولولا حزب الله في سورية ضد التكفريين لكان ما شهده اللبنانيون من إرهاب التفجيرات التي طاولت ساحاته مجرد نزهة في مقابل ما كانوا سيشهدونه لو انتصر المشروع التكفيري في سورية وامتد إلى الساحات اللبنانية جمعاء.

عودٌ على بدء، كلّ من الطرفين يمضي في اتجاه معاكس، رغم أنّ للطرحين هدفاً واحداً يصب انتشاره في مصلحة العدوان على سورية، فمّما تروّج له وسائل إعلام سفك الدم السوري أن النظام يستقوي على أبناء شعبه من طوائف معينة بـ»ميليشيات حزب الله» وبالحرس الثوري الإيراني، في إشارات طائفية واضحة، وهو السبب الرئيسي الذي دفع تلك الطوائف المستهدفة من النظام إلى الاستقواء بـ»المجاهدين» المناصرين إيدولوجياً لتلك الطوائف المستهدفة، فاستقدموا البخاريين الشيشان والقوقازيين والخليجيين من عرب أفغانستان وكل من يتمثل فكر «القاعدة» الوهابي الإلغائي الإقصائي التكفيري، بعد فشل في إشعال الحرب الطائفية في سورية، ومن الإشارات المتتالية أن تدخّل حزب الله في سورية هو الذي رجح الكفة لمصلحة النظام في سورية، وأن الجيش وحيداً ما كان ليستطيع تحقيق هذه الإنجازات لولا تدخل الحزب والحرس الثوري، ما يستدعي لزاماً زيادة التسليح للجماعات الإرهابية في سورية التي تسمى اليوم مجازاً بالجماعات المعتدلة، ويستلزم أيضاً زيادة الضغوط على حزب الله داخلياً من جماعة 14 آذار المتورط الأول والأكبر في دعم الإرهاب في سورية عبر السعودية تمويلاً وتسليحاً وإعلاماً، ورفض مشاركة حزب الله في الحكومة والدولة، وتسعير نار الطائفية ضد حزب الله وحلفائه في لبنان، وزيادة الضغط على لبنان عبر تعطيل المواعيد الدستورية من انتخابات الرئاسة وقبلها تشكيل الحكومة، ولاستخدام الإرهاب الممنهج ضد أهالي الضاحية عبر التفجيرات التي هزت الضاحية في أكثر من مرة.

هنا لا بدّ من توضيح سبب هذا الصراخ كله والعويل والتضليل وإشاعة الفتنة، وسبب الخوف المسعور من تدخّل حزب الله في سورية؟

إنّ العدو الصهيوني ومحور العدوان على سورية فهم تماماً، ويا للأسف، ما يعني هذا التمازج والتماهي في العمليات المشتركة بين قوات الجيش العربي السوري كجيش نظامي وقوات حزب الله المقاتلة في سورية على أعلى درجات الدقة والتنسيق العالي، ونجاح هذه التجربة إنما تمثل للعدو الصهيوني وحلف العدوان على سورية صورة مصغرة لحرب تحرير المدن التي يمكن أن يقدم عليها الجيش العربي السوري والقوات المقاتلة في عملية تحرير إصبع الجليل بداية، ثم باقي المدن الفلسطينية، مروراً بالجولان السوري المحتلّ.

في حين أن الطرف الآخر من الكلام المثار عن مشاركة حزب الله في الحرب في سورية، يأتي من دافع الغيرة التي تدفع إلى القول إنّ الجيش وحده غير قادر على تحقيق الانتصار والإنجاز، وإن حزب الله يقوم يردّ الدين الواجب عليه لسورية وشعبها على احتضانهما المقاومة على مر السنين وتسليحها ودعمها وتقديمها في كثير من الأحيان على أمنها الداخلي، عبر احتمال تعرضها لأخطار كبيرة في مواجهة الطغيان الأميركي والغربي الاستعماري بذريعة مكافحة «التنظيمات المصنفة إرهابية» على اللوائح الصهيو ـ أميركية والأنظمة العربية الامبريالية.

وبناءً على ما تقدّم، نرى أنّ كلا الطرحين ينتج الثمار نفسها، مع أنّ الأول متعمّد من قبل الأعداء عبر شيطنة صورة حزب الله ومحور المقاومة واستخدامه مذهبياً وطائفياً، والطرح الثاني العفوي غير المقصود من دافع الغيرة العمياء واللاوعي واللاإدراك لأهمية إظهار هذا المشروع الذي نرهب به عدو الله وعدونا عبر وحدتنا وتماسكنا كجسد واحد ومشروع واضح في تحرير فلسطين وتحرير المغتصبات، وإسقاط جميع المشاريع الاستعمارية في المنطقة التي تهدف أولاً وأخيراً إلى إعلان يهودية الدولة وتحطيم دول المنطقة المناهضة لهذا المشروع، فيستفحل الورم السرطاني في جسد العالمين العربي والإسلامي عبر نشر الإرهاب المتنقل في دول المقاومة والممانعة، فضلاً عن التدمير الداخلي لسائر الدول المجاورة للكيان الصهيوني لتأمين أمنه القومي عبر إضعاف جيرانه، فالمبدأ الأساسي الذي قام عليه الكيان هو شعار «الحدود من الفرات إلى النيل»، وأدرك الكيان ومن أوجده أنه لا يستطيع بجيشه السيطرة على هذه الدول بالشكل التقليدي، فكانت المسمّاة «ثورات الربيع العربي»، فحصل التدمير في ليبيا والانقسام العمودي في تونس والإرهاب «الإخواني» في مصر وبوادره في الأردن، بعدما دمّر الغزو الأميركي العراق بدعم الأنظمة العربانية الإمبريالية في الخليج.

في خلاصة القول: إنّ إظهار هذا التحالف وقوته وفاعليته، من أهمّ أدوات إسقاط المشروع، ورسالة للأصدقاء قبل الأعداء عن تماسك هذا الحلف، فهو نصر استراتيجي نتج من صبر استراتيجي وإدارة جبارة وحكيمة أركعت في المحصلة عدواناً كونياً من 83 دولة مدعومة بمئات وسائل التحريض الإعلامي والتمويل الخليجي غير المسبوق في سورية والعراق ومصر، المثلث الخطير الذي يهدّد الوجود الصهيوني في قلب الأمة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى