المصارف تعلن الحرب والصوت العوني حاسم
كتب المحرر السياسي
لا مؤشرات على تحوّلات إيجابية تجعل الاستحقاقات المقبلة أكثر أماناً كما يرغبها اللبنانيون، فالمعطيات الإقليمية والدولية التي يبدو واضحاً أنها الشغل الشاغل للمتابعين واللاعبين اللبنانيين، تدلّ على غياب التفاهمات والتسويات التي يتوقف عليها صدور كلمة سرّ تحمل اسم الرئيس العتيد كما كان الحال غالباً، أو تمنح لبننة الاستحقاق الرئاسي الضوء الأخضر المنتظر، وبالمقابل يقترب الاستحقاق الاجتماعي الذي تحمله سلسلة الرتب والرواتب من لحظة الانفجار، مع نجاح تكتل جمعية المصارف والشركات العقارية بإنجاز تقرير نيابي للسلسلة يعتبر إعلان حرب مفتوحة على المستفيدين منها الذين يمثلون نصف الشعب اللبناني على الأقلّ، بينما يقدم حصانة غير مسبوقة من دفع الضرائب المتوجبة لمن يحققون أعلى نسب وأرقام من العائدات من النظام الاقتصادي اللبناني.
الحرب المفتوحة تنذر بإقرار تعديلات على السلسلة وعائداتها تنعكس بصورة سلبية مباشرة على الموظفين بمواقعهم ورتبهم المختلفة، وتستدرج بالمقابل تحركات نقابية وشعبية تهدّد بإشعال مواجهة تحوّل الحرب الباردة إلى سجال عنفي لن يتأخر حتى يتحوّل إلى مشروع انفجار لا يملك أحد السيطرة على تداعياته.
في ظلّ ما جرى في بعبدا في جلسة الحوار من فولكلور حواري لا يقدم ولا يؤخر، وما تحمله جلسة الانتخاب المقرّرة غداً من لزوم ما لا يلزم، تبدو الطبقة السياسية عاجزة عن اجتراح معجزة تخرج البلد الذي يزداد حرارة من التعامل البارد، ويبدو الانقسام النيابي الحادّ متوقفاً على التصويت العوني النهائي حول السلسلة، وهو تصويت شارك مرة في التقرير الأساسي للجنة المال والموازنة، وشارك تالياً في التصويت على تشكيل اللجنة التي تمّ اغتيال لجنة المال وتقريرها على يديها، كما شارك في تقرير لجنة الحرب المفتوحة على السلسلة، ويتوقف على تصويته النهائي مصير الاستحقاقات المقبلة، فالاستحقاق الرئاسي سيكون محكوماً بالاستحقاق الاجتماعي، وسيسهل توظيف أحدهما في خدمة الآخر، وكما سيقول فريق إنّ التصويت في شأن السلسلة يقرّب فريقاً إلى فريق في الاستحقاق الرئاسي، يمكن القول إنّ الانفجار الاجتماعي يقدم خياراً على خيار في الاستحقاق الرئاسي، لأنه كما يقرأ فريق في حراكه نحو الاستحقاق الرئاسي بتقرّبه اجتماعياً من فريق آخر، يقرأ الكثيرون في الانفجار الاجتماعي بداية انهيار أمني يرفع أسهماً رئاسية ويخفض أسهماً أخرى، ويختصر مهلاً قد تحتاجها خيارات كثيرة.
الخيار العوني حاسم في كلّ الاتجاهات، والسؤال عن اتجاه هذا الخيار لا يزال مطروحاً؟
دعم «المستقبل» لجعجع يدفع نحو الفراغ
وسط هذه الأجواء، فإذا كانت الجلسة النيابية المقرّرة يوم غد لانتخاب رئيس للجمهورية لن يكون مصيرها أحسن حالاً من سابقتها، لناحية عدم اكتمال النصاب، فالمؤشرات كلها تفيد بأن لا إمكان لانتخاب رئيس جديد خلال ما تبقى من المهلة الدستورية حتى 25 الجاري.
ومن الواضح أن استمرار المناورات من قِبل تيار «المستقبل» وحلفائه لن يغير في واقع جلسات مجلس النواب حتى ولو عقد جلسات متتالية، في وقت تؤكد مصادر دبلوماسية مطلعة أن المعطيات الخارجية المؤثرة غير ناضجة لدفع الأطراف اللبنانية نحو التوافق على رئيس إجماع يحظى بدعم أكثرية الكتل النيابية.
ويقول مصدر سياسي بارز في 8 آذار إن إصرار تيار «المستقبل» على المضي في دعم ترشيح رئيس «القوات» اللبنانية سمير جعجع، دليل واضح على أن لا مؤشرات لحصول توافق. وتضيف المصادر أن «المستقبل» ليس بوارد التفريط بعلاقته مع جعجع أو حتى إغضابه في غياب أي مؤشرات خارجية للتفاهم حول الملف اللبناني، بدءاً من الاستحقاق الرئاسي.
وتوضح أنه طالما أن السعودية لا تدفع حلفاءها للسير بمرشح توافقي، فتيار «المستقبل» سيواصل اللعب في الوقت الضائع، وهو ما يعني أن الأمور ستبقى «تجرجر» ليس فقط حتى 25 أيار الجاري، بل إلى فترة قد تمتد لأشهر عدة.
وتشير المصادر إلى أن «الكباش» الأميركي ـ الروسي حول الأزمة الأوكرانية وانسحاب هذا «الكباش» على القضايا الخلافية الأخرى بدءاً من الأزمة السورية، انعكس سلباً على إمكان حصول تفاهم دولي ـ إقليمي حول الوضع في لبنان. وتضيف أن استمرار هذا «الكباش»، وهو المرجّح في الفترة القريبة سيصعّب من إنضاج الظروف الخارجية لمساعدة الأطراف اللبنانية في التوافق على رئيس جديد.
ولذلك تؤكد المصادر أن هذه المعطيات الداخلية والخارجية تشير إلى أن حكومة تمام سلام ستملئ الفراغ الرئاسي، وهذا الفراغ قد يمتد حتى نهاية الصيف الحالي، بانتظار تبلور مؤشرات إيجابية تسهّل تمرير الاستحقاق الرئاسي.
بري تسلّم تقرير السلسلة
إلى ذلك، تسلّم رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس تقرير اللجنة النيابية حول سلسلة الرتب والرواتب، وبادر فوراً إلى إرسال نسخة عنه لهيئة التنسيق النقابية، وكذلك عكف على درسه لوضع الملاحظات عليه.
وبدوره، باشر وزير المال علي حسن خليل على درسه أيضاً مقارناً تقرير اللجنة بمشروع اللجان المشتركة ومشروع الحكومة السابقة.
وبحسب مشروع اللجنة الجديد، فإن الكلفة خفّضت إلى حوالى ألف و800 مليار ليرة بتخفيض عن مشروع اللجان بما يزيد على 600 مليار، وبزيادة حوالى 200 مليار عن مشروع الحكومة السابقة.
مضمون التقرير
وأبرز ما ينص عليه مشروع اللجنة، زيادة ضريبة الـ T.V.A على كل السلع من 10 إلى 11 في المئة، وعلى الأجهزة الخلوية والقريدس والكافيار واستيراد المركبات البرية المستعملة وغير المستعملة من 10 إلى 15 في المئة، وزيادة الرسم الجمركي خمسة في المئة على الهاتف الخلوي والدراجات وبعض المواد غير الأساسية الكماليات ، وزيادة الرسم الجمركي واحد في المئة على عدد كبير من السلع والمواد الغذائية والحديد، وكذلك زيادة رسم الإسمنت ستة آلاف ليرة على الطن ورفع الرسوم على التبغ 135 في المئة والتنباك 43 في المئة وأصناف المعسل 31 في المئة، ووضع ضريبة على المسافرين 75 ألف ليرة.
وفي ما خص الأملاك البحرية، لم تتضح كثيراً، بينما بقيت فوائد أرباح المصارف والشركات العقارية.
وينص تقرير اللجنة أيضاً على إلغاء المفعول الرجعي الذي كانت أقرته الحكومة السابقة من تاريخ 1/7/2012، وتقترح أن يبدأ مفعول السلسلة من 1/7/2014. كذلك يلغي التقرير درجات المعلمين، إضافة إلى تخفيضات في أرقام اللجان المشتركة حول الزيادات لرواتب الموظفين والعسكريين وإعادة النظر في المنح المدرسية، وأدخلت اللجنة تخفيضات على الغرامات شأن المخالفات البحرية والضرائب على الأرباح للمصارف والشركات العقارية.
وبحسب أوساط عين التينة، فإن الرئيس بري سينتظر بضعة أيام لدرس السلسلة، ليصار بعد ذلك إلى الدعوة لجلسة عامة لإقرارها، ويرجّح أن تكون الدعوة الأسبوع المقبل.
مصادر هيئة التنسيق: التقرير محبط وصاعق
وفي أول تعليق لمصادر هيئة التنسيق على مضمون تقرير اللجنة النيابية، أنها تعكف على إعداد الملاحظات على التقرير، تمهيداً لاجتماعها عصر اليوم لتقرير الموقف من التقرير والتحرك النقابي.
لكن المصادر أكدت أن القراءة الأولية لما تضمّنه التقرير جاءت صاعقة ومحبطة للهيئة، بسبب التخفيضات المخيفة التي لا يمكن السكوت عنها أو تمريرها. أضافت إن اللجنة النيابية التي قررت مسبقاً «تشحيل» ألف مليار ليرة من أرقام السلسلة، قامت بتخفيضات كبيرة على الدرجات والحقوق المتوجبة للمعلمين والموظفين والعسكريين في مقابل زيادة الدوام الرسمي وساعات التعليم، مشيرة إلى أن الزيادات للمعلمين لا تتجاوز الـ 22 في المئة. كذلك عمدت اللجنة إلى إلغاء المفعول الرجعي، بل إنها لجأت إلى مفعول لاحق عبر اقتراح الاستفادة من السلسلة اعتباراً من بداية شهر تموز المقبل. ولاحظت المصادر أن اللجنة أجرت تخفيضات على ضرائب الأرباح التي كانت مقترحة من اللجان المشتركة على المصارف والشركات المالية والعقارية، كذلك خفضت الضريبة على المخالفات البحرية إلى أقل من 70 مليار ليرة، اعتباراً من العام المقبل.
وأكدت المصادر أن هيئة التنسيق لن تقبل تحت أي ظرف لهذه التغييرات الجذرية، لذلك فهي لن تسمح بتمرير الانقلاب على الحقوق. إذ قالت إن اجتماع اليوم سيقرّر النزول إلى الشارع مجدداً، وقد تدعو إلى الإضراب العام يوم بعد غد الخميس.
غريب: صيغة استفزازية
وفي السياق ذاته، أكد رئيس هيئة التنسيق النقابية حنا غريب مساء أمس أن الصيغة المطروحة من قِبل اللجنة النيابية هي صيغة استفزازية. وقال: «إنهم يعترفون بالحقوق ويصرون على سرقتها». أضاف: «شاؤوها حرباً فلتكن».
«ميني حوار» في بعبدا
في هذا الوقت، عقدت في قصر بعبدا الذي حاصرته نيران حرائق بطشاي، جلسة الحوار الأخيرة في عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، وذلك «بمن حضر» إذ غاب عنها معظم الأقطاب، خصوصاً أقطاب 8 آذار باستثناء الرئيس بري.
وفيما لم يحدّد سليمان موعد جلسة جديدة، لأن 25 أيار الجاري هو الموعد الدستوري لتركه قصر بعبدا وانتهاء ولايته، لا يُستبعد أن يبادر رئيس المجلس في مرحلة لاحقة إلى الدعوة لانعقاد هيئة الحوار، خصوصاً إذا طال الفراغ في رئاسة الجمهورية.
وقد تحوّلت جلسة الحوار أمس إلى ما يشبه «المجاملات» من قِبل بعض الحاضرين تجاه الرئيس سليمان. قبل وقت قصير من انتهاء ولايته، أشاد سليمان بما توصلت إليه جلسات الحوار منذ عام 2006، وما آلت إليه الأمور عبر طاولة الحوار، خصوصاً ما وصفها بـ«الإنجازات التي تحققت ومنها إعلان بعبدا». وتوقف عند ما نسب إلى مصار إيرانية من أن «الحدود الإيرانية تصل إلى البحر المتوسط»، فحاول التناغم مع بعض الأصوات المعروفة التوجّه، إذ أبلغ الحضور أنه سيستدعي السفير الإيراني في بيروت غضنفر ركن أبادي للاستيضاح منه عن حقيقة هذه التسريبات!
وأكد البيان الختامي للجلسة التي استمرت لساعتين أهمية استمرار عمل هيئة الحوار كسبيل لتلاقي النزاعات وضرورة ترسيخ منطق الحوار، داعياً إلى مواصلة البحث للتوافق على استراتيجية دفاعية. كذلك شدد على أهمية تطبيق اتفاق الطائف واحترام الاستحقاقات الدستورية الرئاسية والنيابية وتجنّب الفراغ في موقع الرئاسة الأولى.