المعارضة السورية في الخارج وحسابات المشغّلين…
جمال العفلق
كان لتوقيع مذكرة التفاهم بين إيران ومجموعة الخمسة زائداً واحداً، وتمسّك الرئيس الأميركي باراك أوباما بالتوقيع على الاتفاق رغم معارضة الكونغرس واستعراضات نتنياهو ومعارضة السعودية أثر كبير على المشهد الدولي والإقليمي.
قامت السعودية بشنّ حرب على اليمن بموافقة أميركية مسبقة وضوء أخضر اعتبره المراقبون جائزة ترضية للملكة، تنفيساً لغضبها الناتج عن تقارب الغربي الإيراني الذي قد يغير وجه المنطقة لعقود طويلة، وخصوصاً إذا وصلت الأمور إلى خواتيمها وتمّ التوقيع على الاتفاق النهائي وأفرجت خزائن الغرب عن الأموال الإيرانية ورفعت العقوبات الاقتصادية التي ستسمح لإيران بالتوسع الاقتصادي وفتح باب الاستثمارات التي سعى إليها أردوغان متنازلاً عن دعمه للعدوان السعودي على اليمن، ومفضلاً الحلّ السياسي، كما فعلت باكستان التي رفض برلمانها قبول نقل القوات الباكستانية إلى الصحراء السعودية والتضحية بجيشها إرضاء لحليف طالما ورط البلاد في ملفات شائكة ما زالت باكستان تدفع ثمنها حتى اليوم، وعلى رأسها القاعدة التي كانت تعبر من باكستان إلى افغانستان، فانقلبت عليها وصارت تشكل خطراً دائماً يهدّدها بعمليات إرهابية قد تنطلق من جديد بعد رفض البرلمان الباكستاني المشاركة في العدوان لأنّ ممول الإرهاب قد يدفعها إلى ذلك.
أما المعارضة السورية، وخصوصاً ما يسمى ائتلاف الدوحه فقد سارع إلى دعم العدوان على اليمن والترحيب به لفرض الشرعية التي يحاربها في سورية، ولأنه أي الائتلاف مرهون بالمال السعودي وينطق بما طلب منه وليس لديه استراتيجية أو قاعدة فكرية أو سياسية، فقد وجد نفسه الآن يدعم عدواناً على شعب عربي من دون وجه حقّ، وما تصريح الائتلاف المذكور إلا ورقة مكتوبة استلمها من الإدارة السعودية وكان عليه نشرها فقط لا غير، كما يفعل حلفاء السعودية المنتشرين في الدول العربية.
اليوم، وبعد التفاف أردوغان على الحليف السعودي وإعلانه الميل إلى حلّ سياسي والتوافق مع إيران على ذلك، بالإضافة إلى رفع وتيرة خطابه تجاه مصر التي تبحث عن الأمن القومي العربي في ضرب اليمن، واعتراض تركيا على سجن جماعة الإخوان المسلمين في مصر، نجد أنّ الائتلاف لم يعد صالحاً لتمثيل نفسه ولا لتمثيل مشغليه، فقراره مسلوب من قبل الممول السعودي وإذا ما تطورت التجاذبات الدولية سيجد أردوغان نفسه مجبراً على إغلاق مكاتب الائتلاف في اسطنبول، لأنّ الكعكة كبيرة ولا يستطيع أردوغان الطامع بمجد عثماني أن يتخلى عنها، وخصوصاً فيما يتعلق بالملفات الاقتصادية الموعود بها مع إيران والتي يطمح أردوغان إلى رفعها إلى مبلغ يصل إلى ثلاثين مليار دولار سنوياً بين البلدين، وهذا الأمر يعجز الخليج وخصوصاً السعودية عن تعويضه عنه.
حاولت السعودية من خلال عدوانها على اليمن خلط الأوراق في سورية وتعقيد الأمور، فدفعت بتنظيم داعش باتجاه مخيم اليرموك، وعملت غرفة العمليات في الأردن على تغيير الخارطة العسكرية في درعا من خلال مركز نصيب الحدودي، كما أنّ قصف المدنيين في حلب جاء لإشغال الجيش السوري الذي يعمل على استعادة إدلب من قطعان المرتزقة. أما الائتلاف المقيد بالخطاب السعودي وبنشرات أخبار قناة العربية وما تمليه عليه من بيانات أو تصريحات، فقد أصبح اليوم في مهبّ الريح، وخصوصاً أنّ الحديث عن إجماع دولي يحميه صار شيئاً من الماضي وإثبات تورطه في العمليات العسكرية التي يقودها داعش والنصرة ليس بالأمر الصعب دولياً. أما محلياً، فلدى السوريين آلاف الوثائق التي تثبت تورط عناصر الائتلاف بالخيانة العظمى والتآمر على أمن البلاد والتخابر مع دول معادية. فحلّ الائتلاف أو إبقاؤه لا ينفي عنه جرائمه، وهذا ما يجب أن يكون من خلال حقّ السوريين برفع دعاوى وطلب إحضار للمتورطين بالإرهاب على الشعب السوري عن طريق الإنتربول الدولي ومكافحة الجريمة المنظمة.
السوريون لا يتعاملون اليوم، مع ندّ أو خصم سياسي بقدر ما يتعاملون مع مافيا إرهابية تنظم عمليات القتل والسرقة لصالح مستثمر هو السعودية ومن خلفه إسرائيل وأمنها المزعوم. وما يستخدم اليوم من بيانات طائفية ومذهبية لا ينطبق على الواقع.
كلّ هذه الوقائع تدفعنا إلى التساؤل: إذا كانت الحرب سنية ـ شيعية كما يدّعون لماذا يذهب خليفتهم أردوغان إلى الخصم الشيعي ويعانقة ويوقع معه الاتفاقات؟ ولماذا يقتل أهالي مخيم اليرموك على يد داعش ويقصف المدنيون في حلب ويهجر أهل درعا على يد النصرة ومن يدور في فلكها وتفجر السيارات المفخخة في ساحات حمص ويحاصر أهل دير الزور؟ كلّ هؤلاء ليسوا شيعة كما هو عنوان حرب السعودية والائتلاف الذي يردّد كلامها، فالحرب اليوم هي بين طرفين: الأول يخدم إسرائيل وأمنها على حساب أمنه والأمن العربي، والثاني مقاوم يدافع عن شعوب المنطقة بكلّ ألوانها وأطيافها وتاريخها المشترك.