مزاجية البشر والمدينة والشجر تتجسّد قصائد لونيّة في معرض محمد شرف

لمى نوّام

حينما يكون زاد الغربة فرشاة ألوان وقطعة قماش، يزداد الفنان إبداعاً مضافاً إلى فنّه، ليعكس عوالم دواخله التي تنساب بألوان جميلة، مشكّلة لوحة تتحدّث بلغة صامتة، سرعان ما يفهمها المتلقّي. هكذا هو الفنان التشكيليّ محمد شرف، الذي غاب لسبع سنوات عن الساحة التشكيلية اللبنانية، ليعود بقصائد لونية عن الناس والشجر والمدينة.

الفنان التشكيلي محمد شرف من مواليد عام 1955، متخرّج في أكاديميّة الفنون الجميلة في مدينة سان بطرسبورغ الروسية، أنهى دراسته عام 1989، وحصل على الدكتوراه في نظريات الفنّ المعماريّ وتاريخه. ثمّ عاش لعشر سنوات في فرنسا وإيطاليا، وأجرى دراسات معمّقة في الفن الجداريّ، ومارس الرسم الجداري. المعرض الأول له في لبنان كان في مدينة بعلبك عام 1989. وتضمّن أعمالاً رسمها في روسيا. أما معرضه الثاني فنظّمه عام 2002 في «دار الندوة»، واشترك بمعارض كثيرة في عدّة بلدان مثل روسيا وباريس وإيطاليا.

غلب الطابع التشخيصيّ على لوحاته، وهو فنّ قريب من الواقعية. ثمّ ارتحل في عالم الفن التجريدي لعشر سنوات تقريباً.

أما المعرض الحاليّ، الذي يقيمه في «دار الندوة» حتى السابع عشر من نيسان الجاري تحت عنوان «قصائد لونية للمدينة والناس والشجر»، فيضمّ 26 لوحة رسمت خلال ثلاث سنوات. سيطر عليها المناخ الشاعري والشعري.

افتتح المعرض يوم الجمعة الماضي، واستخدم شرف في الرسم الألوان الزيتية وأسّسها باستعماله مادّة الأكريليك. واعتبر شرف أنّ اللون هو انعكاس حالة شخصية، نفسية وخارجية.

يقول شرف في حديثه إلى «البناء»: «نحن نعيش في السنوات الثلاث الأخيرة، وضعاً غير طبيعي وغير مستقر في لبنان، وتأثّرنا بشكل غير مباشر بالأزمة السورية. في هذه السنوات سال دم كثير، هناك صرخة للواقع موجودة في أكثر من لوحة من لوحاتي، وهي محاولة الخروج من عالم قاسٍ متهدّم، عالم لا يرحم أحداً. إن رسمت بيوتاً فهي لا تعني لي البيوت، تعني لي الناس الذين يسكنون هذه البيوت. ثمّة لوحات فيها أشخاص باللون الأسود، وأقصد عبرهم أناساً مجهولين يعيشون في ضياع. رسمت أشخاصاً في أسفل اللوحة يمشيون إلى المجهول المبهم، واتجاههم غير معروف، ربما يتجهون نحونا أو في اتجاه آخر. وفي لوحة الزائر الليلي، الزائر الليلي هو إنسان بلا ملامح، ملامحه غير واضحة في الليل، لكن الليل يعني في اللوحة الغموض، وعدم استيعاب الواقع الذي نعيشه».

وأضاف شرف قائلاً: «انتفضت على الواقع في هذه اللوحات،. الطّيران في اللوحات فنّ سريالي. المقاطع في اللوحات تجريدية. الطبيعة والشجر فنّ انطباعي، والفن التعبيريّ موجود في جميع اللوحات».

وردّاً على سؤال حول عنوان المعرض أجاب: «الناس والشجر والمدينة، عناصر نراها أمامنا أنّى اتّجهنا. وهي عناصر مترابطة بالمشهد. رسمتها خلال فترات متباعدة، ومزاج متقلّب وروحيّة متغيّرة. لأن نفسية كل إنسان منّا، ناحية متبّدلة بين لحظة وأخرى».

وأكّد شرف أنّه في السنة الأخيرة قبل إتمام لوحات المعرض، شعر أن لديه هدوءاً واستقراراً نفسيين. تصالح في هذه السنة نوعاّ ما مع الواقع المرير الذي نعيشه في عالمنا، والذي لم نستطيع أن نغيّره. لذلك رسم ثماني لوحات تجسّد الطبيعة والشجر والهدوء. فكان هذا التناقض في المعرض بين الجنون والطيران والجرأة، وبين السكينة والهدوء والطبيعة.

وعن رأيه بالتشكيل اللبناني مقارنةً بالتشكيل العالمي قال شرف: «إنّ التشكيل اللبناني جيّد، لكنّه يفتقد إلى الاحتكاك بالتجربة العالمية الحديثة. كلمة الحداثة لا تنطبق على مدرسة معيّنة. الحداثة تنطبق على أكثر من مدرسة، ويمكن بأي عمل حتى إن كان تشخيصياً إلى حدّ ما، أن نجده حديثاً. الفنانون اللبنانيون موزّعون بين عدّة تيّارات. فمنهم من يحاول أن يصل إلى أسلوب شخصيّ يميّزهم عن باقي الفنانين التشكيليين».

وعن العريّ الواضح للمرأة في لوحاته يقول شرف: «في كل المدارس الفنيّة وفي أوروبا بشكل أساسيّ، يعتبَر رسم العريّ عادياً جداً، ويدخل ضمن الدراسة. لتعاملي مع العريّ معنى ثانياً وهو الإنسان المجرّد من كل ما يحمله من الخارج، كأنه عار أمام ذاته وأمام الآخرين. وهذا أيضاً يعكس نظرتي إلى العالم، آدم وحواء شعرا بالعريّ عندما ارتكبا الخطيئة وسترا نفسيهما بورق التين، أنا أعدت الانسان إلى طبيعته الكونيّة، وأبرز التعليقات التي سمعتها من زائري المعرض، كانت حول التبدّل في المزاجية، الواضح في اللوحات. وأعجبتهم هذه المزاجيّة لمعرفتهم أن لدى كل إنسان منّا مزاجية. في لوحاتي علاقة نفسية وذاتيّة، إنّما الألوان تعبّر عن الحالة النفسية وانتفاضة البشر على الواقع. في كل اللوحات نرى الإنسان والمدينة والشجر، وفي لوحة بعنوان ثنائي، نجد الانسان الذي ينظر إلى المدينة بتحسّر، وامرأة خلفه تنظر إلينا كأنها لا تريد أن ترى واقع المدينة وما يدور فيها. إنّ التعامل مع العريّ، تعامل فنّي تشكيليّ 100 في المئة».

المرأة في عين محمد شرف كائن روحيّ قبل أن تكون كائناً بيولوجياً. يرى في روحية المرأة وجمالها الخارجي، بصرف النظر عمّا وراء هذا الجمال، الروحية والجمال واللّطافة بعيداً عن النظرة الجنسية، على رغم أنّه جعلها عارية بشكل كامل في لوحاته. فهو يحبّ فيها التحرّر في الفكر المرتبط بمعايير معيّنة.

يرى شرف أن لدى المرأة مسحة حزن، وهذا ما جسّده في لوحاته باعتباره أن المرأة إنسان مباشر وكائن شعوري، تظهر أحاسيسها بشكل فوريّ، ويظهر حزنها بسرعة، على عكس الرجل الذي يكبت حزنه ومشاعره.

يحلم شرف بمتحف للفنّ التشكيليّ في لبنان، واعتبر أن إقامة متحفاً كهذا، تحتاج إلى قرار سياسي كي تعرضه وزارة الثقافة على مجلس الوزراء. وإذ أعرب عن تفاؤله، تمنّى على الدّولة اللبنانية أن تدعم الفنان التشكيليّ في لبنان مادياً ومعنوياً كي يستمر ويبدع أكثر.

وعن مشاريعه المستقبلية قال شرف: «ثمّة معرض في بداية الصيف، وهو معرض للفنانين البعلبكيين في مدينة الشمس. وثمة معارض مشتركة مع فنانين لبنانييّن وعالميين».

أسماء لوحاته المعروضة هي: «رحيل الأشجار»، «قوس قزح»، «رحيل الأشجار 2»، «رحيل الأشجار 3»، «بيروت من بعيد»، «قبل العاصفة»، «عين المريسة»، «مشهد بعلبكي»، «تفاحة ليليت»، «المسيح العربي»، «الكرسي»، «طيران فوق الخراب»، «تحية إلى ميكايل آنجلو»، «بورتريه عائلي»، «زائر ليلي»، «ثنائي»، «في الحديقة»، «على الشرفة، وجوه»، «جلسة منزلية»، «صورة عائلية»، «حنين»، «طبيعة صامتة 1»، «طبيعة صامتة 2»، «مرايا»، و«رومانسية».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى