«لدينا الكثير من نقاط القوة وبصمودنا نتجاوز الأزمات والمخاطر»

إنعام خرّوبيimage_0_1
لم يشأ رئيس تجمّع رجال الأعمال الدكتور فؤاد زمكحل التحدّث بتشاؤم عن الوضع الاقتصادي في لبنان، هذا البلد الذي تجاوزت نسبة البطالة فيه 21 في المئة، ويرزح تحت أزمة تثقل كاهله بعدد هائل من النازحين السوريين الذين لجأوا إلى لبنان مع تفاقم وتيرة الأحداث في سورية منذ العام 2011، ببنى تحتية معدومة ومعدّل نمو منخفض يتراوح بين واحد ونصف في المئة واثنين في المئة.

رغم الشغور الذي يتربّع على كرسي الرئاسة منذ عام تقريباً، وما تركه من انعكاسات على الثقة بلبنان واقتصاده، وقد أدّى إلى تراجع نسبة الاستثمار، ينظر رجل الأعمال الشاب بعين التفاؤل نحو دول الجوار والإقليم، ويستبشر خيراً بالتطورات الأخيرة، وخصوصاً الاتفاق النووي مع الغرب وما سيفتحه من مجالات للاستثمارات كانت صعبة في السابق بسبب العقوبات المفروضة على طهران، كما يأمل عودة السلام إلى ربوع سورية بعد سنوات من الحرب، نظراً إلى الدور الذي سيلعبه لبنان على صعيد إعادة الإعمار في سورية.

أمور كثيرة تناولها زمكحل من موقع الخبير والمراقب والمحلل والمتابع للوضع الاقتصادي، في حديثه لـ«البناء» والذي بدأه بلمحة عن التجمّع الذي تأسّس عام 1986، ويضمّ أعضاء من كافة القطاعات وكافة المناطق اللبنانية. وهو عبارة عن مجموعة من رجال وسيدات الأعمال لهم نظرة مشتركة حول الاقتصاد اللبناني.

وتطرّق إلى المرحلة التي ترأس خلالها التجمع مؤكداً أنّ همّه الأول هو «الانفتاح على رجال الأعمال في الخارج»، لافتاً إلى أنّ التجمع وقّع مؤخراً اتفاقية مع رجال الأعمال اللبنانيين الموجودين في فرنسا، وهو يتطلع إلى عقد اتفاقيات مماثلة مع عدد أكبر من الدول، وخصوصاً تلك التي تضمّ جاليات لبنانية كبيرة.

وأضاف: «بحثت مع السفير المكسيكي في موضوع توقيع اتفاقية مع رجال الأعمال اللبنانيين الموجودين في المكسيك، لأنّ هذا الانفتاح سينعكس إيجاباً وسيؤدّي التوسّع تجاه هذه البلدان إلى زيادة التبادل التجاري، وخصوصاً مع رجال الأعمال اللبنانييين الذين ينتمون إلى البيئة نفسها ونتشارك معهم اللغة نفسها، ما يسهّل أمور التعاون، ويؤدّي إلى مزيد من النمو».

مشاريع واقتراحات لتحريك الدورة الاقتصادية

وتحدّث زمكحل عن مجموعة من مشاريع القوانين والاقتراحات التي رُفعت إلى المعنيين من أجل تحريك الدورة الاقتصادية وخلق بيئة أفضل وأكثر أماناً للاستثمارات، وهذه المشاريع أصبحت في مجلس النواب وأهمّها «مشروع ضمان الشيخوخة الذي رفعه التجمّع إلى المعنيين منذ العام 93 لكنه للأسف لم يقرّ، الأمر الذي دفعنا إلى إعادة النظر فيه مع الهيئات الناظمة من مصرف لبنان والهيئات العمّالية وقد خرجنا بمشروع مشترك عام 2011 وما زال قيد البحث في اللجان النيابية التي نشارك في جلساتها، كتجمّع، لأننا وكما نهتمّ بأعمالنا وزيادة حجم استثماراتنا، نريد تحقيق أفضل مستوى من الخدمات الاجتماعية لموظفينا».

أما المشروع الآخر فهو مشروع الأسهم التفضيلية وهو يسمح بضخّ السيولة للشركات، وفي هذا السياق، لفت زمكحل «إلى أنّ مديونية القطاع الخاص وصلت عام 2014 إلى 55 مليار دولار أيّ ما يوازي 110 في المئة من الناتج المحلي، ما سيؤدّي بطبيعة الحال إلى تراجع في السيولة خلال الأعوام المقبلة، لأنّ الشركات تكون قد استخدمت كلّ الضمانات التي تمتلكها عبر المصارف، لذلك من الضروري السماح للشركات بإصدار الأسهم التفضيلية، كالمصارف، لأنها أي الشركات تستطيع بذلك تأمين المزيد من السيولة، وهذا القانون معمول به في كثير من بلدان العالم». وأضاف: «تقدّمنا بهذا المشروع إلى مجلس الوزراء أيام حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وتقوم اللجان النيابية المشتركة بدرسه حالياً».

وتابع زمكحل: «تقدّمنا أيضاً بمشروع يتعلق بالضمانات العينية للأموال المنقولة، أيّ استعمال الأصول غير الثابتة كضمانات، وقد قمنا بإعداد المشروع بمساعدة البنك الدولي، بالإضافة إلى مشروع آخر يتعلق بالإفلاسات، والذي يهدف إلى تكوين بيئة أعمال تحمي الشركات والمودعين في حالات الإفلاس. ونحن كتجمع رجال الأعمال اللبنانيين موجودون في كلّ اللجان النيابية الاقتصادية واللجان الوزارية، وهذا ما يسمح لنا بمدّ خط بين القطاعين العام والخاص، فللقطاعين مصلحة واحدة، قد تكون استراتيجياتنا وقدراتنا أو رؤيتنا للأمور مختلفة لكننا في النهاية نناقش نقاط الاختلاف ونتحاور للوصول إلى الاستراتيجية المناسبة. مثلاً في ما يتعلق بموضوع المرفأ، فإنّ الإجراءات الجمركية المتخذة هي مطلبنا منذ سنوات، ولكن ليس كما هو الوضع حالياً، أيّ وضع «الكونتينرز» على الخط الأحمر، وبالإمكانيات المحدودة نفسها. أما بالنسبة إلى حملة سلامة الغذاء فهي مهمّة جداً، ونحن من سيقوم بتطبيق هذا المشروع على المدى الطويل، نحن نؤيد هذه الحملات لكن بعد الاتفاق معنا كقطاع خاص على استراتيجية معيّنة على المدى الطويل والبعيد على مستوى القوانين والتشريعات».

اقتصاد المعرفة والأسواق الجديدة

وسط التطوّرات الهائلة التي نعيشها على مختلف الصعد، رأى زمكحل «أنّ لبنان لا يمكن أن يظلّ معتمداً على الاقتصاد التقليدي المبني على التجارة والصناعة والسياحة والخدمات فقط، بل يجب أن يتجه أيضاً نحو اقتصاد المعرفة»، منوّهاً «بدور مصرف لبنان الذي دعم في شكل كبير اقتصاد المعرفة، وخصوصاً من خلال المذكرة 331 التي سمحت للمصارف اللبنانية بأن تدخل لأول مرة برؤوس أموال الشركات مع توفير الحماية على الاستثمارات بقيمة 75 في المئة، ومن أجل حماية المصارف لم تسمح المذكرة لها بالدخول بأكثر من 10 في المئة من الموجودات، وهذا إنجاز يسجل لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة».

وبالنسبة إلى التطبيق، أوضح زمكحل «أنّ أكثرية المصارف التي لم تكن مهيأة أعطت هذه السيولة إلى صناديق دعم fund management أي أنّ شركات معينة هي التي تستقطب المشاريع، لذلك لاحظنا أنّ «بلوم بنك» و«بنك عودة» وقّعا مع شركات مثل Berytech وغيرها، أما البنك الوحيد الذي دخل في هذا المجال بطريقة مباشرة هو بنك «BLC» الذي اختار أن يكون متخصّصاً في هذا الابتكار».

أما بالنسبة إلى التبادل التجاري والانفتاح على أسواق جديدة في قارات العالم، فاعتبر زمكحل «أنّ التبادل التجاري مع الدول المجاورة مهمّ جداً، ويعزّز الروابط الثقافية والسياسية والاجتماعية مع هذه الدول»، إلا أنه، في المقابل، لفت إلى «أنّ ما يحدث في المنطقة وتأثر لبنان بما يجري في جواره وانعكاس ذلك على الاستثمارات، يستوجب انفتاحاً على أسواق أخرى، بالإضافة إلى الأسواق العربية». وقال: «نحن في التجمع نعمل للانفتاح على قارة أفريقيا حيث توجد جالية لبنانية كبيرة وناجحة وتكوّن 30 في المئة من الناتج المحلي في تلك المنطقة، فهناك استثمارات كبيرة وطلب على الاستثمارات وتبادل تجاري، كما نعمل من أجل الانفتاح على أميركا اللاتينية».

المخاطر والاستثمارات

ونبّه زمكحل إلى «أنّ المخاطر السيادية تتزايد في شكل كبير بسبب التطورات الأمنية والسياسية»، لافتاً إلى «أنّ الاستثمارات الخارجية عام 2010 بلغت 4.85 مليار، أما في العام 2014 فقد تراجعت إلى 2.5 مليار، أي أنها انخفضت بمعدل 50 في المئة، ورغم أنّ المخاطر بقيت هي نفسها لكنّ المردود على الاستثمار انخفض لأنّ الكلفة أصبحت مرتفعة وأصبح التصدير أصعب، وخصوصاً عن طريق البحر بعد أن تعذّر التصدير عبر سورية بسبب الوضع الأمني، لذلك يذهب رجال الأعمال اللبنانيون أو غيرهم إلى دول فيها المخاطر نفسها لكنّ مردود الاستثمار أعلى مثل: مصر ودول أفريقيا والعراق وغيرها».

ميركوسور

وفي إطار سياسة الانفتاح على أسواق أميركا اللاتينية، أكد زمكحل أنّ تجمع رجال الأعمال اللبنانيين لعب دوراً كبيراً في ضمّ لبنان إلى منظمة «ميركوسور»، لافتاً إلى أنّ هذا الانضمام «تحقق بفضل التآزر بين القطاعين العام والخاص، وقد فتح السوق اللبناني على سوق يتكوّن من 280 مليون نسمة، سوق كبير جداً يجب أن نستفيد منه، ويجب أن نحرص كرجال أعمال على أعلى معايير الجودة المطلوبة لتحقيق أفضل تبادل مع دول المنظمة».

الشركات الصغيرة والمتوسطة

وإذ اعتبر زمكحل «أنّ الشركات الصغيرة والمتوسطة هي المحرك الأساسي للاقتصاد»، شدّد على ضرورة مساعدة تلك الشركات «على الحصول على الأموال اللازمة وتمويلها في شكل مستمرّ وتقديم يد المساعدة لها للبقاء والاستمرار».

وقال: «قد تكون تلك الشركات أول من يدفع ثمن الأزمات، لكنها هي التي توظف وتكبر وتستثمر عندما ينتعش الاقتصاد، فاقتصاد المعرفة مبنيّ على هذا النوع من الشركات، لأنّ الشركات الكبيرة لديها حجم سيولة أكبر ولها منافذ في الخارج، وهي بدورها، تستعين بالشركات الصغيرة والمتوسطة. وبالنسبة إليّ، يجب الاهتمام أيضاً بالشركات الصغيرة جداً، أو ما يسمّى «MicroCompanies» التي تتألف من شخص أو اثنين أو ثلاثة فهي التي تبتكر الأفكار في هذا الجو من الركود وتستطيع أن تتطوّر وتتحوّل إلى شركات صغيرة أو متوسطة. يجب الاهتمام أيضاً، بتلك الشركات عبر إعطائها حوافز ضريبية لتشجيعها على الابتكار والإنتاج».

الشغور والوضع الاقتصادي

ووصف زمكحل الواقع الحالي بأنه «الأصعب في تاريخ لبنان الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والأمني»، موضحاً «أنّ لبنان مرّ في السابق بحروب، لكنّ كلّ المنطقة حوله كانت نامية فكان هناك ضخّ سيولة وكان الدين العام أقلّ بكثير»، مشيراً إلى «أنّ العدد الكبير من النازحين السوريين المتواجدين على الأراضي اللبنانية، هو أكبر مشكلة اقتصادية يواجهها لبنان على المديين المتوسط والبعيد، لأنّ لبنان لا يمتلك الإمكانيات لاستيعاب هذا العدد الهائل، بوضعه الحالي وبناه التحتية المعدومة».

وأضاف: «إذا عدنا إلى العام 2014 لتقييم الوضع الاقتصادي، فإنّه ينقسم إلى شقين: الأول ركود واستمرارية لمشاكل وأزمات العام 2013، أما الشق الثاني فكان أصعب بكثير لأننا عشنا فراغاً رئاسياً كان له التأثير المباشر على الاستثمارات. فالفراغ الرئاسي يضرب المصداقية الاقتصادية، يجب أن يشعر المستثمر بالأمان على مشاريعه واستثماراته في بلد يحترم استحقاقاته الدستورية. بالإضافة إلى كلّ هذه العوامل، فقد تحوّلنا عام 2014 من اقتصاد غير مستقرّ، إلى ما يسمّى اقتصاد الحروب، بسبب الحوادث والمخاطر الأمنية وخصوصاً على الحدود، وبعد أن كانت ثقة المستهلك والمستثمر 90 نقطة عام 2010 فقد تراجعت حتى بلغت 30 نقطة عام 2014، أي بتراجع نسبته 60 في المئة، وهذا أمر مثير للقلق. لكن، من جهة أخرى، فإنّ أهمّ ما حصل عام 2014 هو التوافق السياسي على وضع خطة أمنية وعلى دعم الجيش والقوى الأمنية ما أدّى إلى استعادة نسبة من الثقة. وكما استطاع السياسيون التوافق على خطة أمنية عسكرية، نأمل أن يتفقوا على خطة إنقاذية اقتصادية».

وبالنسبة إلى العام 2015، أشار زمكحل إلى «أنّ الأرقام لا تبشر بالخير، فالأشهر الثلاثة الأولى من العام كانت بمنتهى الصعوبة، واليوم وصلت نسبة البطالة في لبنان إلى 21 في المئة، ونسبة النمو بين 1 ونصف في المئة و2 في المئة، وهو رقم مخيف». واعتبر أنّ «من الخطأ مقارنة معدل النمو في لبنان مع معدلات في دول أوروبا أو الصين مثلاً، فالاقتصاد في تلك الدول متكامل، أما لبنان فيجب أن يكون معدل النمو فيه 4 أو 5 في المئة لأنه اقتصاد نام، ومع هذا المعدل المنخفض للنمو فإننا لن نتمكن من الاستثمار، كما يجب، ولا في تأمين المزيد من فرص العمل».

وأضاف: «حسب أرقام البنك الدولي، فإنّ فرص العمل المتوفرة في لبنان سنوياً هي في حدود 3500 فرصة عمل، بينما نحتاج إلى 20 ألف فرصة عمل 6 أضعاف الفرص المتوفرة ، فهذا ليس رقماً بسيطاً، وإذا ضاعفنا عدد الموظفين سنبقى في حاجة إلى 15 ألف فرصة عمل. فكيف سنستطيع تأمين العمل للشباب الذين يتخرّجون سنوياً من الجامعات»؟

حروب المنطقة وتداعياتها

وأكد زمكحل أنّ الحروب التي تشهدها المنطقة ستكلّف لبنان كثيراً على المستوى الاقتصادي، وبعيداً عن السياسة التي لا شأن لنا بها، لا بدّ من الانتباه إلى أنّ الدول المعنية بهذه الحروب سورية، العراق، السعودية ودول الخليج هي شريك اقتصادي أساسي للبنان، لذلك سيتأثر بطريقة أو بأخرى بتداعياتها، داعياً، في الوقت نفسه إلى الاقتداء «بتجربة مصر التي استضافت مؤتمراً اقتصادياً هائلاً جذب استثمارات بمبالغ ضخمة إلى البلاد، رغم الأزمات السياسية والأمنية التي تمرّ بها».

كما أشار إلى «أنّ الاتفاق النووي الإيراني ستكون له تداعيات على المنطقة، وستكون إيران أرضاً خصبة للاستثمارات، أما بالنسبة إلى سورية، فإذا تمّ التوصل إلى حلّ لإنهاء الأزمة، فإنّ كلفة إعادة الإعمار فيها ستفوق 250 مليار دولار، وسيكون للبنان دور مهمّ جداً على هذا الصعيد».

وختم: «علينا الصمود في وجه التحدّيات، فلدينا الكثير من نقاط القوة، وبصمودنا نتجاوز الأزمات والمخاطر».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى