معادلة اليمن المقبلة: الدولة القِطرية الخليجية… مقابل اجتثاث الإرهاب

حسن شقير

لعله من المفيد التمعن قليلاً بذاك الخطاب الأخير لمرشد الثورة الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي، وذلك في معرض تعليقه على ملفي الساعة في الساحة الدولية، وهما الملف النووي الإيراني، وتطورات الأوضاع في اليمن، وحرب «عاصفة الحزم» عليه…

الراصد لذاك الخطاب، يمكنه أن يتلمّس ببساطة تلك النبرة العالية السقف لأعلى سلطة في إيران حول هذين الملفين، واللذين يرتبطان ببعضهما البعض، لناحيتي النتائج والتداعيات على حدّ سواء…

بعيداً عن التكتيك التفاوضي الطبيعي للشقّ الأول من ذاك الخطاب حول الموضوع النووي، وذلك حفاظاً على خط الرجعة الإيراني، فضلاً عن بعث رسائل إيرانية إلى أميركا، مفادها أنّ محاولاتها لتقديم تفسيراتها الخاصة لما تمّ التفاهم حوله في لوزان، سيقابله في هذه الفترة الفاصلة، عدم مراهنة إيرانية على ما تمّ الوصول إليه لغاية الآن، وأنّ أوهام أميركا في جعل هذه الفترة الفاصلة ما بين نيسان وحزيران، ولن تكون أبداً، مرحلة بناء الأحلام الوردية الإيرانية، والتي قد تتبخر وتنعكس سلباً على الشعب الإيراني… وبالتالي، فإذا نحّينا هذا الشق جانباً، ورصدنا الإشارات الصادرة من ذاك الخطاب بشقه اليمني، والذي كان قاسياً ومباشراً على المملكة العربية السعودية… الأمر الذي يُحتّم طرح التساؤلات الثلاث التالية:

– لماذا تتيقن إيران بأنّ السعودية مهزومة في اليمن؟ وما هو شعاع هزيمتها بالتحديد؟

– ما الذي تترقبه إيران في الآتي من الأيام؟

– ساعتئذٍ، ما هو الثمن المعقول والمقبول إيرانياً مقابل الملف اليمني؟

في محاولة الإجابة على التساؤل الأول، فإنّ المنطق التحليلي يفترض أن يقودنا إلى نتيجة مفادها، أنّ إيران تُرسل رسالة إلى كلّ من يعنيهم الأمر في التحالف العشري، وإلى من خلفه بشكل أولي، بأنها تنام على حرير النصر اليمني، نظراً إلى ما تدركه من إمكانات بشرية ولوجستية، موجودة في اليمن، تؤهّل «أنصار الله» والجيش اليمني، وحلفاءهم في اليمن، للانتصار في معارك الصمود والتصدّي والدفاع، وربما لاحقاً في الهجوم، لو اضطرّهم الأمر إلى ذلك…

لا أعتقد مطلقاً أنّ السيد خامنئي كان يقصد حصراْ الهزيمة السعودية أو العشرية على التراب اليمني، وذلك من خلال منع هؤلاء من تحقيق أول أهدافهم، في جعل عدن، أو حتى أية بقعة يمنية أخرى، موطئ قدم لهادي ومن يحالفه، ليكون منطلقاً للتمدّد تحت غطاء التحالف، أو حتى مكاناً للاحتراب والاستنزاف، بالتالي حصر اللهيب اليمني في الداخل، وفتح بؤرة استنزاف جديدة لإيران في المنطقة… هذا كله مفروغ منه لدى إيران، إنما الأمر يتعدّى ذلك بكثير في بُعد الهزيمة التي تحدّث عنها، وذلك لناحية منع السعودية من جعل اليمن منطلقاً لتعويم دورها المفقود، والتي تبحث عنه عند كلّ استحقاق إقليمي، وهذا تمثل بداية في التراجعات الباكستانية والتركية وحتى المصرية عن الوعود بالهجوم، إلى التعهّد بالدفاع، والبحث عن مخارج سلمية للأزمة… هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإنّ الهزيمة الثانية المتوقعة إيرانياً للسعودية، ستكون شبيهة بهزيمتي معركتي الغوطتين وريف اللاذقية الشهيرتين في سورية، حيث كان من أول نتائجهما، تنحية السعودية عن مسكها بالملف السوري لصالح تركيا وقطر… وبالتالي فإنّ فشل الوعود السعودية لأميركا في اليمن، بجعل هذا الأخير يتربّع بين حدّي الالتحاق بالسياسة الأميركية أو الوقوع في براثن الاستنزاف المديد… سيكون من نتائجه حتماً إخراج الملف اليمني من أيدي السعودية، وإعادته إلى الحضن الأميركي، والذي سيبحث عن البديل الممكن لذاك الوكيل… ومن هنا نطلّ على التساؤل الثاني…

لا شك أنّ الرهان الإيراني في الآتي من أيام اليمن، بأنّ الخطوة التي تلي فشل السعودية في مخطط استنزاف إيران في اليمن، سيتمثل في وصول «عاصفة الحزم» إلى الحائط المسدود، فإما توقفها من جانب واحد، وإما قبول السعودية بالحوار اليمني ضمن الميدان الحالي، وهذان الخياران سيعدّان فشلاً ذريعاً لأهداف العاصفة، وإما الإيغال أكثر فأكثر في سفك الدم اليمني، والذي سيجعل من إطلالة السيد الحوثي، أمراً مفروغاً منه، وما لذلك من معنى ودلالات في مسارات الصراع والحرب الجارية حالياً على اليمن… وما سيترتب على ذلك التحوّل الجديد من أثرٍ جيوسياسي كبير جداً، تتخطى حدوده وأبعاده اليمن والخليج برمّته، إلى المنطقة بأسرها… فكيف ذلك؟

إنّ وصول حرب اليمن إلى مرحلة الردّ اليمني، سيجعل من الصراع منزاحاً من الجغرافيا اليمنية نحو السعودية بحدّه الأدنى، وبالتالي فإنّ تطوّر الأوضاع في المملكة العربية السعودية، سيصبح غير مدرك النتائج على الأوضاع الداخلية فيها، الأمر الذي قد يطفو معه على سطح الأزمة، لاعبون جدد، كانوا حتى الأمس القريب أشبه بالخلايا النائمة، وهذا ما حذّر منه أوباما في الأمس القريب، حول «سخط الشباب الخليجي» على سياسات حكامه، وكأنه يحذرهم من قنبلة موقوتة، ما يلبث صاعقها أن يُنتزع، وقد يكون الردّ اليمني العامل الرئيس في ذلك…

وهذا الأمر ماذا يعني؟ هل يمكن أن تدخل المملكة في عصر الاحتراب الداخلي على خلفية الملف اليمني؟ وهل يمكن أن يؤدّي هذ الاحتراب إلى استنزاف معكوس هذه المرّة؟ وهل أنّ الدول الخليجية الأخرى ستصيبها العدوى؟ وهل يناسب أميركا وأوروبا أن يحدث تفكك للدول القِطرية في الخليج مع أهميتها الاستراتيجية في النظام العالمي الجديد؟ وهل أنّ المخطط الصهيو ـ أميركي لتفتيت الدول العربية غير الخليجية، ينسحب على تلك الخليجية؟

لعلّ حديث أوباما، بالأمس القريب، حول دعوة قادة الدول الخليجية إلى الاجتماع به في «كامب ديفيد» لاحقاً، وطمأنتهم بشأن «أمنهم القومي مقابل التهديد الإيراني»، ونصحه لهم بتصحيح المسار السياسي الداخلي لديهم… يشير بوضوح إلى حرص أميركا وكذا أوروبا ومن خلفهم الكيان الصهيوني على الدولة القِطرية الخليجية بحلتها الحالية، ودون أية تعديل عليها… وذلك لأنّ المصالح الاستراتيجية العليا لهؤلاء تفرض عليهم ذلك، لأسباب جمة، لا تنحصر عند احتياطات النفط العالمية، والقواعد العسكرية الأميركية والغربية في الخليج… وصولاً إلى الأمن الصهيوني وربطه بالأمن الخليجي، فضلاً عن المصالح الاقتصادية الكبرى في العالم…

إذاً، هل أنّ حدوث ذاك التحوّل في مسار الحرب على اليمن، سيفرض تدخل اللاعبين الدوليين الكبار، لمنع حدوث شروخ عميقة في النظام الدولي برمته؟

هذا بحدّ ذاته، يدفعنا إلى تلمّس الإجابة عن التساؤل الثالث…

بالأمس القريب، وقبيل نهاية إطلالته الإعلامية الأخيرة، ختم السيد حسن نصرالله، وذلك في معرض تقييمه لمآلات الحرب على اليمن، بأنه «لا يرى في اليمن، إلا ّباباً من أبواب الفرج للمنطقة بأكملها»؟ إنه باعتقادي، ملف الإرهاب، وضرورة اجتثاثه من المنطقة بأسرها، وخصوصاً من العراق وسورية، وضرورة تكامل النظرة الإيرانية – الأميركية في العمل على تسريع اقتلاعه منها، وإلزام أمبركا بحصول ذلك جدياً، وعدم البقاء في اللعب على وتر الاستنزاف المديد لمحور الممانعة في مواجهته للإرهاب، وهذا الأمر كان لا يزال حتى الأمس القريب – في كلام وزير الدفاع الأميركي كارتر أشتون، استراتيجيةً أميركية أساسية في المنطقة برمّتها…

خلاصة القول، إذا ما بدأ الردّ اليمني على العدوان، فإنّ ذلك قد يُدخل المملكة السعودية في نفق مظلم من التطورات المحسوبة وغير المحسوبة، والتي سرعان ما ستنتقل بالعدوى إلى معظم الدول الخليجية الأخرى، الأمر الذي سيشكل خطراً جدياً على الدولة القِطرية الخليجية بوضعيتها الحالية، والتي إنْ استفحلت، ستؤدّي إلى مشهدٍ من الاحتراب داخل هذه الدولة، مما سيجعل من تكلفة التسوية، لمن بيدهم الحلّ والربط في الخليج، أكثر كلفة عليهم من أيّ وقتٍ سابق، ولربما يصبح اليمن، وإيجاد التسوية للحرب عليه – وبفعل تسارع التطورات فيه ومن حوله – مدخلاً لمعادلة جديدة في المنطقة برمّتها، عنوانها الرئيس: تكاملٌ في اجتثاث الإرهاب من المنطقة، يقابله عودةٌ بالدولة القطرية الخليجية إلى سابق عهدها… أم أنّ السيف اليمني سيسبق العدل في مشهدية المنطقة برمّتها؟

باحث وكاتب سياسي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى