هل سيكون حلّ الأزمة اليمنية من مسقط ؟
جمال الكندي
تصدرت سلطنة عمان المشهد السياسي العربي، من بوابة الحكمة والعقلانية في طرح الحلول، والتي دائماً تقف فيها على مسافة واحدة من جميع الفرقاء، فهي معروفة برزانة العقل الديبلوماسي وتبتعد عن زجّ عنتريات الكلام من ضمن أدبياتها السياسية.
لو رجعنا قليلاً إلى الوراء، للاحظنا دور عُمان البارز في تقريب وجهات النظر بين أفرقاء المفاوضات النووية، إذ لجأ الغرب إليها لاستضافة مفاوضات سرية على مدار ستة أشهر، وهذا ما يدلّ على ما تحظى به السلطنة من احترام وقبول لدى الأطراف المتنازعة حول هذا الملف.
هذه هي السياسة الحكيمة التي أرسى دعائمها السلطان قابوس، ومن أهم مبادئها عدم التدخل في شؤون الدول واحترام سيادتها التي هي سياج يمنع التدخل في شؤنها الخاصة، وفق توصيف الأمم المتحدة للدول المنضوية تحت مظلتها. من هنا تنطلق السياسة العمانية الخارجية نحو حلّ جميع النزاعات في المنطقة بطرق سياسية سلمية وبالمفاوضات مع جميع الأطراف المتنازعة، بوقوفها على مسافة واحدة من الجميع، وعدم التلويح باستخدام القوة العسكرية التي هي في العرف السياسي العماني للدفاع عن الوطن من أي معتد مهما كان جنسه.
إنّ نجاح مفاوضات لوزان كان من بوابة عمان، فهي التي قربت وجهات النظر وأزالت عامل الخوف والريبة في الأزمة النووية بين فرقائها وأعادت القاطرة إلى مسارها الصحيح ، فكانت من أهم العوامل التي أدت إلى نجاح مفاوضات لوزان والتي لم تعجب الدول التي تتعطش إلى سفك الدماء، وليتها تتعلم من عمان الحنكة وبعد النظر.
أطلّ على أحدى وسائل الإعلام العمانية مؤخراً وزير الشؤون الخارجية للسلطنة يوسف بن علوي، فتحدث بالديبلوماسية العمانية المعهودة والمشهود لها بالتأني في قياس الأمور، وعدم استخدام ألفاظ التهديد والوعيد كغيرها من الدول الخليجية، فوضع النقاط على الحروف وشرح أسباب عدم مشاركة بلاده في الحملة الهمجية على اليمن، مؤكداً أنّ سلطنة عمان لا تريد أن يذكر التاريخ، والتاريخ لا يرحم أنها شاركت في تدمير اليمن وقتلت الأطفال والنساء والشيوخ الأبرياء، بذريعة إعادة شرعية أو أمن أقليمي وهمي لا يوجد إلا في مخيلة من قاد هذا الحلف.
وقال بن علوي: «نحن لم نشارك في هذه الحملة لأننا من دعاة السلام والسلم في العالم وإنّ الأزمات بين الدول لا تحلّ إلا بمفاوضات، وسلطنة عمان تنطلق من ثوابتها في التعامل من جيرانها على أساس عدم التدخل في الشؤون الداخلية، وكذلك رفض تدخل أي دولة مهما كانت في شؤنها».
انّ استقلال عمان في قرارها السياسي نابع من كونها دولة لها تاريخ حافل وحضارة كبيرة في المنطقة، فعمان موجودة قبل وجودة بعض الإمارات في الخليج التي أصبحت اليوم دولاً تتصدر أوامر الحرب، وزعزعة الأنظمة السياسية للدول العربية مثل سورية وليبيا والعراق واليمن، بنفوذها المالي والذي للأسف يجرّ دولاً عربية ذات ثقل ووزن في التاريخ العربي، ويجعلها مرهونة القرار السياسي للخليج بالمال.
يدرك المراقب للشأن الخليجي أنّ سلطنة عمان تقف دائماً بعيداً من الأزمات العربية التي يكون للمال الخليجي دور في إشعال لهيب نارها، فالكلّ يعلم أنّ سبب تحول الأزمة السورية من أزمة إصلاح إلى صراع مسلح هو الدعم المالي الخليجي للمسلحين الإرهابيين على اختلاف التنظيمات التي ينتمون إليها، من «جبهة النصرة» و»الجيش الإسلامي»، و»الجيش الحر»، و«أحرار الشام»، و«داعش» وغيرها.
هي قراءة خاطئة تبنتها بعض الدول الخليجية فجرت على الشعب السوري ويلات سيبقى أثرها لعشرات السنين، وفي المقابل نرى عمان بعيدة كلّ البعد من تأيد هذه الجماعات المتناحرة في ما بينها قبل أن تقاتل الجيش السوري. فعمان تدرك أنّ دعم هذه الجماعات لا يغير في الميدان شيئاً، بل يزيد من لهيب هذه الأزمة ويطيل عمرها، وفي النهاية فإنّ الحلّ السياسي هو الذي لا بد أن يتصدر المشهد السوري وهو الذي نراه اليوم واقعاً تعترف به قوى عالمية كانت تقف جنباً إلى جنب مع المسلحين ضدّ الدولة السورية، وهي اليوم تنادي بالحلّ السياسي بعد أن وصلت نار المجموعات الإرهابية إلى عقر دارها.
لم تشارك سلطنة عمان مع بقية دول الخليج في عاصفة الحزم، بفضل حكمة السلطان قابوس الذي يدرك أنّ الأمن الخليجي لا يستدعي شنّ حرب يقال أنها لإرجاع شرعية سلبت، لتبرير عدوان غاشم لا يميز بين مدني وعسكري. من هذا المنطلق نأت سلطنة عمان بنفسها عن الدخول في حرب عبثية، وسيحاسب التاريخ كل من حرض على إسالة قطرة دم بريئة في اليمن، فسلطنة عمان تخضع لأي إملاءات مهما كانت، وقاعدتها الذهبية التي أكسبتها حيزاً كبيراً من احترام الدول هي عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد، إلا لإطفاء النيران الي تسببها دول أخرى.
أدرك من ساعد على شنّ هذه الحرب ضدّ اليمن، أن لا مناص من إيجاد حلّ سلمي ينقذ اليمن ودول المنطقة من تداعياتها المدمرة على المجتمع اليمني والخليجي والعربي، وكما أدارت عمان المفاوضات السرية بين إيران ومجموعة الخمسة زائداً واحداً، فكانت نتائجها اتفاق لوزان، سيأتي الحلّ من مسقط مرة أخرى وسينتصر منطق العقل والحكمة، وكما يقال، وليعذرني اليمنيون، إنّ الحكمة اليمنية في حاجة إلى الحكمة العمانية لإنقاذ اليمن، نظراً إلى الروابط التاريخية الوثيقة التي تربط البلدين على المستويات كافة، ومن مصلحة عمان أن تنطفئ نار هذه الحرب وهذا ما سوف نشهده في الأيام المقبلة.
ستكون مسقط قبلة الفرقاء السياسين اليمنيين، وتحلّ هذه الأزمة سلمياً ويحقن الدم اليمني الذي يسيل منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، ولا يوجد من ينادي نداء العقل والحكمة للجم هذا العدوان وإيقافه والدعوة إلى لقاء يضم الشرائح السياسية اليمينة المعنية بإنقاذ اليمن، إن كان أمر اليمن يعنيها، وإن حركتها مشاهد أشلاء الأطفال والنساء والشيوخ، لتغليب مصلحة اليمن واستقرارها على المصالح الحزبية الضيقة التي تراعي المحرك الخارجي الذي لا يهمه شي في اليمن، ولو تمّ تدمير كل شي فيه. فهل سنشهد ذلك الاتفاق في مسقط واقعاً ملموساً؟