الحرب على اليمن على رادار «الفوضى الخلاّقة» بفعل كارل روف 1/2
محمد احمد الروسان
الكارل روف هذا ومعه ثلّة من أمراء ليل، مخ بوش الابن وجنيّ البيت الأبيض، وأحد أهمّ مهندسي حروب القرن الحادي والعشرين، وعلى رأسها حرب العراق واحتلاله، والتي خطط لها لتصل إلى سورية الدولة والشعب والنسق السياسي والجغرافيا، وإلى باقي الساحات العربية الضعيفة والقوية، ومهندس وصول بوش الابن إلى البيت الأبيض في ولايتيه، وتقول المعلومات إنّه يعدّ ومنذ سنوات لوصول جيب بوش الأخ الشقيق لبوش الابن إلى البيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة عن الحزب الجمهوري، كون جيب بوش مرشح رئاسة الضرورة لاستكمال مشاريع «الفوضى الخلاّقة»، وهي في الحقيقة «فوضى البناء» لبنة لبنة وبالمعنى الآخر.
كارل روف يسعى إلى غبي آخر من عائلة بوش ليكون رئيساً وبمساعدة البلدربيرغ الأميركي الغبي الأول بوش الابن ، فالإمبراطورية الأميركية، هي إمبراطورية الجمهوريين المحافظين الجدد، الذين يعتبرون الخطاب الديني ركيزة لأجل ضمان أمن أميركا ورفاهية شعوبها، من خلال ما يشبه المصالحة مع اليهود.
السياسة الأميركية تقوم على سياسة الأخطاء نفسها، بعبارة أخرى يقول الروف هذا: نحن إمبراطورية الآن، وعندما نقوم بأيّ شيء فإننا نخلق واقعنا الخاص، وفيما يواصل الإعلام والمفكرون والباحثون دراسة ذلك، سنقوم بشيء آخر مجدّداً لنخلق أشكالاً جديدة أخرى من الواقع، وسيكون في إمكان الجميع دراستها أيضاً، وبهذا الشكل سوف تترتب الأمور، فالتاريخ يصنعه صانعو الحروب، أمّا كلّ ما يفعله الآخر من مراكز الدراسات والبحوث وحتّى في أجهزة المخابرات، هو دراسة ما نفعله نحن بعمق.
لمّا كانت القارة السوداء بمجملها تشكل العمق الاستراتيجي العربي والإسلامي أو قل الجبهة و/أو الحديقة الخلفية لعالمينا العربي والإسلامي معاً، ظلّت القارة الأفريقية في دائرة الاهتمام للاستراتيجية الإسرائيلية الصهيونية وديبلوماسيتها المزدوجة، منذ وجود هذا الكيان العبري السرطاني، الذي لا يقرّ بحدود لدولته ولا لأطماعه، ويسعى إلى التوسع اقتصادياً مثال: مشروع قناة البحرين الثلاثي الذي تمّ توقيعه مؤخراً، ومشروع تصدير الغاز «الإسرائيلي» من سواحل المتوسط إلى شركة البوتاس العربية على الجانب الأردني من البحر الميت كما صرّح وأفاد عوديد عيران السفير الصهيوني الأسبق في عمّان لتذويب الصراع العربي ـ «الإسرائيلي» بعد أن تمّ وقف توسعه الجغرافي الى حدّ ما، عبر ما تسمّى بـ«معاهدات السلام» العربية معه، إنْ عبر مصر، وإنْ عبر عمّان، وإنْ عبر منظمة التحرير الفلسطينية، مع التسليم برفضها شعبويّاً ومن جانب كاتب هذه السطور.
وعلى ساحاتها وميادينها للقارة السوداء، إنْ لجهة القوي منها، وإنْ لجهة الضعيف أيضاً، تشكل ويتشكل بعمق متجدّد الصراع العبري الإسرائيلي الصهيوني مع إيران وحزب الله دائماً وأبداً، والصراع العميق بين البلدربيرغ في الداخل والخارج، مع النواة الصلبة في بكين ومثيلتها في الفيديرالية الروسية، وتصارع فرنسا عبر مجموعات دول الفرنكوفونية مع كلّ تلك القوى رغم ضعفها، باعتبار أفريقيا مناطق نفوذ فرنسي قديمة تعود الى حقبة الاستعمار.
لقد أسفر المخاض العالمي المضطرب آنذاك في 15 أيار عام 1948 عن ولادة قيصرية لهذا الكيان العبري في وسط المنطقة العربية، ولم تكن هذه الولادة مفاجأة بل سبقتها فترة حمل طويل حقيقي عانت وما زالت المنطقة بأسرها من ويلاتها ومن المؤامرات التي أحاطت بها، فتمّ زرع هذا الكيان في قلب العالم العربي بدعم ومباركة من الدول الغربية، وفي غيبة الوعي والإرادة العربية آنذاك، فعجزت جيوش الدول العربية مجتمعةً عن اقتلاع هذا الوباء من الجسد العربي المتهالك، ومنذ ذلك الوقت والمنطقة تعجّ بالصراعات بين هذا الكيان السرطاني البغيض من جهة، وبين دول عربية جريحة، وما زالت ساحات سياسية وعسكرية وأمنية واقتصادية ضعيفة، وتمثلت جهودها أي الدول العربية الجريحة فقط في محاولات عروبية على حصاره ومنع انتشاره والحيلولة دون توغله في الجسد العربي ولم تفلح.
مقابل ذلك تجهد الدولة العبرية وبشكل دؤوب لكسر هذا الحصار والعمل على النفاذ داخله تارةً، والالتفاف حوله تارةً أخرى، وها هي «إسرائيل» الصهيونية الطارئة على كلّ شيء، تجد متنفّسها الآخر في القارة الأفريقية فهي ميدان سياسي واقتصادي وعسكري واستخباري رحب، نحو تحقيق أهدافها في الالتفاف حول الطوق الذي فُرض عليها إلى حدّ ما من الدول العربية سابقاً.
لقد كانت ما تسمّى بعملية التسوية السياسية السلمية في مؤتمر مدريد عام 1991، قد أدّت إلى تأمين هذا الكيان العبري بالمعنى العضوي والسياسي، بالتالي أمّن ذلك لهذا الكيان تنفيذ استراتيجيته في القارة السوداء، لملء الفراغ الذي خلّفه العرب بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر.
أذكر أنّه قبل سنوات مما يُسمّى بالربيع العربي، وبمبادرة من الجانب الأردني، عقد الملك عبدالله الثاني والرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح والرئيس المصري السابق حسني مبارك، اجتماعاً ثلاثياً في العقبة في نهاية عطلة عيد الأضحى آنذاك، لبحث موضوع القرصنة في مياه البحر الأحمر والقرن الأفريقي، والدور العربي والوجود المرجو في مياه البحر الأحمر وعلى سواحله، وبحضور الراحلين عمر سليمان مدير المخابرات المصرية، والمشير سعد خير مدير وكالة الأمن الوطني، وسميح عصفورة مدير الاستخبارات الأردنية، ومدير المخابرات اليمني في عهد صالح لا أتذكر اسمه الآن، وبحضور خبراء من الأطراف الثلاثة مسنّدة بالمعلومات والخرائط، حيث صرفت الجهود وساعات عمل ولجان كثيرة.
وبعيداً عن سياسات تدوير الزوايا، الغريب في هذه المسألة أيضاً، أنّه لم يتمّ البناء على ما بدأه الملك عبدالله الثاني بعد وفاة والده الملك الحسين، لا من الجانب الأردني ولا المصري ولا اليمني، وكأنّنا بلا أفق سياسي استراتيجي، ولا نفكّر أبعد من أرنبة أنوفنا بعكس عدونا «الإسرائيلي» الصهيوني الاستراتيجي.
الصورة تتغيّر وبسرعة الآن لغير صالح العرب والمسلمين، حيث بدأت حكومة هذا الكيان السرطاني تتسلّل تدريجياً وبقوّة إلى أفريقيا، عبر التعاون الأمني والفني مع بعض دول القارة، أو من خلال الروابط التجارية والاقتصادية، والعدوان العربي على اليمن يأتي ضمن هذه السياقات حيث كلمة السرّ فيه مضيق باب المندب.
في المعلومات، جميع رؤساء أجهزة مجتمع الاستخبارات الصهيوني، قاموا بزيارات بعضها معلن والكثير منها سريّ الى القارة الأفريقية تركز على دول محدّدة ومعينة دون غيرها في القارة السوداء، تلك الدول التي تتميّز بروابطها التاريخية والتجارية والاقتصادية والأمنية الاستخبارية، مما يطرح بعض التساؤلات من طبيعة نوايا الديبلوماسية «الإسرائيلية» الصهيونية لاحقاً نحو أفريقيا على شاكلة التساؤل التالي:
هل التركيز العبري الصهيوني سيكون على تلك الدول ذات العلاقات القويّة مع تل أبيب؟! أم استخدام وتوظيف وتوليف هذه الدول في سياق قواعد شاملة بما فيها الاستخباري الأمني، تتيح لتل أبيب توسيع علاقاتها الأفريقية لمنافسة دور إيران الصاعد في أفريقيا ومن خلفه أدوار شاملة لحزب الله اللبناني، والدور الصيني العميق ومن خلفه أو أمامه أدوار روسية تطوّر وتبني على الموجود وتسعى إلى الاستراتيجي الأوسع؟!
تعتبر كينيا الأفريقية، الدولة التي تستضيف أكبر وأهمّ قاعدة استخبارية للموساد «الإسرائيلي»، حيث العلاقات الكينية «الإسرائيلية» متنوّعة ومتميّزة تجارياً واقتصادياً بسبب الروابط التجارية والاقتصادية بين «إسرائيل» والشركات اليهودية العالمية الناشطة في تجارة التبغ والبن والشاي من جهة، وكينيا من جهة أخرى، أضف إلى ذلك توجهات مجلس الكنائس الكيني الداعم للمسيحية الصهيونية. أمّا إثيوبيا فحدّث ولا حرج، فهي تمثل الحليف الاستراتيجي لـ«إسرائيل» وواشنطن في القرن الأفريقي، إذا ما استثنينا فترة حكم الرئيس الماركسي مانغستو هيلا مريام فقط، في حين تمتاز العلاقات التركية الإثيوبية بالتطوّر النوعي في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاستخباراتية، ولنا في قصة وموضوع سدّ النهضة على منابع النيل مؤشرات سيناريوات الصراع التركي ـ المصري الآن، واستغرب وأتعجب كيف تمّ التوقيع مؤخراً من قبل الرئيس السيسي، على اتفاق إعلان مبادئ بخصوص سدّ النهضة الذي تبنيه إثيوبيا، حيث تلك التفاهمات لها أثر خطير وكبير على الأمن القومي المصري بشقه المائي، وبالتالي على العربي، فهل هو توقيع اتفاق الضرورة لغايات الناتو العربي في حربه العدوانية على اليمن الآن؟ وقبله تمّ رفع حركة حماس بقرار قضائي عن قائمة المنظمات الإرهابية، فهل ذلك إرضاءً مثلاً للشركاء الجدد، تركيا وقطر؟ فحصّة مصر من مياه النيل هي 55 مليار متر مكعب بحسب اتفاقية 1929، فهل ستلتزم إثيوبيا في ملء سدّ النهضة بالماء سنوياً حيث يحتاج إلى 63 مليار متر مكعب وأكثر من حصة مصر منه؟ كيف ذلك أجيبوا يا عرب؟
محام، عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية
www.roussanlegal.0pi.com
mohd ahamd2003 yahoo.com