الأسرة التي لم تنجب إلا أشباه الرجال
العلامة الشيخ عفيف النابلسي
في كلّ نظام حكم ملكي علل خُلقية تسوقه إلى هاوية السقوط والانحطاط. كلّ نظام ملكي يدخل طور الفراغ والدعة والإسراف والتبذير والفساد والإفساد يستولي عليه الهرم والخرف، ثم تأتيه لحظة الموت التي لا تتقدّم ولا تتأخر كما قال تعالى: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ .
والمملكة السعودية معنية بما نقول، أيّ إنّ العلل الخُلقية ستغيّر من تلقاء نفسها وجهها وماهيتها، والمرض الذي أصابها سيتكفل بإنهائها في القريب العاجل. ليس هذا تنبؤاً وإنما إعادة قراءة لأفكار ابن خلدون حول نشوء الدول وزوالها وحول العوالم النفسية، الذاتية، الداخلية الكامنة داخل كل دولة، والأحداث والوقائع التاريخية التي لا تجري بمحض الصدفة وإنما في سياق منطقي تسبب الموت والفناء. وإذا أردنا أن نعرف قوة دولة، مناعتها، ريادتها، حضورها، عافيتها، لا بد أن ننظر إلى قيم ثلاث في الحدّ الأدنى. الكرامة الإنسانية، الحرية، والعقلانية، التي تشكل أساس أي مجتمع يريد الحفاظ على وضعه وأي دولة تروم البقاء والاستمرار. ولا مجال للشك أن القيم الثلاث معدومة في مملكة يصّر وزير داخليتنا على وصفها بمملكة الخير. هذا الوزير يحاول أن يفلسف بعض المعطيات لتبرير الفشل الاستراتيجي الذي مُنيت به مملكته في كل من العراق والبحرين وسورية ولبنان.
لم نعرف عن آل سعود أنهم مع العروبة يوماً وهم من حارب زعيم العروبة والوحدة جمال عبد الناصر فكيف يصح أن يقال يحقهم أنهم تاج العروبة .
لم نعرف عن آل سعود هذه الأسرة التي لم تنجب إلا أشباه الرجال أنها مهيأة لإعادة إنتاج «زمن عربي جديد». وأنّ هذه الأسرة التي منعت التغيير في العالم العربي ودعمت أنظمة استبدادية كنظام حسني مبارك وزين العابدين بن علي وملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، أنها فعلت ذلك ولجأت إلى «عاصفة الحزم» لتحرير كل مستقبل العالم العربي. فلا يكون ثمة عيب بدعم أنظمة ديكتاتورية ولا بقتل الأطفال وتدمير البنية التحتية في اليمن!! سابقاً كان بمقدور آل سعود استغباء الشعوب وبث الفتن بلا ضجيج ولا مسؤوليات. كانت تفعل ذلك وسط سيطرة تامة على الفضاء والإعلام والرأي العام. فلا أحد يدري أن السعودية وراء كل هذا التخلف والأفكار الشاذة والمتطرفة طالما أن لا عين رأت ولا أذن سمعت والجو هو جو التستر والكتمان، ولكن اليوم ما عاد ذلك ممكناً.
نعم. السعودية لم تبخل ببذل المال طالما المال يشتري الضمائر والذمم ويدفع أهل الحظوة إلى المسايرة والاستكانة والنفاق. لذلك استغرب سفيرها في لبنان أن تشنّ بعض الصحف المحلية حملة على آل سعود وتفضحهم بعد خمسة وعشرين عاماً من التدجين والتسكين لئلا يكتب كاتب كلمة حق أو يرفع الصوت في وجه طغمة نشرت الفساد وساهمت في تخريب المنطقة ودعمت سبل التسوية المذلة مع العدو «الإسرائيلي».
يا معالي الوزير: لم تحترف إيران ثقافة العدوان والإلغاء. لم تكن في كلّ خطاباتها ومواقفها إلا داعمة للحلول السلمية بين الإخوة، وما زال ديدنها هو الحوار في كلّ البلدان العربية التي تجري فيها مياه الفتن. ولم تدعم إلا المقاومين في لبنان وفلسطين للدفاع عن بلديهما بعدما اشترت السعودية وملوك وأمراء الخليج نفوساً كثيرة لمنعها من مواصلة مسيرة المقاومة.
ألا تستغرب يا معالي الوزير وأنت القومي العربي تخاذل آل سعود عن دعم المقاومين وتركهم في العراء؟ ألا ترى أن فلسطين تُركت من قبل هؤلاء الأمراء الذين ما كان همّهم إلا التخلص من عبء اسمه فلسطين بينما إيران منذ اليوم الأول لثورتها كانت مع إرادة الشعب اللبناني والشعب الفلسطيني لتحرير أرضهما من احتلال غاشم وعدوان ظالم؟ إيران ومرشدها الأعلى دعموا الشعوب المستضعفة ولم يدعموا النخب المدجنة العميلة التي تسعى وراء مصالحها الخاصة ومصالح الدول الاستعمارية.
إيران ومرشدها دعموا المقاومة اللبنانية والفلسطينية بالسلاح فيما لم تجرؤ دولة عربية واحدة وآل سعود وآل عيسى وآل الصباح وآل زايد إلى تقديم رصاصة واحدة.
إيران ومرشدها كانوا في مقدم من دعا للوحدة الإسلامية والتقارب بين المذاهب الإسلامية وآل سعود كانوا في مقدم من زرعوا الأرض بالعداوة المذهبية وأصبحت الأدبيات التي تفرّق بين المسلمين على كل شفة ولسان كل مسلم، صغيراً أو كبيراً، رجلاً أو امرأة، ناشئاً أو ناضجاً، أميّاً أو عالماً بسبب ما بثه آل سعود ومشايخهم من تعابير غاية في التقزز والخشونة.
نعم يا معالي الوزير إنه زمن عربي جديد زمن لن يكون بمستطاع أمراء وملوك الخليج «تزوير الإرادات والتطاول على الحق وظلم الشعوب المستضعفة. من هنا أهمية رأي ابن خلدون بأنّ الممالك الظالمة والمفسدة إلى زوال!