عن المصالحة وأميركا و«إسرائيل»

راسم عبيدات ـ القدس المحتلة

رغم اقتناعي بأن المصالحة كي تصمد في أرض الواقع هي في حاجة الى برنامج سياسي موحد واستراتيجية موحدة أيضاً لكونهما من العوامل المهمة والضرورية لكي تكون المصالحة جدية، إلا أننا لا نريد مصالحة على غرار المصالحات والعطوات العشائرية «هان حفرنا وهان دفنا» ويدور «تبويس» اللحى، فالمسألة تتعلق بمصير شعب وقضية وليس «طوشة» عرب، والمسافة بين إعلان المصالحة وترجماتها على الأرض ستكون في حاجة الى إرادات صادقة والى اقتناع بأن المصالحة المطلوبة هي التي يريدها الشعب الفلسطيني وليس التي تريدها الفصائل، فالفصائل هي التي قسمت الشعب وكانت سبباً في الانقسام، إذ وضعت حزبيتها وفئويتها فوق مصالح الشعب الفلسطيني، وكانت تعتبر برامجها الخاصة برامج الشعب الفلسطيني، ورغم ذلك لا يسعنا إلاّ أن نكون داعمين ومرحبين بما حصل كخطوة على طريق استعادة وحدة الشعب الفلسطيني ووحدة مؤسساته، والموقف «الإسرائيلي» من المصالحة ليس مستغرباً ف«إسرائيل» لطالما سعت إلى الهرب من دفع أي استحقاقات جدية للسلام، كي تقول إن الشعب الفلسطيني منقسم على نفسه والرئيس الفلسطيني أبو مازن ضعيف وسيطرته على الضفة الغربية هي بفضل «إسرائيل»، وإنّها لا تستطيع ان توقع اتفاق سلام مع رجل لا يسيطر على غزة وضعيف في الضفة الغربية. وطوال فترة المفاوضات السابقة مع أبو مازن كانت الحجة نفسها والذريعة عينها. وعندما وجد أبو مازن أن تلك المفاوضات لن تقدم شيئاً على طريق استعادة ولو الحد الأدنى من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني دولة فلسطينية مستقلة على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس، وحتى مع قبول تبادل أراضي، خطا خطوة نحو استعادة وحدة الشعب الفلسطيني ومؤسساته وبغض النظر عن مقاصده ومراميه وأهدافه من تلك الخطوة، إلا أن تلك الخطوة قابلتها «إسرائيل» بشن حرب شعواء على أبو مازن والقيادة الفلسطينية بأنه رجل لا يريد السلام ويدعم الإرهاب وعليه أن يختار بين «السلام» و«إرهاب» حماس، والسلطة أصبحت أكبر سلطة إرهابية في العالم! وكأنّ السنوات العشرين الماضية التي خاضت فيها القيادة الفلسطينية المفاوضات بأشكالها السرية والعلنية كافة، والمباشرة وغير المباشرة، وعن قرب وعن بعد، حققت شيئاً للشعب الفلسطيني غير المزيد من قضم الأراضي وفرض وقائع وحقائق جديدة على الأرض والتطهير العرقي في القدس! حتى المفاوضات الأخيرة التي رعاها كيري لم تفلح في تحرير جزء يسير من أسرانا في سجون الاحتلال، ووقف جزئي أو شكلي للاستيطان، بل مقابل كل دفعة أسرى يطلق سراحها تقام مئات الوحدات الاستيطانية في القدس والضفة الغربية، لتبلغ عنجهية «إسرائيل» وغطرستها ذروتها برفض إطلاق سراح الدفعة الرابعة من أسرى ما قبل أوسلو إلا بموافقة الطرف الفلسطيني على تمديد المفاوضات وإطلاق أميركا سراح الجاسوس «الإسرائيلي» بولارد. و«إسرائيل» هي أكبر المستفيدين من الانقسام، ولأجل مصالحها فاوضت حماس التي تنعتها بالإرهاب ووقعت معها هدنة برعاية عربية وإقليمية ودولية بعد عدوان 2012 على قطاع غزة.

لا نستغرب موقف «إسرائيل»، إذ نعرفه جيداً، لكن ما لا يفهم هو الموقف الأميركي، الراعي الوحيد للمفاوضات، هذا الراعي الذي يقول إن المصالحة الفلسطينية تعقّد مسار المفاوضات. موقف فيه من الصلف والوقاحة الكثير، فأميركا التي تدير المفاوضات وتشرف عليها تعلم جيداً من يعوق المفاوضات ومن لا يريد تقديم أيّ تنازلات لنجاحها، فهم يبرئون ساحة «إسرائيل» من فشلها ويقفون الى جانبها في كل إجراءاتها وممارساتها ويتخذون مواقف أكثر تشدداً من حقوقنا وقضيتنا، ثم يقولون لنا واصلوا المفاوضات. أي وقاحة هذه فـ«كرمال عيون» «إسرائيل» «تعهر» الحقوق والقيم والقوانين والمواثيق الدولية وتكيف وفق مصلحة «إسرائيل».

أميركا المتباكية على وحدة أوكرانيا، تدعم بقاء الانقسام الفلسطيني وتقسيم السودان وسورية وليبيا والعراق ولبنان وكل قطر عربي. أميركا تقف ضد حماس في الضفة الغربية، ودعمت أباها الروحي حركة الإخوان في مصر وتونس وليبيا سورية وتركيا، وأبعد من ذلك عصابات القتل في لبنان وسورية، ولما شعرت بأن المشروع الإخواني لا يخدم مصالحها بدات تبحث عن حليف جديد.

آن الاوان لكي يعي الطرف الفلسطيني المفاوض، بأنه لا يجوز تجريب المجرب ولا يجوز استمرار المقامرة والتجريب بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ويجب السير قدماً في المصالحة، فهي شان داخلي فلسطيني، وغير مطلوب في سبيل المصالحة أن تغير حماس او الجهاد برامجها، لكي نرضي أميركا و»إسرائيل»، فالحكومة «الإسرائيلية» متخمة بالمتطرفين، والذين ينادون بالإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني وطرده وترحيله، وتتعامل معهم أميركا وأوروبا الغربية، ولم نسمع من أميركا أو أوروبا الاستعمارية أي مواقف، برفض التعامل معهم، بل بالعكس هم دائماً مثار ترحيب أميركا وأوروبا الغربية، فهؤلاء نتاج الديمقراطية «الإسرائيلية»، أما الديمقراطية الفلسطينية عندما ينتج عنها، أي قوة أو فصيل يتعارض مع المواقف والأهداف الأميركية و»الإسرائيلية»، فوراً يصنف على أنه «إرهابي» ويجب محاصرته وعدم التعامل معه.

آن الأوان لتغيير قواعد الاشتباك مع العدو «الإسرائيلي»، وكذلك يجب إخراج المفاوضات من دائرة الرعاية الأميركية المنفردة، فأميركا لا ترى الأمور إلا بعيون «إسرائيلية»، ويجب البحث عن خيار ونهج جديدين فيما يتصل بمواقفنا وحقوقنا، يجب ان نرسخ خيار الصمود والمقاومة، ويجب أن نوحد الاستراتيجيات وأدوات العمل، فالحقوق ليست مثار او محط تنازل فـ«إسرائيل» حتى لو جاءت قيادة فلسطينية على شاكلة روابط القرى العميلة، فهي غير مستعدة لتقديم تنازلات، فقط عندما يصبح المشروع الصهيوني خاسراً وترتفع كلفة إحتلاله وفضحه وتعريته، تقدم التنازلات.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى