النفاق العربي
الياس عشّي
تحوّل العالم العربي، خلال السنوات الست الأخيرة، إلى حاضنة للإرهاب، يأتيه التكفيريون من الرياح الأربع ويزرعون الموت في كلّ مكان ويهجّرون ويفتون، فيما القوى العظمى، وعلى رأسها أميركا، تبشّر بربيع عربي «ينضح بالديمقراطية».
والأكيد أنّ قلّة من المثقفين قد قرأت ما كتبه يوسف الأشقر في «التمهيد» الذي جعله فاتحة لكتابه القيّم «عولمة الرعب»، والذي صدر عام 2001.
يقول المفكّر يوسف الأشقر:
«… ومن حرص القوّة العظمى على الديمقراطية، وعلى تعدّد الخيارات، وضعتْ العالم كلّه أمام خيارين: فإمّا بوش وكيسنجر وشارون ونتنياهو، أو بن لادن. إمّا «إسرائيل»، أو طالبان. وإلى أن يفهم العالم أنّ هؤلاء جميعاً هم، في المعنى الأخير، خيار واحد لا خياران، قد يتمكن بوش وشارون من التناسل والتكاثر والسيادة المطلقة في معسكرهما، ومِن صنعِ بن لادنات وطالبانات متناسلة ومتكاثرة وسائدة في المعسكر الآخر وفي كلّ معسكر».
وهذا ما حدث، وما يحدث الآن، وما سيحدث في المستقبل. فأين ما التفتّ برز أمامك بن لادن جديد، وتنظيم جديد فتكاثرت الإمارات، وتوزّعت بين العراق والشام وليبيا واليمن ومصر ولبنان، وتبنّى العالم نظرية الخيار الواحد، تماماً كما أرادها له بوش وموشي دايان. ومن دون خجل وقع ما كان يُعتبر محظوراً، وتمّ الزواج السفاح بين المعارضة المسلّحة السورية والقوى العظمى تحت سقف الولايات المتحدة الأميركية والكيان «الإسرائيلي».
حدث كلّ ذلك ولم يتوقّف العرب عن التغنّي بتاريخهم «المجيد» بكثير من النفاق، فاحتلالهم أرض الآخرين يسمّونه فتحاً، واحتلال الآخرين لأرضهم يسمّونه استعماراً. «إسرائيل» دولة مغتصِبة، ونعيب على مجلس الأمن عدم محاسبته لها، وعشر دول عربية تهاجم اليمن بضوء أخضر من مجلس الأمن الدولي!
منذ ألف وأربعمئة سنة والعرب يتغنّون بفتوحاتهم. حكموا نصف القارة الأوروبية خمسمئة سنة، ووضعوا احتلالهم في خانة الفتوحات. حكمَنا الفرنسيون والإنكليز بضع عشرات من السنين ووضعنا احتلالهم في خانة الاستعمار.
وعلى رغم ذلك ما زلنا نتساءل: لماذا الله في كتابه الكريم اتهم الأعراب بالنفاق في قوله تعالى: وإنّما الأعراب أشدّ كفراً ونفاقاً . إنّها نبوءة للتحذير من العودة إلى حروب الداخل، ومن الغرق في العصبية القبلية، اللتين حاربهما الإسلام بغية جمع كلمة العرب. بل هي أكثر من نبوءة. إنها لعنة الله على العرب والأعراب في أيّ زمان وأيّ مكان.
لماذا كلّ هذا النفاق أيها السادة العرب؟ فمن يستطيع أن يشكّل تحالفاً ضدّ سورية أو ضدّ اليمن أو ضدّ أي دولة عربية، ويعجز عن إعلان «اتفاق» عربي واحد ضدّ «إسرائيل»، عليه، على الأقلّ، أن يكون شجاعاً ويعلن اعترافه بـ«إسرائيل».
كفانا نفاقاً…