مدارات هل دروس الماضي… هي محدّدات المستقبل؟
فاديا مطر
بعد سقوط جدار برلين في 9/11/1989 وانهيار الاتحاد السوفياتي الذي كان يشكل القطب الثاني مع الولايات المتحدة الأميركية في النظام العالمي القائم على الثنائية القطبية، وما تبعه من فترة انتقالية عاشتها روسيا الاتحادية خلال تحولها من الشيوعية إلى الليبرالية. واجهت وريثة الاتحاد السوفياتي السابق مأزقاً استراتيجياً لم يردع نفسه عن المساس بدورها الدولي والإقليمي لجهة فرضه تحديات كثيرة على صفحات موقعها الداخلي والخارجي، لكن الوضع اختلف بعد مجيء الرئيس فلاديمير بوتين في عام 2000 وإقراره لعقيدة الأمن الوطني التي امتزجت بإقرار عقيدة السياسة الخارجية الروسية في 20 حزيران في العام نفسه، سعي بدأ باستعادة روسية لمجد السوفيات السابق في مقابل التوسع الظاهر لحلف شمال الأطلسي «الناتو» في مناطق نفوذها السابق، هذا بدوره أدّى بروسيا إلى قيامها بتشكيل مثلث «استراتيجي» روسي ـ صيني ـ هندي على إثر فشل محور الاتحاد الأوروبي ـ الأميركي.
فقد جاءت القمة الأخيرة لدول بريكس في 16 تموز 2014 في مدينة «فورتاليزا» البرازيلية لتعلن تأسيس نظام اقتصادي مشترك لمجموعة هذه الدول، فاعتبر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن أية دولة ليست قادرة على حل القضايا الناشئة في العالم، من دون توحيد الجهود لالدول المعنية كافة، كلام جاء خلال اللقاء الثلاثي الذي جمعه مع وزراء خارجية الصين والهند في الثاني من شباط من العام الجاري، وهو تلميح يمازج التصريح لإعلان الوزير لافروف ولادة حلف جديد يُخرج العالم من مرحلة القطب الواحد، الذي صنع يده الحديدية من قطبان «الناتو»، تحالف استدعى من روسيا وشركائها صنع حلف يلغي الأحادية العسكرية للأحلاف، وهذا ما بدأ يظهر في أفق الاستراتيجية الروسية الدولية، فعودة العلاقات القوية بين روسيا والهند والصين وليس آخرها العلاقات العسكرية مع إيران واتفاقات الدفاع والسلاح «التكنواستراتيجية»، هي تحالفات قوة عسكرية ضد الناتو وموجهة مباشرة إلى الولايات المتحدة وحلفائها، وإن روسيا اليوم أعادت التوازن الدولي للعالم الأحادي بعد نشوء أعراض التعب على حلف «الناتو» بسبب المشاكل الاقتصادية التي تعصف بدوله، بينما الحلف الذي تنوي تزعمه روسيا يضم الدول التي يشهد اقتصادها ازدهاراً غير مسبوق، في انعكاسات أثمرتها زيارة الرئيس بوتين إلى الهند في 11 كانون الأول من عام 2014 التي بدأت بالنضوج على ضوء ارتسام حلف جديد يعيد الثنائية القطبية العسكرية والسياسية في العالم، ويستمد محددات مستقبله من دروس الماضي ويتعامل بعقل سليم تجاه ما ينذر من شؤم في ثياب العالم الغربي على وقع المتغيرات الدولية «الدراماتيكية» التي يقودها المستقبل القريب. فهل ستفرض روسيا نفسها على الساحة الدولية كمتزعمة لنصف العالم؟ وهل ستتقبل الولايات المتحدة ذلك خصوصاً بعدما حاولت جاهدة إضعاف الحلف الروسي عن طريق حلفائه الإقليميين والدوليين وصولاً لاستهدافها مباشرة بحديقتها الخلفية أوكرانيا لتبوء كل المحاولات بالفشل؟