«داعش» و«النصرة»… وتبادل الأدوار في محيط دمشق
عامر نعيم الياس
شكل الصراع المتغيّر في سورية، وإعادة تشكيل الجبهات وغرف العمليات والجيوش، صارا من مميّزات المشهد السوري. فلا شيء ثابتاً على مستوى البنى المعارِضة وعلاقتها ببعضها. فالجبهة الشامية التي تشكلت في شمال البلاد حلّت نفسها، فيما حلّ تنظيم «صقور الشام» نفسه في حركة «أحرار الشام» في إدلب شمال غرب البلاد، بالتزامن مع إنشاء ما يسمّى «جيش الفتح» بقيادة «جبهة النصرة» ـ الذراع الرسمية لـ«القاعدة» في سورية، واحتلاله مدينة إدلب، ثاني عاصمة محافظة في سورية، بدعم تركي واضح.
بحسب التقييم الأخير للبنتاغون حول الأوضاع الميدانية في سورية والعراق، فإن تنظيم «داعش تراجع في العراق فاقداً السيطرة على 25 في المئة من الأراضي». وقال الكولونيل ستيف وارن المتحدث بِاسم البنتاغون في مؤتمر صحافي في 13 نيسان الجاري: «إن المتشددين لم يعودوا القوة المهيمنة على حوالى 5 إلى 6 آلاف ميل مربع من الأراضي التي كانوا يحتلونها شمال غرب العراق، لكنني لست مستعداً للقول إن المدّ قد تحوّل بعد». أما في سورية، فقد لاحظ التقرير أنه على رغم فقدان «داعش» بعضاً من أماكن سيطرته في العراق، إلا أنّه «يوسّع وجوده في سورية»، مستشهداً بما جرى في مخيّم اليرموك، والحراك الذي يدور في محيط العاصمة دمشق. فأخيراً، أعلِن عن بيعات لـ«داعش» في حيّي القابون وبرزة، وهما من الأحياء التي شهدت مصالحات مع الدولة السورية التي تعدّ من الأنجح على مستوى القطر.
لكن اسم التنظيم فعلاً بدأ يتردّد مؤخراً في محيط العاصمة دمشق، بالتزامن مع هجوم مضادّ من الجماعات الإسلامية العميلة لتركيا وقطر على أكثر من محور داخل سورية، سواء في شمال البلاد أو في جنوبها الملاصق لجنوب العاصمة، مع ملاحظة اتخاذ «جبهة النصرة» مسافة مما يجري وتسهيل تمدّد «داعش»، ما يؤسّس على الأقل في الآونة الحالية، إلى تحوّل في العلاقة بين التنظيمين الأكبر في سورية، ينهي مرحلة الخصومة والمواجهة، ويفتح مرحلةً جديدة من التنسيق والتعاون المطلوبَين دولياً وإقليمياً لمزيد من عملية خلط الأوراق في الداخل السوري عموماً، وفي محيط العاصمة دمشق خصوصاً. فالوضع في مخيّم اليرموك ليس كما يحلو لبعض الإعلام الترويج له، خصوصاً الإعلام العربي، من انسحاب لـ«داعش» من المخيّم لمصلحة الفصائل الفلسطينية التي تقاتل مع الميليشيات المناهضة للدولة السورية من أجل إعادة المخيّم إلى كنف «حماس». صحيفة «لوس آنجلس تايمز» الأميركية كشفت في افتتاحيتها قبل يومين أن ما يجري في مخيّم اليرموك ليس سوى «توزيع أدوار بين جبهة النصرة وتنظيم داعش»، بمعنى أن ما يقال عن انسحاب لـ«داعش»، ليس سوى إعادة انتشار مبرمجة مع «النصرة»، تمهيداً لتغيير الخريطة الميدانية داخل المخيم، والحفاظ على النفوذ الجديد لـ«داعش» قرب العاصمة دمشق تحت غطاء «جبهة النصرة» التي اتخذت خلال السنتين المنصرمتين من ميليشيا «أكناف بيت المقدس» التابعة لـ«حماس»، ستارةً لعملها في جنوب العاصمة دمشق.
تلعب «النصرة» لعبة مزدوجة مع كافة أطراف الصراع في سورية. فهي موضع شكّ الجميع، لكنها تبقى في لحظة ما حليفة الجميع من دون استثناء. و«داعش» يحاول اللعب على هذه النقطة في محيط العاصمة دمشق، تحت غطاء قرار دوليّ واضح لاستنزاف سورية فَتح الحدود على مصراعيها في شمال غرب البلاد وفي جنوبها لآلافِ الإرهابيين، في لحظة ساهم فيها تبدّل الأولويات الإعلامية الإقليمية والدولية في التغطية على حجم الهجوم المضادّ الذي يقوده المحور المعادي لسورية وحلفائها على الأرض السورية.
كاتب ومترجم سوري