دراساتٌ في القصّة العربية القصيرة… ورواياتٌ وقصصٌ للأطفال
تواظب «البناء» على تعريف القرّاء الأعزاء إلى جديد دور النشر العربية، من إصدارات تغني مكتباتهم. وفي هذا التقرير، مرور على إصدارات جديدة، من روايات ودراسات في القصة العربية، ولم ننسَ أطفالنا الأعزاء وقصصهم.
«قبل فوات الحكاية» لنضال الصالح
كتب محمد خالد الخضر لـ«سانا الثقافية»:
«قبل فوات الحكاية»، دراسات في القصة العربية القصيرة للدكتور نضال الصالح، تناول فيه مراحل تطوّر هذا الفن الأدبي، مضمّناً ثلاث مداخل: سورية والخليج والمغرب العربي، وتنتمي هذه المداخل الثلاثة إلى حقل تأريخ الأدب أكثر من انتمائه إلى حقل النقد الأدبي.
تحدّث الدكتور الصالح عن نشأة القصة القصيرة في سورية، والتي تعود إلى القرن التاسع عشر. مميّزاً بين مراحلها: النشأة والتأسيس والتأصيل والتجريب، ومرحلة التمثّل وإعادة الإنتاج، إذ كانت القصة القصيرة في سورية ـ كما أوضح الصالح ـ حتى مطلع ثلاثينات القرن الماضي، لا تعدو كونها تمرينات في القصّ، أو محاولات تعيد إنتاج التقاليد الفنية الوافدة، وترتهن في غالبيتها لتقاليد الكتابة السردية العربية الموروثة على مستوى الشكل.
ومن أبرز السمات التي ميّزت نتاج الثلاثينات ـ وفقاً للصالح ـ صلة معظمه الوثيقة بالواقع المحلي وصدوره عنه، وتعريته أمراض ذلك الواقع وعلله الاجتماعية، وقيمه وتقاليده المعوقة للتقدم. أما عقد الأربعينات، فشهد منعطفاً في تاريخ الحركة القصصية السورية على المستوى الفني خصوصاً، مورداً أمثلة عن تلك المجموعات القصصية ومنها مجموعة فؤاد الشايب «تاريخ جرح»، ومجموعة سامي الكيالي «أنواء وأضواء».
أما مرحلة التأسيس، الخمسينات، فتمثل تحوّلات كبرى على أكثر من مستوى، والتي كان أهمها المستوى الثقافي. إذ تقدّم فن القصة تقدماً لافتاً عبر ثلاث علامات، وهي: عدد المجموعات القصصية الصادرة خلال تلك الفترة، والتطور الفني، والاستجابة للتيارات الفكرية والفنية الوافدة بأطيافها المختلفة.
ثم تبدأ مرحلة التأصيل، الستينات، بكتابة قصصية دالة على نفسها ولا تعيد إنتاج ما سبقها. إذ برزت في هذه المرحلة أصوات جديدة كزكريا تامر وسامي جندي، وظهرت اتجاهات فنية متعدّدة، ورؤى فكرية متباينة، تعبّر عن تجديد واضح في أشكال القصّ، وعن تمثّل مميز لمختلف تحوّلات الفكر والفن الانسانيين.
وتأتي مرحلة التجريب، السبعينات، بوفرة من النتاج القصصي على المستوى الكمّي، وتتسم على المستوى الفني بالحساسية الأدبية الجديدة، لتبلغ القصة القصيرة في سورية مرحلة عالية من التجريب في التخيّل والبناء والتراسل بين الأجناس، والترميز، والاستجابة لتحوّلات الفن ومذاهبه وتياراته الحديثة. وكانت مجموعة إبراهيم الخليل الأولى «البحث عن سعدون الطيّب» أكثر مُنجز يمثل مرحلة السبعينات بحسب ما أورد الدكتور الصالح.
أما مرحلة التمثّل وإعادة الانتاج، فتشكل إضافة جديدة إلى تجربة القصّ السوري. إلا أن معظم نتاج تلك المرحلة لم يستطع التحرّر من عباءة السبعينات التي ظلّت تمارس نفوذها فيه، وفقاً للصالح.
كما يتضمّن الكتاب ثلاثة أصوات من فلسطين وهم: أنور رجب ويوسف جاد الحق وعدنان كنفاني، إذ تتشكّل الموضوعات التي طرحتها مجموعة أنور رجب القصصية من «الصافرات» إلى «ليلة تمتمات» من إنسانية مختلفة إلى الموضوع الفلسطيني الذي شكل معظم شواغل القصّ في ما تبقى من نصوص المجموعة، ويجهر الموضوع الفلسطيني في قصصه عبر تلوينات حكائية مختلفة بانكسار الذات الفلسطينية ما بين النزوح وبعده، وتهجير المقاومة في بيروت وتمجيد الفداء الطالع من مرارة الواقع وشظف العيش في مخيّمات الشتات.
وتتميّز النصوص القصصية لعدنان كنفاني في مجموعته التي جاءت تحت عنوان «الهالوك» بتعاضدها الدلالي في هجاء الخراب الذي يفتك بالراهن على غير مستوى من «الهالوك الصهيوني» الممعن في انتهاكه قيمة الوفاء إلى الجحود بالأرض والأهل والسقوط في شرك الوهم بتفوّق الآخر كما في نصه «الصرخة».
ويسلّط الدكتور نضال الصالح الضوء على عبد الإله عبد القادر كصوت قصصيّ من العراق في مجموعته القصصية «اليانكي» المتضمنة أربعة عشر نصّاً قصصياً، تصدر عن الواقع وتغوص على نحو أكثر إثارة للاستلاب الإنساني، إذ يصوغ القاصّ محكيّات تلك النصوص وفق منظومة بنائية، تتقدّم مغازي القصّ فيها على تقنيات القصّ نفسه، وتدير ظهرها لما يلاشي مؤرّقات الكتابة لمصلحة الكتابة وحدها.
ويجد الصالح أن النصوص لدى عبد القادر مصوغة بضمير خطاب قصصيّ واحد هو الغائب، لتنتمي هذه النصوص إلى نوع من أنواع المنظور السرديّ هو الرؤية من الخلف الدالّ على حفاوة القاصّ بمقاصد النصّ أكثر من حفاوته بكيفيات بنائه.
ويختم الدكتور نضال الصالح كتابه معايناً الكتابة القصصية العربية وتحوّلاتها. إذ لم يزل المشهد القصصي العربي ونقده مثخنَين بوهن أن القصة القصيرة هي حكاية في البدء والمنتهى، ولم يزل عدد غير قليل ممّن صُدّر نتاجهم إلى القارئ العربي بوصفه قصّاً أقرب إلى سارد الحكاية أكثر منه قاصّاً.
ويرى الدكتور نضال الصالح أن الكتابة القصصية العربية وتحولاتها تنتسب إلى الحكي أكثر من انتسابها إلى فنّ القصّ. أما على المستوى الفنّي، فتمايزت المستويات نسبة إلى تمايز وعي كتّاب فنّ القصة. فوقع بعض القاصّين في مأزق المباشرة وإنتاج المواضيع الإنشائية والخطابات المباشرة.
«الخنفشاري» لِنافذ الرفاعي
أصدرت «دار الجندي للنشر والتوزيع» ـ القدس، رواية «الخنفشاري» للكاتب والشاعر الفلسطيني نافذ الرفاعي، وهي الرواية الثالثة له بعد «قيثارة الرمل» التي حازت جائزة إيطالية، و«امرأة عائدة من الموت» التي أحدثت جدلاً عميقاً حول بنية الرواية العربية.
«الخنفشاري» تقع في 198 صفحة من القطع المتوسّط. وفي جديده، يطرح الكاتب اسئلة عميقة تتعمّق لدى الانسان العربي وقلقه المجتمعي والايماني والديني والسياسي والفكري ووجوده وطبقته السياسية وإيمانه بالمشروع الثوري وكفره به.
هذه الرواية تحكي عن معانٍ جديدة للانسان والقبيلة والمجتمع السياسي والشعب والمتصوّفين والجمال والحبّ والسياسة والإنسان والفنّ.
وفي توليفة روائية، حمل المؤلف حروفه، القلق والوعي والفكر والحكاية الفلسطينية، وهموم المواطن وقلقه وأحلامه. أما الغلاف، فرسمته الفنانة لينا قادري للرواية خصيصاً بعد قراءتها، فأفرغت الألوان الصاخبة في هدوء قلِق، ومزجت رؤيا «الخنفشاري» وأحلامه في عمل إبداعيّ مميّز، يكتظ بمساحة الفكر والمشاعر، وأحاسيس الفنّانة.
تعتبر «الخنفشاري» الإصدار رقم 300 لـ«دار الجندي» المقدسية، التي تستقطب أهمّ الكتّاب الفلسطينين وتروّج لهم محلياً. وأعرب سمير الجندي ـ مدير الدار ـ عن استعداده لحمل رواية «الخنفشاري» للمنافسة في الجوائز الأدبية، نظراً إلى تميّزها من خلال كاتبها وموضوعها ونصّها.
وستُطلَق الرواية في «متحف درويش» ـ رام الله غداً الثلاثاء، ويقدّم الأمسية مدير المتحف سامح خضر، ويحاور الكاتب الدكتور المفكر محمد نعيم فرحات.
«جدار الصمت» لِدينا سليم
رواية أخرى صدرت عن «دار الجندي للنشر والتوزيع»، هي «جدار الصمت» للكاتبة الفلسطينية دينا سليم.
ربما تقتصر الرواية السّيرية على عدد قليل من الأدباء، خصوصاً المعاصرين، إلّا أنّ الأديبة الفلسطينية دينا سليم فاجأتنا بـ«جدار الصّمت»، التي تعتبَر من نوع الروايات التي اجتاحت عوالم أخرى أيضاً، فقد بذلت جهداً ملحوظاً باختراقها هذا النوع الأدبيّ لتأسيس تجارب حقيقية عايشتها، وساهمت في بلورة منظورات جديدة حول الكتابة عن الذات، ولم تقع بصيغة المتخيّل، ملتزمةً ألوان الواقع.
قال الناقد السوري قحطان بيرقدار: «إنّ لرواية السيرة الذاتية قيماً أدبية وفكرية تحوّل التاريخ الذاتي إلى أفق للكتابة، يتحدّى مجال البوح والاعتراف حين يحوّل ممارسة الكتابة ذاتها، إلى وعي مكمّل لإدراك العالم المحيط بالمؤلف خلال مختلف مراحل العمر. إن صلة الإبداع الأدبي بمحِيطه الاجتماعي والتاريخي، هي من القضايا الفكرية المستعصية على التدقيق، لذلك، فإن ما تقتضيه تلك الصلة حين يتعلق الأمر بالخطاب الحكائي، الانتباه إلى حالة من التخيّل المركب: ظاهر ومضمر، متحقق ومحتمل، محايد ومباشر».
يعتبر هذا المؤلَّف الروائي السّابع للكاتبة التي تقيم في أستراليا، تكتب وتتأمل وتستعيد الذكريات، ونتاجها الكثيف أضحى ملحوظاً. مقررةً التخلص من بعض الذكريات المؤلمة بعدما فقدت ابنها الشاب، فأتحفتنا بهذا المؤلَّف الذي شكّل التنوع في الأسلوب الحكائي، الذي لم نتعرّف إليه من قبل.
«كلب جديد في المزرعة» و«القناع»
صدر عن «دار أصالة» المتخصّصة في أدب الأطفال، عدد كبير من القصص الجديدة، اخترنا لأطفالنا منها اليوم، «كلب جديد في المزرعة» للكاتب الدكتور أنطوان الشرتوني.
وتتجلّى دعوة الكاتب إلى عدم التسرّع في إطلاق الأحكام على «الآخر»، من خلال قصّة طريفة مضحكة، تدور أحداثها في المزرعة، بعدما استيقظت االدجاجات على صوت نباح غريب، ليطلق كلّ حيوان حكماً سلبياً على الكلب الجديد، الذي لا يعدو كونه جرواً صغيراً.
وتلعب الرسوم التي أبدعت فيها الرسّامة لين المسوتي، دوراً هاماً في إيصال الفكرة للأطفال، وذلك عبر الطرافة التي تحلّت بها الرسوم، إضافةً إلى البساطة والألوان الجاذبة.
واخترنا أيضاً قصّة «القناع» للكاتب السوري جيكر خورشيد، والتي تتناول علاقة الطفل بشقيقه الأصغر، إذ غالباً ما تشوب علاقتهما مشاكل عفوية، كلعب الصغير بألعاب الكبير وما إلى ذلك. وجاءت الرسامة غنى مرعب مكمّلة رسالةَ المؤلّف، عبر الانفعالات والأحاسيس التي أتقنت التعبير عنها من خلال رسوماتها.