مصير الاتفاق النووي الإيراني بعد مساومة أوباما مع الكونغرس
سادت أجواء ارتياح تندر رؤيتها في واشنطن، في أعقاب توصّل الرئيس باراك أوباما وإدارته من جهة وأعضاء الكونغرس من جهة أخرى، إلى اتفاق يتيح بموجبه للكونغرس الاطلاع على نصوص الاتفاق النووي النهائي رافقه بعض الجدل والثغرات القانونية لفائدة الطرفين.
سيستعرض قسم التحليل مجريات «الاتفاق الصفقة،» وأبعادها السياسية وانعكاساتها على مجمل المشهد السياسي وتردّداته العالمية وكذلك تناول حظوظ مصادقة الكونغرس من عدمها في ظلّ موسم انتخابات مفصلية للحزبين كليهما يسعى لإزاحة الآخر عن موقع الأغلبية.
الاستراتيجية الأميركية المقبلة
حث معهد هدسون صناع القرار العمل وفق الأسس التي دشنها «مبدأ كارتر،» في الشرق الاوسط. المبدأ/الاستراتيجية طرحه الرئيس الأسبق جيمي كارتر، 23 كانون الثاني 1980، وينص على عزم الولايات المتحدة استخدام قواتها العسكرية «عند الضرورة» لحماية «مصالحها القومية» في منطقة الخليج العربي. وأوضح أنّ «حجر الاساس ينطوي على بذل الولايات المتحدة أقصى ما تستطيعه لدعم حلفائها التقليديين ضدّ إيران… وألا تقتصر على الأردن ودول الخليج، بل ولعله الأهمّ، استيعاب المكوّنات السنية في العراق وسورية». وقلل المعهد من «الدعم اللوجستي والاستخباري» الأميركي للسعودية، مسترشداً بما صرّح به الجنرال لويد اوستن، قائد قيادة العمليات الوسطى، بأنه أُعلم بالقرار السعودي قبل ساعة واحدة من بدء الغارات الجوية. وأضاف أنّ ذلك يشكل دلالة على «انعدام ثقة الجانب السعودي» بالولايات المتحدة مما يستدعي من الرئيس أوباما وإدارته «إعادة النظر في استراتيجية التواصل مع ايران، والتي أسفرت عن ركون الولايات المتحدة لمقعد خلفي في المنطقة وتقدّم قاسم سليماني وقوات القدس» على حسابها.
اليمن
وضع معهد المشروع الأميركي لمساته على استشراف «أهداف إيران في اليمن،» معتبراً أنّ أولويتها تحوّلت من «إنشاء حلف قوس مع الحوثيين، إلى إلحاق الهزيمة بالرياض وحلفها…» وناشد الولايات المتحدة «تعزيز سبل الدعم للقوات الأمنية العربية الجمعية، وإعانة الرياض على بلورة استراتيجية عسكرية أفضل توفر لها القدرة على مقاومة النفوذ الإيراني في شبه جزيرة العرب». وحذر صناع القرار من أنّ «القرارات المتعلقة باليمن اليوم، وربما على نفس المستوى في ما يتعلق بالعراق وسورية، قد توضح معالم المنطقة سياسياً وأمنياً لمرحلة ما بعد اتفاقية النووي».
لبنان
دق معهد واشنطن ناقوس الخطر أمام الاستراتيجية الأميركية على خلفية «الأوضاع غير المستقرّة في لبنان… إذ يبدو أنّ واشنطن تعطي أهمية متواضعة للتطرف الشيعي وانعكاساته على استقرار لبنان». وحذر من تبعات «التعاون وجهود تخفيف حدة التوتر بين حزب الله و حكومة بيروت لتوجيه الجهود في محاربة داعش». وأوضح «أنّ ما يؤسف له أنه طالما يقاتل حزب الله إلى جانب الرئيس الأسد، فإنّ لبنان سيبقى هدفاً رئيساً لخلايا «داعش» و«جبهة النصرة» النائمة».
مصر
أصدر معهد كارنيغي دراسة تتعلق بالجيش المصري من زاوية «تنامي نفوذه غير المسبوق» في إدارة الدولة، محذراً من أنّ «النفوذ السياسي والخصومات الداخلية قد تشكلان عقبة» أمام القوات المسلحة على المدى الطويل. وأوضح «أنّ الأموال السعودية التي حصل عليها مؤخراً ضمِنَ سيطرة الجيش على مشاريع البنى التحتية الضخمة».
وحذر من حصول «انقسامات في الجيش»، على خلفية صراع الأجنحة المتعددة على الامتيازات وكذلك «قلق الجيش الأكبر… من عودة احتجاجات واسعة النطاق ضدّ الحكومة بعضها اندلع على مقربة من المنشآت العسكرية الكبرى»، مما قد يترتب عليه «انشقاق داخلي وأزمة على الشرعية». ونبّه صنّاع القرار الأميركي إلى الاستمرار في ضخّ المساعدات الأميركية لمصر «بدافع حماية المصالح الاستراتيجية» الأميركية، اذ أثبتت التحوّلات والإرهاصات الاجتماعية الأخيرة انّ مسار «التمويل الإضافي لا يُعدّ خياراً جيداً»، تحت مبرّر محاربة الإرهاب، بل «لن تحسّن الأمن الإقليمي في المدى الطويل».
المفاوضات النووية مع إيران
اعتبر معهد أبحاث السياسة الخارجية توجه الرئيس أوباما للتوصّل مع إيران إلى اتفاق نووي يعود إلى حرصه على «عقد توازن بين الأضداد… والاتفاق النووي يشكل أهمّ خطوة لتجسيد المتغيّرات»، على الرغم من معارضة حلفاء واشنطن في الإقليم جهودها «لاستيعاب دور أكبر تلعبه ايران» في المنطقة. وحذر من انّ تلك الاستراتيجية سيترتب عليها «سباق تسلح سريع، وأعمال تخريب سياسية وعسكرية، تشارك فيها مجموعات وأقليات دينية وعرقية مضطهدة».
أثار قرار الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تفعيل صفقة تزويد ايران بنظام دفاع جوي متطوّر، صواريخ «أس-300»، قلقاً بيّناً داخل أوساط مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، واعتبره خطوة استباقية لبوتين لإعادة اصطفاف بلاده «كمصدر تسليح رئيسي لإيران قبل رفع العقوبات الغربية» عنها. وأوضح أنّ عزم إيران لتحديث قواتها المسلحة «حفّز روسيا لتحجز موقعاً متقدّماً لها للفوز بأكبر قطعة ممكنة من السوق الإيرانية».
تركيا
أثنى معهد صندوق مارشال الألماني التزام كلّ من تركيا والساسة الأكراد الاستمرار في المفاوضات لإيجاد حلّ سياسي لخلافاتهما، كما أنّ ذلك يعود إلى حساباتهما الاستراتيجية». وحذر انه على الرغم من إحراز الطرفين بعض التقدّم «إلا انّ جملة عوامل كامنة من شأنها إما الإطاحة بالمسار أو تأجيله» في أفضل الأحوال، منها «التطوّرات الإقليمية، البروز الانتخابي لقوى مقرّبة من حزب العمال الكردستاني، والحسابات الانتخابية المتغيّرة لكافة الأطراف، وتباين وجهات نظر كافة الأطراف حول النظام السياسي الراهن…» وأوضح أنه من أجل التغلب على تلك العقبات وتداعياتها «ينبغي على الحكومة اتخاذ بعض الإجراءات… إنشاء لجنة مراقبة محايدة ، الإفراج عن المعتقلين المرضى» وخطوات أخرى. كما يتعيّن على الجانب الكردي «عقد مؤتمره المعلن لنزع سلاحه وتطبيق ما أعلن عن نيته القيام به إنهاء الكفاح المسلح ضدّ تركيا».
جدل صاخب وواسع رافق مسار الاتفاق النووي التمهيدي، جله في الولايات المتحدة وجزء غير يسير في الساحة العالمية. الاصطفافات والانقسامات في الداخل الأميركي بلغت مرحلة لا يمكن إخفاءها، واستعدّ طرفاها لمواجهة قاسية يستخدم فيها كلّ طرف أسلحته المتعدّدة، أمام إصرار الرئيس أوباما علناً على استخدام حق الفيتو ضدّ مشروع قرار في الكونغرس يقيّد صلاحياته الدستورية في إبرام الاتفاقات الدولية التي لا تستدعي تصويتاً من الكونغرس، إلا في مرحلة التوقيع على المعاهدات.
«فجأة» تعدّل موقف الرئيس اوباما من الهجوم الصرف وحسم قرار استخدام الفيتو إلى مرحلة أقلّ من الدفاع حيث «أجاز» للكونغرس بأغلبية الحزب الجمهوري مزاحمته في إقرار الاتفاق النووي، بُعد سياسي دأب على رفضه بشدة بدافع عدم النيل من سلطاته الدستورية. ونتج عنه «قرار مراجعة الاتفاق النووي مع إيران لعام 2015».
آثار الخيبة من تراجع أوباما بدت سريعاً، واعتبرته صحيفة «نيويورك تايمز» بأنه «كَبْوَة مؤلمة لمهامه الدستورية من دون الالتفات إلى الكونغرس». بعض المراقبين اعتبر زخم الجدل بين الطرفين بأنه مزيج من «مسرحية سياسية في شقها المباشر، واستعراض عضلات اللوبي الإسرائيلي في شقها الأعمّ».
احتفل الحزب الجمهوري ومؤيدوه والمصالح الاقتصادية الكبرى التي يمثلها سريعاً بإنجاز «قرار المراجعة» الذي اعتُبر «استسلاماً للرئيس أمام معارضة» قوية من الحزبين على الرغم من أنّ قراءة متأنية للصيغة المعلنة من اتفاق اوباما الحزب الجمهوري لا تقود الى استنتاج يؤيد مزاعم الكونغرس او بعض قياداته، إذ من الناحية العملية لن يستطيع الكونغرس تعليق أو وقف سريان مفعول الاتفاق النووي رغم الضجيج العالي الوتيرة.
تراجع أوباما وغموض خصومه
أخفق خصوم الرئيس من قيادات الحزب الجمهوري في استصدار موافقة لتثبيت حقهم في المصادقة على الاتفاق، كما طالبوا بذلك طويلاً. الإخفاق أيضاً أصاب الطرف المقابل: أوباما لم يضمن تأييد كامل ممثلي حزبه، مما كان سيعزز قراره بالفيتو الفارق الحاسم بينهما كان صوتاً واحداً في أفضل السيناريوهات. أوباما لم يستطع ضمان تأييد اكثر من 34 صوتاً من مجموع 100 صوت في مجلس الشيوخ، ولذلك برزت الصيغة «التوفيقية» التي أفضت إلى اتفاق الطرفين.
زادت حيرة المؤيدين للرئيس أوباما ليس لتراجعه السريع وغير المتوقع فحسب، بل لتنامي التأييد الشعبي لعقد اتفاق نووي مع إيران والعزوف عن الخيار العسكري لجرّ البلاد إلى مزيد من الحروب التي أنهكت كافة الشرائح الاجتماعية وتسبّبت في تردّي أوضاعها المعيشية.
استطلاعات الرأي المتعدّدة شهدت على ثبات معدلات الدعم لحلّ تفاوضي والانفراج الاقتصادي الذي سيترتب عن فتح الأسواق الإيرانية.
تراجع أو تنازل الرئيس أوباما عزز سخونة الصراع السياسي «شبه الدائم» بين السلطتين، التنفيذية والتشريعية، أسفر عن فوز الكونغرس في إظهار دوره وحتى قدرته على «منع أيّ اتفاق نووي مع إيران»، أو تحقيق توازن بين السلطتين كما يراه البعض ويشكل أحد فصول الصراع بينهما منذ بدء تشكيل النظام السياسي الأميركي.
عزز خصوم أوباما معارضتهم باستقطاب موقف مشترك من وزيري الخارجية السابقين، جورج شولتز وهنري كيسنجر، نشر في صحيفة «وول ستريت جورنال،» 8 نيسان، تعارض الاتفاق، مما شكل سابقة لمسؤولين سابقين يعارضون رئيس البلاد في مرحلة التفاوض نحو إبرام اتفاق دولي.
ردّ البيت الأبيض بحشد تأييد واسع من مسؤولين سابقين شغلوا مناصب عليا في الإدارات الاميركية، ومن الحزبين، تؤيد الاتفاق وتمديده بغية التوصل إلى اتفاق نهائي «يحفظ المصالح الأميركية الاستراتيجية». كما أعلن تباعاً نحو 30 عالم ومختصّ أميركي في الشؤون النووية ومجال الحدّ من انتشار الأسلحة النووية تأييدهم للاتفاق الذي يعدّ «خطوة إلى الأمام غاية الأهمية» للحدّ من انتشار الأسلحة وللأمن الدولي.
وأكد اولئك الخبراء والمختصون في بيانهم انّ الاتفاقية «عند تطبيقها، ستؤسّس لنظام فاعل قابل للتنفيذ والتحقق على المدى الطويل للتحصّن ضدّ إمكانية بروز دولة أخرى مسلحة نووياً في الشرق الاوسط». وحث البيان الطرفين «5+1 والمفاوضين الايرانيين على المضيّ قدماً وبثبات للانتهاء من مناقشة ما تبقى من تفصيلات تقنية، وكذلك حث صناع القرار في العواصم الأساسية تأييد المسعى والخطوات الضرورية لضمان تطبيقه في وقت مناسب يرافقه امتثال صارم مع بنود الاتفاق».
لغو الاتفاق التمهيدي
تعدّدت التفسيرات لبنود اتفاق يمهّد لاتفاق أشمل وأوسع، وقاد الى تشعّب التفسيرات وزيادة الغموض. بداية الارتباك كانت في مسرح الاتفاق، لوزان السويسرية، من إعلان دولي تمّت قراءته من قبل وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي، فيدريكا موغيريني، واكد عليه بحرفيته الجانب الإيراني. وما لبث الجانب الأميركي أن أفصح عن نصّ متشدّد يعارض بعض نصوص الاتفاق الدولي، بدءاً من الرئيس أوباما وتلاه وزير الخارجية جون كيري، عزاه البعض إلى اعتبارات داخلية أميركية، ليس إلا.
تسجيل شامل لبنود التناقض والخلاف بين الطرفين لا تخدم المشهد بقدر ما تشتت الجهد وتوفر ذخيرة لهجوم جناح الصقور في الجانب الأميركي بالدرجة الأولى، بل المرور على بعض أهمّ الجوانب التي وصفها الرئيس أوباما نفسه، إذ صرح بأنّ الجانب الإيراني وافق على عدم تشغيل النماذج المتطورة من أجهزة الطرد المركزية في المقابل، ردّت إيران بانها ستستأنف تشغيلها عقب التوقيع على الاتفاق. في الجانب التقني البحت، تشكل إجماع دولي بأنّ القضايا الخلافية تمّ التوصّل إلى حلّ في شأنها، بيد انّ القضية المحورية الشائكة بين الجانبين تتعلق بآلية رفع العقوبات وضوابطها.
وأضاف الرئيس أوباما انّ الاتفاق ينصّ على تطبيق نظام تفتيش وتحقق صارم واستحصل على تنازل إيران بشأن المفاعلات الأخرى في فودرو وآراك، مع الإيحاء بأنّ مواقع عسكرية ستخضع لذات آلية التفتيش. ردّ الجانب الإيراني لم يتأخر وطرح تفسيرات مغايرة، لا سيما في عدم السماح لأيّ فريق بالدخول إلى المواقع العسكرية، تحت ايّ ظرف او مبرّر.
مأزق أنصار أوباما
لا يختلف أحد على توصيف ما جرى ويجري من مشادّات واصطفافات بأنها تأتي لاعتبارات سياسية بالدرجة الأولى، وحسابات دقيقة للمعنيين في خوض جولة الانتخابات المقبلة. أدرك أوباما مبكراً «صلابة» معارضة بعض أعضاء حزبه والخاضعين لنفوذ «اللوبي الاسرائيلي»، وهدّد بعضهم بترك قاربه يمضي وحيداً، تحت ذريعة عدم السماح بتخطي دور الكونغرس. في الجانب الآخر، يخشى أوباما بشدّة عدم دعم الكونغرس لجهوده والمضيّ بتنفيذ تهديده «بإبطال» مفعول الاتفاق عند تسلّم الرئيس المقبل زمام الأمور.
تجدر الإشارة الى عامل موضوعي أثّر على قرار الرئيس أوباما، يتعلق بقيادة الحزب الديمقراطي في مجلس الشيوخ. إذ أعلن زعيم الأقلية في المجلس، هاري ريد، عن نيته التقاعد من المنصب السياسي عند انتهاء الدورة الحالية العام المقبل، وهو الذي كان يشكل اللحمة المطلوبة لتحشيد الدعم للرئيس أوباما بين زملائه الديمقراطيين. خليفة ريد المحتمل، السيناتور اليهودي عن ولاية نيويورك، تشاك شومر، من أشدّ مؤيدي «اسرائيل»، ومناهض للاتفاق النووي مع إيران. موقع زعيم الأقلية الديمقراطية ينطوي عليه نفوذ واسع يطاول مستويات عدة: تصدّر حملات التبرّع المالي، التحكم بتعيين زملائه الديمقراطيين في لجان الكونغرس المتعدّدة، وتاريخ طويل ينتظره في إدارة دفة مواقف وتوازنات الحزب الديمقراطي لا سيما بعد انتهاء ولاية الرئيس أوباما الحالية.
البعد القانوني لصفقة «المراجعة»
من نافل القول انّ صفقة القانون التسووية كانت ثمرة صراع النفوذ بين السلطتين أدّت «لتشريع» تدخل السلطة التشريعية في صلاحيات السلطة التنفيذية مقابل رؤية الأخيرة انها وليدة «تهميش البيت الأبيض لحقها في المصادقة على الاتفاقية» المزمعة.
حقيقة الأمر أنّ الاتفاق النووي التمهيدي يندرج تحت اتفاق السلطتين لترتيب سير العمل بينهما، بحيث تخضع بعض الاتفاقيات التي يبرمها الرئيس لمصادقة الكونغرس، إما مسبقاً او عقب التوقيع، بنسبة الأغلبية البسيطة لمجلسي الكونغرس معاً، بدلاّ من نسبة الثلثين المقرّرة داخل مجلس الشيوخ بمفرده. وسبق للسلطتين تداول الترتيبات عينها، في ظلّ أجواء جدل صاخبة أحيانا، خاصة تلك المتعلقة بمسائل التبادل التجاري، والتي يتمتع الكونغرس بصلاحية دستورية لتنظيمها. وتتجدّد دورة الصراع بصورة أكثر حدّة في أزمنة تباين الحزب المسيطر على البيت الأبيض عن المتحكم بأغلبية مجلس الشيوخ.
في شأن «قانون المراجعة» تصدّر الحزب الجمهوري مشهد المعارضة الحادّة. وتوصّل الفريقان داخل لجنة العلاقات الخارجية إلى صيغة تشترط بموجبها تقديم الرئيس النص النهائي للاتفاق النووي للكونغرس لمراجعته، كما «تحظر» على الرئيس تعليق أو إيقاف العمل بنظام العقوبات المقرّرة من قبل الكونغرس خلال الفترة الزمنية التي ستستغرقها عملية المراجعة.
كما وفرت الصيغة الوسطية مخرجاً سياسياً لمعارضي الاتفاق بالمطلق إلى عقد جلستي تصويت منفصلتين في مجلسي الكونغرس، لإتاحة الفرصة لكلّ منهما تسجيل تصويته بـ«لا»، لدوافع وحسابات سياسية صرفة. الأمر الذي سيؤدّي الى استخدام الرئيس أوباما حقه بالفيتو وهو مطمئن لدعم ما لا يقلّ عن ثلث عدد الأعضاء لضمان سريان مفعول قراره.
مضيّ الطرفين الى هذه المرحلة المنطقية في الذهاب إلى الاصطدام هو أمر مستبعد لما سيترتب عليه من تداعيات تنال من هيبة ومصداقية الولايات المتحدة على الصعيد العالمي، بعد ان توفر «ظاهرياً» احتفاظ كلّ طرف بموقفه المعلن. ايضاً، ستخضع الصيغة الوسطية لجملة من التعديلات والنقاش الحادّ عند تقديمها لمجلس النواب للتصويت عليها، قبل تقديمها رسمياً لمكتب الرئيس. وهنا تكمن المراهنة، باعتقادنا، التي قطعها الرئيس أوباما ورغبته ان تدخل بعض التعديلات لصالحه في نهاية المطاف، أو تحمّل الطرف المعارض تداعيات الضرر السياسي والاستراتيجي على المستوى الدولي.
استطاع فريق الرئيس أوباما إدخال بعض التعديلات التي تبدو سطحية في الوهلة الأولى، لكنها تصبّ في خدمته في المحصلة النهائية. تنصّ صيغة الاتفاق على تقصير فترة المراجعة الزمنية من 60 يوماً الى 30، يليها إصدار الكونغرس قرار رفع العقوبات، أو بعضها، ترسل بعدئذ للرئيس. خيار اللجوء للفيتو يستدعي تمديد فترة المراجعة 12 يوماً اضافياً، يتبعها 10 أيام أخرى للكونغرس ليصدر قراره النهائي.
الغلبة تكمن في تفصيل «بريء» استطاع الرئيس وفريقه إدخاله على الصيغة التوفيقية: الموافقة النهائية على الاتفاق النهائي تصبح أمراً محسوماً بموافقة 34 صوتاً من مجموع 100 في مجلس الشيوخ، خلال 30 يوماً، وهي ثغرة يبدو أنّ الطرف الجمهوري «اضطر» لقبولها للحفاظ على مخرج سياسي يحفظ ماء وجه الطرفين.
البعد «الإسرائيلي» والسعودي.
تتضمّن صفقة الاتفاق نصاً يلزم البيت الأبيض توفير بنود الاتفاقية الأصلية وكافة ملحقاتها السرية لمراجعة الكونغرس، خلال 5 أيام من الابرام، الأمر الذي رفضه الرئيس أوباما سابقاً بشدّة. المدّة الممنوحة للكونغرس للمراجعة، 30 يوماً، لا يسري مفعولها إلا بعد استكمال تسلّم الكونغرس كافة الوثائق المتعلقة بالاتفاق النووي. عناد الرئيس أوباما المتوقع بالالتزام الزمني سيحفز الطرف الآخر اللجوء للقضاء الذي سيصدر حكماً بعدم مشروعية قرار الرئيس، على الأرجح.
حضور «إسرائيل» في الجدل الدائر في واشنطن بقي بعيداً عن الأضواء، باستثناء خطاب نتنياهو أمام الكونغرس، 3 آذار. تغيّر المشهد سريعاً مع تغيّر المعطيات، نقلت يومية «نيويورك تايمز»، 16 نيسان، عن «وزير الاستخبارات والشؤون الاستراتيجية» في تل أبيب، يوفال ستاينتز، قوله انّ خطوة الكونغرس «تشكل إنجازاً للسياسة الاسرائيلية… وعليه ستضطر الإدارة وفريقها المفاوض بذل مزيد من الجهود لجسر الثغرات وإنجاز اتفاق بمظهر أفضل، أو على الأقل مقبول أكثر، كي يحظى بموافقة الكونغرس»، في إشارة بالغة الوضوح لحجم الضغط «الاسرائيلي» على الكونغرس.
واستفسرت شبكة ام اس ان بي سي للتلفزة خلال حمأة الجدل السياسي عن حقيقة دوافع الكونغرس الذي استنهض فجأة «ليكتشف انه يتعيّن عليه التدخل لحجز دور ما عندما يتعلق الأمر بجهود الإدارة لتفادي الانجرار الى حرب جديدة». وأحجمت عن المضيّ بالتساؤل الى نهايته خشية التطرق لدور «اسرائيل».
المؤلف الأميركي، روبرت باري، والمتخصّص في الشؤون الإيرانية، نقل عن مسؤول في الاستخبارات الاميركية، رفض الافصاح عن هويته، قوله انّ السعودية دفعت «16 مليار دولار لإسرائيل على مدى سنتين ونصف السنة»، لمساعدتها على حشد الضغط وترجيح خيار الحرب على إيران لدى إدارة الرئيس أوباما. وأضاف انّ كلا الطرفين «السعودي والإسرائيلي» رفضا التعليق على النبأ. وأردف انّ المبالغ تمّ تحويلها «عبر دولة عربية… إلى حساب مصرفي يسيطر عليه نتنياهو». وعليه، موّلت السعودية كافة جهود «اللوبي الاسرائيلي» بما فيها خطاب نتنياهو أمام الكونغرس لإفشال التقارب مع إيران.
حظوظ الاتفاق أميركياً
احتدام وتشعُّب الجدل السياسي حول بنود الاتفاق التمهيدي بين البيت الأبيض والكونغرس أدّى إلى مزيد من الإحباط والريبة في أوساط الشعب الأميركي، الذي يبقى متوجساً من صدقية الطرفين وانْ بنسب متفاوتة.
الصيغة التوافقية الراهنة تمنح الرئيس أوباما مصادقة مجلس الشيوخ بتصويت 34 عضو من حزبه الديمقراطي مع الاتفاقية، كما أسلفنا، وترجيح قرار الفيتو ضدّ خصومه إنْ لزم الأمر. في ظلّ الأجواء السياسية الراهنة من العسير التكهّن بقدرة الرئيس أوباما ضمان هذا العدد «الضئيل» الى جانبه. بيد انّ السباق الانتخابي لا يزال في بداياته وفي جعبة أوباما عدد من الخيارات «الضاغطة» باستطاعته توظيفها على الأكثر طواعية منهم. وهنا ينبغي التيقن من دور السيناتور تشاك شومر، الطامع في خلافة زعيم الأقلية الديمقراطية هاري ريد، بيد انه يستند الى تأييد حاسم من اللوبي «الاسرائيلي» وأنصاره داخل الكونغرس.
بالإشارة الى بدء موسم السباق الانتخابي في الولايات المتحدة، يستطيع الرئيس أوباما المماطلة في تقديم نصوص الاتفاق إلى ما بعد انتهاء فصل الصيف، وبدء الدورة المقبلة للكونغرس في شهر ايلول المقبل، وبهذا تتوفر لديه فرصة زمنية تمتدّ 60 يوماً قبل إقدامه على اتخاذ قرار برفع العقوبات، والمضيّ في الصدام المحتم مع الكونغرس الذي سيمتدّ على الأرجح إلى موعد عطلة عيد الميلاد ورأس السنة الجديدة.
أعلن عدد متواضع عن نيته خوض الانتخابات الرئاسية، إذ لم يتجاوز 4 أعضاء حتى اللحظة، ومن المتوقع دخول الحلبة عدد آخر من الطامعين للترشح. ولن يكون مستغرباً معارضة كافة المرشحين للاتفاقية، بمن فيهم مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، وآخرين يتطلعون إلى تجديد انتخابهم في دورة جديدة ايضاً.
لا تزال طريق التوصل إلى اتفاق نووي ملبّدة وتعترضها عقبات عدة، مرئية ومستترة. المشهد المقبل لا يؤشر الى توفر ضمانات ببلوغ الهدف، بل ربما عرقلة الجهود والاستثمار السياسي، ولن يكون مستبعداً تعثر الاتفاق ووقوعه ضحية المزايدات الانتخابية. وقد يتوقف الأمر على كيفية خوض أوباما للصراع المحتمل على كيفية إلغاء العقوبات المبرمة من الكونغرس في الفترة التي تلي التوصل إلى الاتفاق النهائي.