مشهد تقلبات النفط في السنوات الست الماضية
مرفان شيخموس
تعرض المشهد النفطي العالمي لكثير من التقلبات خلال السنوات الست الماضية، حيث مرّ بثلاث مراحل أو محطات رئيسية، شكلت كلّ منها نقطة تحول رئيسية أو انقلابية.
اتسمت المرحلة الأولى بالانهيار الكبير لأسعار النفط العالمية عام 2008، مع الأزمة الاقتصادية العالمية حيث فقد النفط آنذاك أكثر من ثلثي قيمته تاركاً آثاراً بالغة لا تزال ماثلة حتى اليوم لدى الكثير من دول العالم، باستمرار انخفاض الأسعار ليصل البرميل إلى أدنى سعر له في ثلاثة أشهر.
بلغ سعر البرميل في 11 آب 2008 نحو 112 دولاراً، وفي 15 أيلول انخفض إلى ما دون المئة دولار، للمرة الأولى خلال سبعة أشهر، وفي 11 تشرين الأول وصل إلى 77.70 دولاراً، كما تراجعت الأسهم العالمية ووصلت إلى ما دون 70 دولاراً في 16 تشرين الأول 2008. واعتباراً من 18 تشرين الثاني 2008، بلغ سعر برميل النفط 54 دولاراً للبرميل.
أما المرحلة الثانية، فقد شهدت ارتفاعاً كبيراً ومستمراً في أسعار النفط على المستوى العالمي وبدأت هذه المرحلة منذ عام 2011، حيث تجاوز سعر خام برنت مستوى 114 دولاراً للبرميل في 15 من شهر حزيران عام 2014.
وشهدت المرحلة الثالثة تدهوراً كبيراً في أسعار النفط على المستوى العالمي منذ منتصف العام الماضي، والذي بلغ ما دون حاجز الخمسين دولاراً وهو أدنى مستوى سعري له على مدار أربعة أعوام فاقداً أكثر من ثلثي قيمته السوقية في غضون ثمانية أشهر تقريباً.
من الملاحظ أنّ القاسم المشترك بين هذه المراحل الثلاث أو تحولات الانقلاب، هو ذلك التدهور أو بالمعنى الأدقّ الاضطراب والتغير المستمر الحاصل في سوق النفط العالمية وخلال فترات تعتبر قياسية إذا ما قورنت بالمتغيرات التي طرأت على السوق خلال العقود القليلة السابقة.
بالإضافة إلى ذلك، هناك عوامل اجتمعت لإحداث مثل هذه المتغيرات والمتقلبات على الساحة النفطية العالمية، سواء كانت خارجة عن سيطرة الدول المنتجة، أو نتيجة مواقف سياسية أثرت في القرارات الاقتصادية العالمية.
إنّ هذا الانخفاض في أسعار النفط على المستوى العالمي سيؤثر على الاقتصاديات العربية عموماً، والخليجية خصوصاً، والتي تعتمد في شكل كبير على الصادرات النفطية في ميزانياتها التجارية، وخصوصاً في ظلّ التوقعات الأخيرة في تقرير للبنك الدولي والذي أشار إلى أنّ متوسط سعر برميل النفط خلال عام 2015 سيكون في حدود 65 دولاراً.
وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل : هل ستكون الدول العربية قادرة على الاستمرار في برامجها التنموية في ظلّ هذه المستويات المتدنية من أسعار النفط؟
سنتطرق إلى ذلك في دراسة اقتصاديات ثلاث دول عربية من ناحية الإنتاجية النفطية، على سبيل المثال لا الحصر، وسنوضح مدى اعتماد تلك الدول على النفط في ميزانيتها التجارية.
السعودية: يشكل القطاع النفطي حوالي 45 في المئة من عائدات الموازنة للمملكة، وبالإضافة 45 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، و90 في المئة من عائدات التصدير الخارجي.
العراق: يتميز الاقتصاد العراقي باعتماده الكلي على القطاع النفطي الذي يشكل 95 في المئة من إجمالي دخل العراق.
الكويت: تمثل الصناعة النفطية أكثر من 50 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي و 95 في المئة من الصادرات و 80 في المئة من الإيرادات الحكومية.
من خلال دراسة اقتصاديات الدول الثلاث السابقة يمكن التوصل إلى نتيجتين ثابتتين وهما:
النتيجة الأولى : إذا استمرت تلك الدول في اعتماد ذلك النهج الاقتصادي «النفطي»، فإنّ مجمل ميزانياتها ستتعرض لضغوط كبيرة ولعجز خلال العقود القادمة.
النتيجة الثانية: يمكن لتلك الدول الثلاث خصوصاً، وباقي الدول العربية عموماً، التخلص من هذا الواقع الاقتصادي من خلال تقليل الاعتماد على المنتج النفطي واستغلال موارد اقتصادية أخرى، كبدائل ضمن الميزانية، بالإضافة إلى الاستفادة من تجارب العديد من الدول على المستوى الإقليمي والعالمي.
ما يدور الحديث عنه اليوم من مرحلة انقلابية في عالم النفط هو حقيقة وليس من نسج الخيال، فالمرحلة الانقلابية المقصودة اليوم هي التي ستمهد وستسمح بالانتقال من النظام الاقتصادي المتقادم إلى نظام آخر مفترض أن يكون مواكباً للمتغيرات الاقتصادية الحديثة.