هل تحرير القدس يمرّ من اليمن؟!
د. سلوى خليل الأمين
نأسف في هذا الزمن المسمّى حضارياً، أن نجد الإنسان وحشاً كاسراً، يقتل ويذبح ويدمّر ويزرع المتفجرات والسيارات المفخخة دون أن يرمش له جفن، وكلّ ذلك تحت شعار «الله أكبر»، فهل فعلاً أراد الله للناس أن تكون مجرمة وإرهابية وشريرة؟ هنا يرتسم السؤال الذي يحدونا إلى مناقشة كلّ من يدّعي الإسلام في منطقتنا العربية، أرض الرسالات، وهو واقف على حدّ السكين، يشحذه من أجل قتل الناس في بيوتها ومدنها وقراها، وعبر بث الفتن الطائفية والمذهبية والعرقية، حين الوصايا الشرعية تقول: «الفتنة أشدّ من القتل»، وحين الخالق العظيم أمر عباده المؤمنين الصالحين: «بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» واتباع التقوى هدْياً وصراطاً مستقيماً، إضافة إلى التمسّك بالسلوكيات الأخلاقية التي تهدف إلى مراعاة الجار وذوي القربى والأرحام واليتامى والمساكين والفقراء ومدّ يد العون إليهم في السراء والضراء، وعدم قتل المسلم للمسلم واحترام أهل الكتاب والرأي الآخر وهذا مثبت في القرآن الكريم «وجادلهم بالتي هي أحسن».
هذه المفارقات العجائبية تحدونا إلى رسم علامات التعجب المستنكرة، حين يمتنع حماة الديار المقدسة عن القيام بواجبهم الديني الشرعي، وأهمّها الدعوة إلى تحرير القدس، أولى القبلتين وثالث الحرمين، من رجس بني صهيون الذين ما زالوا يستبيحون حرمة المسجد الأقصى وكنيسة القيامة ولا من يسأل أو يهتمّ، أو يرفع الصوت أو يوجه طائراته لردع العدو «الإسرائيلي». لهذا نأسف أن تعود بنا الذاكرة إلى حوليات التاريخ الذي حفظنا أمثولاته في مدارسنا فاستغربنا، بعفويتنا البسيطة، هلاك الإنسان على يد أخيه الإنسان، فالبشر، كما ورد في الرسالات السماوية سواسية كأسنان المشط، أقربهم إلى الله أنفعهم لعياله، لكن من هم النافعون في هذا الزمن المروي بدماء الأطفال في قانا وغزة والعراق وسورية وأخيراً في اليمن السعيد، بشكل لا يمكن أن يتخيّله إنسان حتى لو كان من سكان غابات الأمازون.
قرأنا في الكتب مطولاً عن انهيار سدّ مآرب اليمني، بفعل عوامل طبيعية وأهمها الجفاف وانحباس المطر، علماً أنّ مرويات الأساطير كثيرة في هذا الشأن، إلا أنّ ما أودّ تسليط الضوء عليه وما هو وارد في الموسوعات التاريخية، أنّ انهيار سدّ مآرب حمل معظم القبائل اليمنية، المشهود لأبنائها بالذكاء في حلّ مشكلاتهم، بالتوجه إلى الجزيرة العربية والعراق وبلاد الشام، وتركهم بلدهم اليمن المعروف بأرض الجنّتين لجمال طبيعته وحدائقه وكرومه وكثرة أنهاره، وقد حط قسم كبير منهم في لبنان، حين كان لا يزال جزءاً من بلاد الشام، لهذا يحتم علينا الواجب دعم اليمنيين كأخوة لنا في محنتهم القاسية، التي عصفت أرياحها عليهم بحزم من الأشقاء العرب والجيران الأقربين، هؤلاء الجيران الذين لم يراعوا حرمة اليمن ولا إنسانية الإنسان فيه ولا حق الأطفال في الحياة والعيش الحضاري الكريم، ولم يأخذوا في الاعتبار صلات القرابة مع شقيق أو ذي رحم ونسب، ولا حرية الرأي، ولا حق الشعب اليمني في العدالة الاجتماعية وتدبير شؤونه الداخلية، ولا سيادة دولة معترف بها من منظمة الأمم المتحدة، انطلاقاً أولاً وأخيراً من تعاليم الإسلام الذي أوصاهم بها الرسول بالقول: «ظلّ جبرائيل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه».
لهذا لا بدّ من القول إنّ في تاريخ الأنساب والعائلات اللبنانية من هم يتحدّرون من أصول يمنية، فعائلة آل الفقيه مثلاً في الجنوب اللبناني هي يمنية من بلدة الفقيه في الجنوب اليمني، ومثالاً على ذلك ما عرفته من جدي «قدس الله سره» آية الله المجتهد الأكبر في زمانه ورئيس محكمة التمييز الجعفرية العليا العلامة الشيخ يوسف الفقيه، حين كان يشدّد القول إنّ آل الفقيه الشيعة في الجنوب اللبناني، وآل الخطيب في بلدة شحيم وهم من السنة، وآل الفقيه في عاليه وهم من الدروز، هم أبناء عمومة، جدّهم واحد وهو يمني، حلّ في لبنان بعد أحداث سدّ مآرب، لهذا عمد الإمام بدر إمام اليمن، ولم تكن يومها جمهورية مستقلة، خلال زيارته الرسمية إلى لبنان، إلى زيارة جدّي في دارته في منطقة برج أبي حيدر في بيروت، وهذا موثق ومعروف، وقد كرّرت هذه المعلومة لاحقاً أمام الرئيس علي عبدالله صالح خلال زيارته الرسمية للبنان، حين رافقته إلى مغارة جعيتا كممثلة لوزير السياحة الدكتور كرم كرم، المكلف من قبل رئيس الجمهورية اللبنانية بمرافقة الرئيس في زياراته السياحية، وكان برقفتنا أيضاً وزير الأشغال يومها الرئيس نجيب ميقاتي، «وهذا أيضا موثق بالصور»… وأكد لي صحة الرواية بالقول: نحن على علم بأنّ عدد من العائلات اللبنانية من أصول يمنية.
غاية القول: إننا معنيون كأشقاء وكأرحام بنجدة أهل اليمن وترداد قول السيد حسن نصرالله «كفى» مع ما تعنيه هذه العبارة من حرص أخوي ورحمي، يحفظ البقية الباقية من صلة الأرحام المذكورة في القرآن الكريم، لأنّ «عاصفة الحزم» هي عاصفة القهر والتسلط والمظلومية والاستبداد في زمن ينكشف فيه أيّ ادّعاء صارخ ومفبرك، بسرعة البرق، حيث امّحت الأسرار السياسية حين بات العالم مكشوفاً كله.
لهذا من العار يا عرب الصحاري أن تشدّوا عزائمكم حرباً ضروساً على أهلكم وأشقائكم في اليمن، ثم أليس من العار أن ترمي طائراتكم قذائفها الحارقة على أطفال اليمن وناسها الطيبين؟ ثم ماذا سيفعل قرار تحت الفصل السابع الذي عملتم جاهدين لاستصداره من منظمة أممية مصادرة من الصهيونية العالمية؟ وبالتالي أين حدود العقل والحق واليقين؟ وهل ارتفاع سيف الأمم المتحدة بالفصل السابع على رقاب أهل اليمن يرضي طموحاتكم الهادفة لإخضاع اليمن وقتل شعبه الآمن والسيطرة عليه وتأطيره بحجة الخوف من التمدّد الإيراني؟ أليس من العدالة والإسلام الحنيف أن يدان القاتل قبل القتيل؟ لقد جعلتم سورية مسرحاً للدواعش و«القاعدة» وكذلك العراق ولبنان أيضاً، وها هم الإرهابيون الدواعش الذين تفتح لهم خزائن بيت المال يذبحون في ليبيا عدداً من العمال الأثيوبيين المسيحيين، ويفجرون في الصومال سيارة للأمم المتحدة دون أن ترف قلوبكم وضمائركم، هل هذه الأفعال هي وصايا الرحمن الرحيم الذي أنتم خدمه والحريصون على كعبته؟
ربما غير مسموح الاعتراض أو النقد أو توجيه النصيحة من منطلق صديقك من صدقك، لأننا أصحاب قلم ندرك الحقيقة، وأنتم تريدون المرتهنين الذين يبيعون ضمائرهم وعقولهم بالمال والسلطة، لهذا تصبح وطنيتهم وقوميتهم رخيصة في سوق النخاسة، فينبرون عند كلّ منعطف لتنفيذ الأوامر، المفتوحة على مزاريب الكلام الذي لا يعرفون ألفه من يائه، بسبب جهلهم التاريخ، خصوصاً تاريخ اليمن السعيد. فهم لم يدرسوا في الكتب كيف حصل وعد بلفور، وكيف طرد الشعب الفلسطيني من أرضه، لو قرأوا ربما أخذتهم النخوة العربية إلى الوقوف جنباً إلى جنب مع كلّ مقاوم لهذا العدو «الإسرائيلي»، الذي ابتلينا به كشعوب عربية منذ العام 1947.
للأسف يظهر أنّ مفهوم الإنسانية وقوانين حقوق الإنسان أصبحت هي أيضاً في الحضيض في زمن الشحّ العربي، وتابعة لقوى الاستكبار العالمي، لهذا نجدها تهتز يميناً وشمالاً، تحرّكها مافيا عالمية، أركانها من الصهاينة، الذين ما زالوا ينشدون بناء دولتهم العظمى، التي لا خريطة حدود لها كما باقي الدول في مبنى الأمم المتحدة في نيويورك، وهذا أمر غير قابل للاعتراض من أيّ من الدول المنتسبة إلى هذه المنظمة بما فيهم العديد من الدول العربية الخاضعة، مع العلم أنهم لا يجهلون أحلام هرتزل الهادفة إلى بناء دولة «إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل» مروراً باليمن السعيد الواقف بكرامة على أسنّة الخناجر المصقولة بذهنية صافية لا تقبل الخضوع ولا الانهزام.