تقرير

كتب زلمان شوفال في «إسرائيل اليوم»:

يبدو أنّ ثمّة شهوداً على عملية مكرّرة لفيلم قديم اسمه «مسابقة بين الدول العظمى على التأثير في الشرق الأوسط». الاتفاق على بيع صواريخ مضادة للطائرات من نوع «أس 300» من روسيا لإيران، الذي احتل العناوين في الأسبوع الماضي كاستمرارٍ للاتفاق بين إيران والدول العظمى، يثير القلق، ليس فقط نظراً إلى أنه يضعضع الأمن في المنطقة، كما قال رئيس الحكومة نتنياهو للرئيس فلادمير بوتين.

إن اتفاق البيع هذا من شأنه أن يشير إلى تحوّل الشرق الأوسط من جديد إلى ساحة مواجهة سياسية شاملة بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا. صحيح أن هذه المواجهة موجودة بدرجة محدّدة بسبب الدعم الذي تعطيه موسكو لرئيس سورية بشار الأسد، في الحرب القائمة في سورية، والدعم الجزئي للولايات المتحدة الأميركية للمتمردين على نظامه، لكن هذا ما زال مواجهة مسيطر عليها، إذ إنه ليس الدعم الروسي للأسد ولا الدعم الأميركي للمتمردين هما بالحجم الذي كان يمكن للدولتين تقديمه لو أرادتا.

الصواريخ المضادة للطائرات قصة أخرى. فهي تشكل إشارة إلى مواجهة عالمية تسخن بين الدول العظمى في مجالات وساحات مختلفة. على سبيل المثال في موضوع أوكرانيا. موسكو وكأنها تقول لواشنطن: «أنتم تتدخلون في ساحتنا الخلفية، شرق أوروبا؟ نحن نتدخل في ساحتكم الخلفية، الشرق الأوسط». لا رغبة لدى «إسرائيل» في التحوّل من جديد إلى بؤرة في هذه المواجهة. لدى السوفيات، دعم العالم العربي بما في ذلك الفلسطينيين، جاء ليس فقط من اعتبارات جيوسياسية، إنما أيضاً من الكراهية العميقة للصهيونية، التي رأى فيها ستالين آنذاك العدوّ الأخطر على الشيوعية.

السوفيات زوّدوا في حينه مصر وسورية بالسلاح والتدريب بمستويات كبيرة. لكنهم أيضاً درّبوا «إرهابيين فلسطينيين». إن التزوّد بالسلاح الروسي للدول العربية استخدم تقريباً دائماً كمقدّمة، وفي ما بعد لتعزيز تطوير العلاقات السياسية. ولمصلحتنا وضع الأمور بين روسيا ما بعد السوفيات ودولة «إسرائيل» اليوم، لا بل العكس. ثمة شبكة علاقات إيجابية بالتأكيد تقريباً في كل المجالات ـ السياسية والاقتصادية والتكنولوجية والسياحية وغيرها ـ كما أن الهجرة الكبرى من روسيا لعبت في هذا دوراً كبيراً.

لكن لحالات محدّدة في المجال السياسي، هناك أحياناً قدرة على التحوّل إلى واقع غير متوقّع مسبقاً، ومواجهة بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية في منطقة مليئة بالتقلبات والمصالح المتشابكة من شأنها خلق ديناميكية غير مرغوبة من ناحيتنا. إدارة أوروبا تريد كما يبدو تقليص حضور الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط، لكن ذلك لا يعني أنها تستطيع أن تتخلّى نهائياً عن مصالحها. على كل الأحوال، سياستها غير الثابتة في هذا السياق تثير تساؤلات عدّة، والنتيجة: تشوّش الثقة وانعدامها تجاهها من قبل حلفائها القدامى، وقيام أطراف باستغلال الفرصة وعلى رأسهم إيران، التي كما أكد هنري كيسنجر وجورج شولتز في مقالهما الهامّ الأسبوع الماضي، لا تصادم حقيقياً بين مصالحها والمصالح الحقيقية للولايات المتحدة الأميركية.

إيران تستغل المواجهة المتشكلة من اجل أن تحظى بأفضليات من الجانبين: من جانب صفقة الصواريخ مع روسيا التي تمت رغم العقوبات التي لم يتم رفعها بعد، استهزأت بالتصريحات الأميركية بخصوص الانجازات التي حققها الاتفاق الآخذ في التبلور بشأن النووي. ومن جانب آخر علاقات آخذة بالدفء وتشمل تعهدا برفع العقوبات، مع الولايات المتحدة. يتضح أنه رغم أن التاريخ لا يعيد نفسه بالضرورة فان هناك ظواهر تعيد نفسها، والمواجهات بين روسيا والغرب في الشرق الاوسط هي واحدة منها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى