الحريري إلى الولايات المتحدة في مهمة إسناد سعودية…!
سومر منير صالح
وصل الرئيس سعد الحريري إلى واشنطن في زيارة تستغرق أسبوعاً، وقبلها ببضع ساعات كان قد التقى الملك السعودي سلمان في الرياض. زيارة تحمل أبعاداً ودلالات بالغة الخطورة، فالمملكة على ما يبدو وصلت إلى قناعة بأنّ حربها على اليمن كانت خطأ استراتيجياً عزّزه خذلان الحلفاء في عملية برية كان هدفها السعودي استدراج ردّ إيراني يمكن معه إجهاض الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب قبل نهاية حزيران المقبل، في تبادل واضح للأدوار مع الحليف الجديد «إسرائيل»، التي صمت رئيس وزرائها عن وعوده الانتخابية بضرب المفاعلات النووية حال توقيع الاتفاق، وهو ما لم ينفذه، بل أعطي الدور للسعودية ومصر لتنفيذه عبر استجرار إيران إلى مواجهة عسكرية مع تحالف «الحزم العربي» في اليمن. لكنّ الذكاء الإيراني والحكمة «الحوثية» أجهضا هذا السيناريو «الإسرائيلي» في الحرب مع إيران، وتورّطت بعده السعودية في الحرب اليمنية وبات حلفاؤها مقتنعين بعدم جدوى الحرب العبثية هناك، بل أضحى التحالف أنموذجاً للحرب العدوانية الواضحة المعالم. جملة هذه المتغيّرات دفعت بالمملكة إلى إعلان انتهاء «عاصفة الحزم» واستبدالها بعملية «إعادة الأمل»، تمهيداً إلى إعادة ترتيب أجندات المملكة في المنطقة برمّتها.
طبعاً «إسرائيل» لا يهمّها ما يحدث في اليمن إلا من باب النتائج المباشرة على الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب، في ظلّ تبادل وتنسيق واضحين للأدوار بين «إسرائيل» والمملكة السعودية وهو ما باء بالفشل الذريع.
لنعد قليلاً إلى الوراء بضعة أيام، حركة نشطة لعملاء وأدوات السعودية في المنطقة، فالعميل السعودي في سورية الإرهابي زهران علوش في زيارة مفاجئة إلى تركيا، بعدها بأيام قليلة زيارة سعد الحريري إلى واشنطن. نستطيع الاستنتاج من كلّ ذلك أنّ السعودية بدأت تحضّر لعمل ما ينقذها منن ورطة اليمن، بما يضمن تحقيق الهدف ذاته، وهو منع توقيع الاتفاق النووي مع الغرب، أو على الأقلّ تحصيل مكاسب سياسية في ساحات أخرى، سيناريو لن تكون «إسرائيل» غائبة عنه هذه المرة، لأنّ الفشل السعودي، مرة أخرى، سيعزّز الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب ويعزّز ثقة الغرب بإيران الدولة العقلانية والتي تتعاطى بحكمة في زمن الأزمات، وهو هاجس مشترك «إسرائيلي» سعوديّ. فأيّ مشهد تتحضّر لتنفيذه مهلكة آل سعود؟ وما هو الدور المنوط بسعد الحريري تنفيذه؟
هنالك سيناريوان محتملان تنبغي مناقشتهما، في إطار بحث السعودية عن مخرج لفشلها على كامل الجغرافيا الإقليمية. فحماقة هذا النظام ليست جديدة، مضافة إليه الرغبة «الإسرائيلية» في استجرار إيران إلى مواجهة عسكرية معها، يقودنا إلى رسم سيناريو نقل الصراع إلى سورية حيث الأدوات السعودية متوفرة والحليف «الإسرائيلي» جاهز للتدخل أيضاً عبر أدواته الإرهابية وإسنادها لوجستياً، فما تشهده الساحة السورية من تسعير الصراع فيها، ومحاولة نقله إلى العاصمة دمشق وهو ما بدأنا نلحظه من تغيّر في مواقع القتال بين الفصائل الإرهابية هناك، ومحاولة الفصائل الإرهابية زعزعة استقرار الجنوب السوري، يضع زيارة الإرهابي زهران علوش إلى تركيا في سياق أوسع من الدور السعودي المنوط به سابقاً، في محاولة منه لتوحيد فصائل الميليشيات الإرهابية العاملة بالوصاية التركية تحت قيادته، تمهيداً لتنسيق عملها بالمشيئة السعودية عند الطلب، فالمطلوب في سورية تشتيت الجيش السوري وقوات حزب الله المحاربة معه في تحضير لعمل عسكري محتمل ضدّ سورية بتنسيق سعودي ـ أردني ـ تركي، وإسناد «إسرائيلي» يضع إيران على المحك، فحلفاؤها يخوضون حروباً على كامل المحور في اليمن وسورية ولبنان والعراق، والسعودية طرف في كلّ تلك الحروب، ما يضع القيادة الإيرانية أمام استحقاق الدعم العسكري المفترض. كلّ ذلكهو عبارة عن محاولات «إسرائيلية» سعودية لاستجرار إيران إلى عمل عسكري يضع واشنطن في مأزق أيضاً، ويقوّض الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب. سيناريو استبقه الحليفان سورية وحزب الله بخطوات وتصريحات تمثلت بعملية أرياف درعا القنيطرة في الجنوب السوري التي تلت زيارة وزير الدفاع السوري فهد جاسم الفريج إلى الجنوب وما تلاها من إنجازات عسكرية هناك، مضافاً إلى بدء حسم معركة إدلب وحلب لصالح الجيش السوري، وتصريحات أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله «لا تجرّبونا»، في إشارة إلى نية الحسم في أي محاولة داخلية أو خارجية للانقضاض على حزب الله في لبنان.
بالعودة إلى الدور الحريري في أميركا، وضمن هذا السيناريو تكون مهمّة الحريري إقناع واشنطن بجدوى نقل الصراع، وبمعنى أدقّ نقل أو امتداد «عاصفة الحزم» إلى سورية، والتي كان الحريري نفسه مفاوضاً عن السعودية لإقناع إدارة اوباما بجدواها، إضافة إلى إقناع واشنطن بردع روسيا إذا ما قرّرت التتدخل بأيّ شكل من الأشكال في العدوان المحتمل على سورية.
أما السيناريو الثاني فهو كالسيناريو الأول يحمل رغبة سعودية في الخروج من المستنقع اليمني، بعد فشل الأهداف الداخلية والخارجية للعدوان، فبدأت تبحث عن نصر سياسي يغطي فشلها في اليمن، تكون الساحة اللبنانية منطلقاً له، مستفيدة من عدة عوامل في مقدمها انشغال حزب الله في سورية، واستغلال المحكمة الدولية لإضعاف حزب الله في الداخل اللبناني، وانشغال سورية في أزمتها الداخلية، وبعد إيران الجغرافي عن لبنان بما يمنع الدعم اللازم عند الضرورة، فقد نشهد انقضاضاً على السلطة في موقعي رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، هنا يكون الدور الحريري في واشنطن إقناع إدارة أوباما بعدم ممانعة ضربة عسكرية «إسرائيلية» إلى حزب الله في لبنان عبر توفير غطاء سياسي عربي «حريري» لمثل هذه الضربة العسكرية، تكون في محصلتها إضعاف حزب الله وإحكام السيطرة على لبنان لصالح المملكة السعودية.
على ما يبدو، فإنّ المملكة السعودية لم تستوعب التغيّرات الحاصلة في الاستراتيجية الأميركية والرغبة في الخروج من أزمات «الشرق الأوسط»، ولم تتنبّه بعد إلى النوايا التركية في وراثة الدور السعودي في المنطقة، فقصر نظر السعودية وتهوّر أمرائها حوّلا المملكة إلى أداة لتنفيذ أجندات الغير وفي مقدمهم «إسرائيل»، ولكن مهما تكن النوايا السعودية في المنطقة ومعها الدور الحريري المرتقب، إلا أنّ الثابت أنّ حلفاء إيران قادرون على خوض الحرب بمفردهم، فالتجربة اليمنية الحوثية الراهنة عززت نظرية قدرة حلفاء إيران على الصمود في وجه عواصف العدوان السعودية ـ «الإسرائيلية» التي رسّخها سابقاً نموذج المقاومة اللبنانية، انطلاقاً من أيار 2000 إلى تموز 2006، وقد قالها السيد حسن نصرالله «لا تجرّبونا» لأنّ حسم المعركة في سورية وحسمها في لبنان سيكون بانتصار مشترك في العمق «الإسرائيلي».
السيد نصرالله قد وعد وحذر… وإننا على ثقة بالنصر وعلى موعد معه.
باحث بدرجة دكتوراه
في العلوم السياسية