آخر الكلام همروجة إعلامية مدفوعة الأجر

شبلي بدر

لا شك في أن الفساد طاول مؤسسات عدة في الدولة اللبنانية بنسب متفاوتة، ولم تنج من تداعياته إلا مؤسسة الجيش اللبناني، ومع ذلك لم تسْلَم من الحملات الظالمة التي طاولتها على ألسنة السوء، بحصانة أم بغير حصانة. مؤسسة تنحني الجباه أمام دماء شهدائها ضباطاً ورتباء وأفراداً منذ تأسيسها حتى اليوم، مؤسسة لم ينخرها سوس الطائفية والمذهبية، كانت وما زالت الضامن الأوحد لتحصين البلاد من التطرف والتكفير والعهر السياسي، إذ دفعت وتدفع كل يوم ضريبة الحرية والسيادة دماءً وعرقاً وجهداً على مساحة الوطن.

كان لزاماً على المسؤولين اللبنانيين إعطاء الأولوية لدعم جميع المؤسسات الأمنية وبخاصة مؤسسة الجيش اللبناني، دعماً فعلياً لا كلامياً، لو أن التواضع والتضحية عرفا إلى وطنيتهم سبيلاً، ولم تكن تلك المؤسسة بحاجة إلى «مِنَحٍ وهبات خارجية» لا تسمن ولا تغني، كما جرى بالأمس، لأن ما وصل من أعتدة وأسلحة كان يجب أن يكون بحوزتها منذ أمد بعيد وبكميات أكبر وتنوع أكثر، وليس نتفاً من حاجاتها الضرورية لتبقى صامدة بوجه الرياح التكفيرية العاتية التي تهب على لبنان والمنطقة.

المساعدات التي وصلت أخيراً، على رغم هزالتها، ما زالت تخضع للشروط الغربية والأوروبية، ألا يكون من ضمنها أسلحة نوعية تمكِّن الجيش اللبناني من الوقوف بوجه الغطرسة «الإسرائيلية»؟ وما يقدم للبنان لا يلبي الحاجات الدفاعية المطلوبة، وبالإمكان الحصول عليه من أية مصادر في أي وقت وزمان، ومن المخجل أيضاً أن جوقة المطبّلين والمهللين يستغلون تلك المناسبات لتقديم فروض الطاعة وتعفير الجباه على أعتاب من يدمر البلاد العربية ويمارس القتل والتشريد بحق الشعوب التائقة الى الحرية، ويموَّل جحافل التكفيريين والمتهودين ويدَّعي في الوقت ذاته أنه حريص على حماية «الديمقراطية»، لا بل يطلق «عواصف الحزم» لنشرها دماراً ومحارق جماعية للنساء والأطفال الأبرياء، التي أسفرت عن إعلان فشله بالأمس وإفلاس بنك أهدافه الذي أجبره على وقف القتل المتعمَّد وتراجعه إلى خطوطه الخلفية.

استغل المنهزمون والوصوليون تسلم جزء بسيط مما تحتاجه المؤسسة العسكرية من عتاد وأسلحة، وتجمهروا زرافات وطافوا بيافطاتهم وإعلاناتهم في بعض وسائل الإعلام، الممولة من «ديمقراطية الرمال»، مساعدات قد يمتد تسليمها إلى سنوات وسنوات، وحتماً لن تحتوي على ما تحتاجه المؤسسة العسكرية من أسلحة متطورة تشكل ردعاً حاسماً «لإسرائيل» وللمعتدين على سيادة البلاد واستقلالها، وقد تتوقف تلك المساعدات في أية لحظة، إذا ما أزعج أحد ما «سمو الملك» أو «الأمير»، أو لم تأت المستجدات الميدانية ورياح المقاومة، بما لا تشتهيه قوافل العير في صحراء الغباء والبداوة.

«أكبر نعمة وهبها الله لصغار النفوس هي الغرور»، فضلاً عن الغباء الذي يسيطر على بعض العقول، إذ أن بعض «منسّقي الأمانات»، يرضون بجزئيات بسيطة من «المساعدات» المدفوعة أثمانها بشكل أو بآخر، ويرفضون تسليح المؤسسة العسكرية بما تحتاجه من دون قيد أو شرط وبالمجان من دولة فاعلة في محور المقاومة، فقط لأنها تقف بصدق وحزم في وجه «الدولة اليهودية» وفي وجه من يدعمها ويتماهى معها ويساندها في حروب التدمير الممنهج على مدى العالم العربي، ذلك خدمة للذين يعيشون مع غرائزهم وبداواتهم لا مع عقولهم إذا وجدت ، بل مع توجهاتهم التكفيرية ويهوديتهم النتنة.

ما أنفق حتى اليوم على مثل تلك «الهمروجة الإعلامية» أخيراً، وما واكبها من دعايات وحرق بخور التبجيل والتعظيم والانحناء أمام «عسيرها ويسيرها»، منذ ولادة هذا الكيان على رغم مساوئ نظامه الطائفي، وما أنفقته «مملكة الحزم» على شراء الذمم ومحاولات كم الأفواه الحرة، لو حوِّلت أرقامه إلى المؤسسة العسكرية لكان كفيلاً بوضع حد فاصل لمن تسوِّل له نفسه التطاول على سيادة البلاد واستقلالها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى