سليمان تقيّ الدين: شيخ عقل

ـ مَن عرف هذا المناضل والمفكّر، كان يعرف أن أمامه قامة رجلٍ يشبه رسمه في الذاكرة كتاب، وبحث جامعي مفتوح، لسان يتأنّى في انتقاء كلماته إجلالاً للغة القرآن الذي يحب فيه جذل الكلام، ويحبّ من الإغريق علم سقراط ومعادلات أرسطو وأحلام أفلاطون، ويحبّ من كلّ عقائد الأرض القانون.

ـ سليمان تقيّ الدين ثورة الداخل التي لا تحمل بصمتها عضلات الوجه الهادئ والصوت الخفيض، حيث القوة في الموقف لا صراخاً ولا هي تشنّج الفك وتقلّص خطوط الجبين وعقدة الحاجبين. ففي ذروة الغضب سليمان حليم، كشيخ آل تقيّ الدين، الشيخ الراحل حليم تقيّ الدين، ذلك الشيخ الحليم والتقيّ الديّن، لم يأخذ سليمان من أسرته التي أورثته المشيخة إلا الحلم بتشكيلاته المتعدّدة، أن يكون حالماً وأن يكون حليماً.

ـ سليمان تقيّ الدين سيولة عقل يلبّي صاحبة في فكّ أسرار المعادلات وألغازها، كنّا نلتقي ونتداول ونتّفق على أنّ مِن الواجب فعل شيء. ثم لمّا نهمّ بالخطوة الأولى، نطرح السؤال: هل هو تحقيقٌ للذات وإرضاء للكبرياء، أم تلبيةً لضرورة؟ فنتساءل عن الضرورة، لا بدرجة السوء الذي عليه واقع الحال وهو الأسوأ، ولا في الحاجة إلى التغيير، وهو الآسن الذي آن من زمان أوان ضخّ مياه جديدة فيه، بل الضرورة الموضوعية التي تطرق باب التاريخ بما يتعدّى النقّ والشكوى في الصالونات، بينما شهادة صناديق الاقتراع ما زالت تقول: كما تكونوا يولّى عليكم. فخير لنا تنسّك القلم والحبر، ومحراب الفكر، شهادة حق، من أن نصير رقماً في الفعاليات التي تبحث عن اسم وتستدعي التنافس غير المشروع، مع كيانات لا فرصة لصراع متكافئ معها، فالثورة ليست فعل الثوار، بل فعل الشعب أولاً، يتقدّمهم الثوار بالفكر والنضال والإقدام. وما تهيّب سليمان هذه المهمة يوم وقع الاجتياح «الإسرائيلي» كواحد من رجال جبهة المقاومة الوطنية.

ـ سليمان تقيّ الدين عاش شيخ عقل، ورحل شيخ عقل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى