الانتحار بحراً
بلال شرارة
هنالك حرب غير منظورة أخبارها متفرّقة، إذ يغرق سنوياً العشرات من مواطني العالم الثالث العربي- الأفريقي في مياه البحر الأبيض المتوسط بشكل خاص وبحور العالم المتفرّقة بشكل عام التي تحوّلت إلى مقابر للمتوسطيين والشرقيين، والسبب الهرب من الحروب الكبيرة والصغيرة داخل بلدانهم أو على حدودها.
لم نسمع حتى الآن مسؤولاً حكومياً شرق أوسطيّ، أو من معارضته، يبدي اهتماماً بكلّ الموت الجاري غرقاً، وبالأسباب التي دفعت الموتى إلى الانتحار غرقاً على سبيل المعرفة. هنا نشير إلى المعلومات التالية:
لقي أكثر من 360 أفريقياً حتفهم عندما اشتعلت النار في قارب صيد كانوا يستقلونه في تشرين الأول 2013، وكان سبق ذلك غرق 80 شخصاً على متن العبارة الإندونيسية في 28/9/2013، و200 شخص على شواطئ صقلية في 11/10/2013، و19 شخصاً على شواطئ أوغندا في 22/3/2014، و58 شخصاً في بحر إيجه في 19/4/2015.
ربما لم يتنبه أحد إلى الكارثة البحرية الأخيرة التي راح ضحيتها 700 مهاجر في غرق القارب المكتظ بهم على بعد 126 كيلومتراً من الشواطئ الليبية في البحر المتوسط، وربما وهذا غير مؤكد يتنبه المسؤولون العرب إلى غرق أعداد أخرى قبالة جزيرة رودوس.
الهرب مستمرّ من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى جنة الاتحاد الاوروبي عبر بحار الموت بواسطة تجار بشر على متن قوارب قديمة وغير صالحة، ومن دون أيّ رادع، ووسط الفوضى «البناءة» التي تعمّ بلداننا.
أعداد الموتى بحراً لن تنخفض، والناس سيبقون يبحثون عن وسيلة للمغادرة لأنّ تكاليف الغربة في الأوطان أكثر من تكاليف الغربة خارج الأوطان، التي تزداد وسط الحرائق المستمرة التي تقتل الأنفس وتدمّر الممتلكات، والناس في بلدانهم يبحثون عن نعمتين مفقودتين: الصحة والأمان فمن يوفرهما؟
عندنا في الشرق وشمال أفريقيا، بل وكلّ أفريقيا، لا يوجد عند المسؤولين في الموالاة والمعارضة مسؤولية أخلاقية ، حيث يتركون الناس لمصيرهم، فإذا نجوا من تبادل القصف والتهجير الإرهابي كمثل الذي نشاهده في الأنبار، وقبله أتباع الديانات المسيحية في الموصل العراقية ، وكذلك في مكان إقامتهم السورية وهجرة الناس بعد جرائم الإعدام الداعشية للمسيحيين المصريين والأثيوبيين في ليبيا – فإذا نجوا – فإنّ الكوارث البحرية بانتظارهم في البحور وخصوصاً المتوسط – البحر المتوسط – حيث تقبع في الأعماق حكايات البحارة الذين غرقوا وهم يهاجمون أو يدافعون عن طرق الملاحة والتجارة البحرية، وذلك وهم يسعون إلى الأمان ولقمة العيش الكريمة.
هذا الأسبوع ستشهد أوروبا قمة استثنائية يوم الخميس 23 نيسان لبحث مسألة الهجرة، فيما طالبت أصوات أوروبية بـ«دعم التحرك لحماية المهاجرين في البحر المتوسط» أو إنشاء مخيمات في الشرق الأوسط وأفريقيا تسمح بطلب اللجوء في أماكن إقامة الناس.
فإذا كان الوقت قد حان أوروبياً لكي تصدر خلال شهر استراتيجية جديدة للاتحاد حول الهجرة، ولكي يتعامل الاتحاد الأوروبي الجار على الشاطئ المقابل للمتوسط من دون تأخير لإنقاذ أرواح المهاجرين وحماية حدوده ومحاربة الاتجار بالبشر، فلماذا لا تعقد طاولة مستديرة في إحدى الدول المتوسطية الأفريقية على سبيل التحديد من دول الجوار الليبي تضمّ الموالاة والمعارضات في كلّ الشرق المتوسطي وأفريقيا تبحث في الموت المشترك غرقاً للمواطنين وضبط حدودنا البحرية ومنع الاتجار بالبشر؟
صدقية أوروبا على المحك نعم، ولكن أين الصدقية المتوسطية لبلداننا؟ من المسؤول عن هذا الموت؟
البابا فرنسيس يناشد المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات حاسمة وسريعة لتفادي وقوع مزيد من الكوارث، وكذلك الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ورئيس الوزراء الإسباني، ومسؤولة السياسة الخارجية الأوروبية ورئيس الوزراء الإيطالي ورئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز… كلّ هؤلاء يطالبون… فلماذا لا نتعلم؟
ترى هل يقع الموت البحري خارج اهتمام المرجعيات الدينية الشرقية والأفريقية؟ هل يقع الموت خارج اهتمامات المسؤولين في موالاتنا ومعارضتنا؟
وآخر الأسئلة: سؤال للبحار وللبحر المتوسط بشكل خاص متى تتوقف عن ابتلاع الناس وتشبع من موتنا؟
الحمد لله أنني لا أجيد السباحة والمشاطأة.