اتجاهات

توفيق المحمود

في الرابع والعشرين من نيسان من كلّ عام يُحيي الأرمن والسريان في العالم ذكرى المذبحة التي اقترفها العثمانيون عام 1915 بحق الأرمن والتي ذهب ضحيتها ما يقارب مليون ونصف مليون من أبناء تلك المنطقة.

وهذه المذبحة لم تكن عفوية بل هي في الواقع حرب إبادة للوجود المسيحي في تلك المنطقة، كما وصفها بابا الفاتيكان فرنسيس الأول في الـ12 من نيسان خلال ترأسه قداساً احتفالياً بكاتدرائية القديس بطرس في روما، وأكد أن المجازر التي ارتكبت من قبل السلطنة العثمانية بحق الأرمن إبادة ويعتبر البابا فرنسيس أول بابا يسمي مذبحة الأرمن «إبادة» بشكل صريح، في مجازفة بإثارة غضب تركيا في ذكرى إبادة الأرمن قبل 100 عام.

هذه الإبادة الجماعية لم يكن لها أي رد فعل دولي رادع لوقفها وإدانتها واستنكارها ومعاقبة مرتكبيها، بل واجهت صمتاً دولياً مخزياً ومؤلماً، هذا الصمت أدى إلى تهجير وطرد المسيحيين من تلك المنطقة إلا في بعض الحالات فقد صوت البرلمان الأوروبي في الـ15 من نيسان بغالبية ساحقة على قرار حول المجازر التي ارتكبت بحق الأرمن قبل مئة عام في عهد السلطنة العثمانية وصفها خلاله بالإبادة الجماعية، ولكنه اعتبر القرار غير ملزم وطالب الحكومة التركية بالاعتراف بوقوع هذه المذابح عام 1915 وعدم الاستمرار في إنكارها، داعياً تركيا إلى تحمل مسؤولية ماضيها وانتقدت خلال الجلسة تصريحات رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان والتي عبر فيها عن رفضه الشديد الاعتراف بأن ما حدث للأرمن هو إبادة جماعية ويبدو التصعيد الأوروبي والنفخ في المسألة الأرمينية التركية، مقصوداً لسد الطريق نهائياً على دخول أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي وبخاصة بعد مطالبة القرار المفوضية الأوروبية بالعمل على وضع مسألة الاعتراف بمذابح الأرمن كشرط لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.

أما البيت الأبيض فدعا إلى اعتراف كامل وصريح بالوقائع المرتبطة بالمجزرة التي ارتكبت بحق الأرمن قبل مئة عام، لكنه تجنب وعلى عكس نهج الكونغرس الذي وصف المذابح التي حدثت بحق الأرمن بـ»الإبادة الجماعية» على رغم أن أوباما وعد قبل انتخابه رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، في 2009 الأرمن الأميركيين، بالاعتراف بالإبادة الجماعية لآبائهم على يد الأتراك، إلا أنه يتحاشى ذكر ذلك من أجل عدم إغضاب طفله المدلل رجب طيب أردوغان صاحب اليد الطولى في أماكن مصلحة الأميركيين في المنطقة.

ولكن على رغم اعتراف دول عدة حول العالم وغالبية المنظمات الدولية الرئيسة وفي مقدمها الأمم المتحدة، والبرلمان الأوروبي ومجلس الكنائس العالمي وأخيراً الفاتيكان بأن المذابح في حق الأرمن كانت إبادة جماعية، فإن عدم وجود أي رد فعل عملي وحاسم ضد مقترفيها أدى إلى تكرار وقوع مثل هذه المجازر في شمال العراق، وفي بعض المناطق السورية على يد غلاة التطرف الذين يَدّعون الانتماء للدين الإسلامي، والإسلام منهم براء وداعمهم الرئيسي أردوغان وحزبه فهو يعمل على تسليحهم وتدريبهم ويسهل مرورهم للعراق وسورية، وأبرزها المجازر التي ارتكبت بحق المسيحيين في سهل نينوى بالعراق، وبلدة تل تمر في سورية.

أخيراً بعد مرور قرن على المجزرة التي ارتكبها العثمانيون بحق الأرمن، المشهد يتكرر بعد مئة عام في سورية والعراق عبر تهجير وتشريد الأرمن والأقليات الدينية على يد إرهابيين يدعمهم أردوغان.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى