بقرادونيان: قضية الإبادة عربية – أرمنية أقوى من المصالح والتسويات مع دولة قامت على أشلاء الشهداء
احتفل الأرمن اللبنانيون أمس بالذكرى المئوية للإبادة الأرمنية، بمسيرة حاشدة انطلقت من الكاثوليكوسية في انطلياس بعد قداس إلهي، إلى ملعب بلدية برج حمود، وذلك بدعوة من الاحزاب الأرمنية الثلاثة الطاشناق والهانشاك والرمغافار، وضمت حشداً من الفاعليات السياسية اللبنانية والمواطنين، استتبعت بمهرجان خطابي في الملعب، وتقدم الحضور ممثل رئيس مجلس النواب نبيه بري النائب علي بزي، ممثل رئيس مجلس الوزراء تمام سلام وزير السياحة ميشال فرعون، ونواب وممثلون عن نواب وأحزب. ومثّل الحزب السوري القومي الاجتماعي وفد مركزي ضمّ نائب رئيس الحزب توفيق مهنا، عضو الكتلة القومية النائب د. مروان فارس، عضو المجلس الأعلى الأمين العام لمؤتمر الأحزاب العربية قاسم صالح، المندوب السياسي لجبل لبنان الشمالي نجيب خنيصر، منفذ عام الضاحية الشرقية أنطون يزبك ومنفذ عام المتن الشمالي سمعان الخراط.
وألقيت خلال الاحتفال كلمات باللغة العربية للأحزاب الأرمنية الثلاثة، فطالب الأمين العام لحزب الطاشناق النائب هاغوب بقرادونيان السلطات التركية بـ«الاعتراف بمسؤوليتها عن الإبادة الأرمنية والتعويض عن الخسائر البشرية والمعنوية والاقتصادية»، مشدداً على ان «على دول العالم وعلى رأسها أميركا وعلى تركيا الوريث الشرعي للسلطنة العثمانية مسؤولية كبيرة لإعادة إنعاش الذاكرة والمصالحة مع ماضيها وحاضرها».
كما طالب الدول العربية بالاعتراف بمسؤولية تركيا عن الإبادة، لافتاً إلى أن «الشعوب العربية عاشت الظلم والقهر 4 قرون من الإحتلال وقتل المسيحيين والمسلمين في لبنان وسورية والعراق والمجاعة المفروضة على جبل لبنان ومشانق 6 أيار، تجعل من قضية الإبادة عربية أرمنية أقوى من المصالح الاقتصادية والتسويات مع دولة قامت على أشلاء الشهداء الأبطال وأبقت على تحالفاتها مع العدو الإسرائيلي»، مؤكداً أن «الحلم التركي الاستعماري لن يتحقق ونحن هنا وسنبقى هنا، نجتمع لنتذكر وكي لا يتكرر هناك مسؤولية دولية على الجميع ان يتحملها لأن جريمة واحدة من دون عقاب تفتح الباب أمام جرائم كبرى».
وأضاف: «كلفني رئيس مجلس النواب نبيه بري باسم رئاسة المجلس النيابي بالإشارة إلى أن رئاسة المجلس كانت ولا تزال على موقفها من قرار المجلس الصادر في عام 2000 والذي تم ابلاغه إلى الجمهورية الأرمينية»، شاكراً لبري موقفه المشرف، ومثمناً موقف مجلس الوزراء ورئيس الحكومة تمام سلام بالتضامن مع الشعب والموافقة على قرار وزير التربية الياس بو صعب بتعطيل المدارس يوم أمس.
وشدد على أن «هذه المواقف خير دليل على إنعاش الذاكرة الجماعية والشعور بضرورة التكاتف والتضامن لمراجعة التاريخ ومواجهة مؤامرات تقسيم المنطقة وإعادة تنفيذ مخططات مرّ عليها الزمن وسقط مئات الآلاف الشهداء لإفشالها». وقال: «في زمن الصمت والشعارات الرنانة وإنكار الحقيقة وفي زمن ارتكاب الجرائم باسم الدين والدين بعيد من هذه الجرائم، والإستغلال الدائم لمصالح اقتصادية، في زمن الهروب من تحمل المسؤولية ورفض معاقبة المجرمين نجتمع لنتذكر كي لا تتكرر ولنطالب ونجتمع نحن ضحايا الإبادة وضحايا الصمت الدولي ومصالح الدول التي تتحدث عن العدالة وتشن الحروب باسم حقوق الانسان».
ودعا رئيس حزب الهاشناك الكسندر كشكريان السلطات التركية إلى «مواجهة ماضيها بصدق، والاعتراف بالإبادة هو الخطوة الأولى فقط ومرحلة أولية لمحاولة خلق جو من الثقة، التي فقدت منذ 100 عام».
ومن موقع الضحية توجه الى الشعب التركي بالقول: «إننا لسنا هواة أحقاد بل دعاة سلام ونرفض الحروب والإبادات، في كافة أصقاع الارض ونتضامن مع المظلوم ضد الظالم، نحن ثوار حق، وثورتنا ليست موجهة ضد الدين الاسلامي، ثورتنا موجهة الى من يستغلكم ليظل قابعاً على عرش من ظلم ويحلم بسلطنة لم يعد لها مكان بالعالم الحر».
وقال رئيس حزب الرمغافار مايك فيجيان: «نحن في لبنان وعلى رغم الخلافات التي تعصف بالقوى السياسية، إلا أن الجميع متفق على أحقية الاعتراف بالابادة الأرمنية، وإن كنا تجنبنا الخوض في التفاصيل داخل لبنان فذلك من أجل وحدة الموقف اللبناني، وستبقى الدماء التي اسيلت حرة، ولن ننسى لن نسامح».
آرام الأول: ليست لقضيتنا علاقة بالدين
وكان كاثوليكوس الأرمن الأرثوذكس لبيت كيليكيا آرام الأول كيشيشيان رأس القداس الإلهي لراحة أنفس المليون ونصف المليون شهيد، في كاثوليكوسية الأرمن لبيت كيليكيا في انطلياس، في حضور وزراء ونواب وأعضاء من السلك الدبلوماسي وفاعليات دينية واجتماعية وحشد من المؤمنين.
ودشن الكاثوليكوس آرام الأول النصب التذكاري الذي أقيم تخليداً للمناسبة والذي يضم رفات بعض الشهداء الذين سقطوا ضحية الإبادة. وألقى كلمة بعنوان «نطالب بالعدالة» قال فيها:
«إن الحكومة العثمانية التركية أرادت إبادة الشعب الأرميني وإقتلاعه من عائلة الأمم وحذف أرمينيا من خريطة العالم. واليوم، وبعد مئة عام تبقى أرمينيا على خريطة العالم باستقلال تام وللأمة الأرمينية مكانتها الخاصة في المجتمع الدولي». وأضاف: «لم ننتصر فقط على الإبادة وننجو منها بل بإيماننا وعزمنا القويين ناضلنا من أجل حقوقنا العادلة. فكفاحنا من أجل العدالة، أي الاعتراف بالإبادة لم يكن سهلاً. لقد واجهنا صعوبات جمة وعقبات مصيرية ولكن بقينا ملتزمين بقوة إرثنا المقدس ألا وهو أرث المليون ونصف المليون شهيد».
وأضاف: «نحن لا نعتبر تركيا عدونا ولكن لنا مطالب محقة وعادلة منها. إن أجداد تركيا الحالية أبادوا أجدادنا ضمن خطة مدروسة ومنفذة بمنهجية محترفة. لقد دمروا واستولوا على أديرتنا وكنائسنا والأملاك الفردية وأملاك أمتنا ومدارسنا ومؤسساتنا الوطنية والإجتماعية ومن ضمنها الأملاك الخاصة والأوقاف ودور العبادة والعلم والثقافة ومخطوطاتنا التي لا تقدر بالقيمة المادية». وشدد على ان تركيا «لا تستطيع بمزاياها الجيوسياسية والدبلوماسية والإقتصادية والمالية حجب الحقيقة التاريخية. ولا يستطيع القادة الأتراك إسكات صوت العدالة. نحن لا نطلب من تركيا التعزية، بل نطالبها بالإعتراف بالإبادة الأرمينية وإحقاق العدالة».
من المهم جداً تسليط الضوء على حقيقة تاريخية بأن الإبادة ضد الشعب الأرميني قد خططت ونفذت من قبل السلطنة العثمانية التركية حسب المخطط الطوراني، أي الإيديولوجية الوطنية لحزب الإتحاد والترقي الحاكم آنذاك التي كانت تهدف إلى إزالة شعب بأكمله من أرضه والتخلص منه بإبادة جماعية. وهذا المشروع الطوراني كان يهدف إلى توحيد كل الشعوب والأتنيات التركية عرقياً وثقافياً في آسيا الوسطى والشرق الأدنى في إمبراطورية طورانية. وكان الشعب الأرميني أكثر الشعوب المستهدفة فالأرمن كانوا متجذرين في أرض كيليكيا وأرمينيا الغربية منذ القدم وكان منظماً إقتصادياً واجتماعياً وثقافياً. وقد اعتبر بنظر هذا الحزب الاتحاد والترقي عائقاً لهذا المشروع، لذا قرر وخطط إزالته كلياً من الوجود بإبادة جماعية ومجازر فظيعة».
وتابع «اليوم، تشوه تركيا الحقائق التاريخية بإضفاء الطابع الديني لمطالبتنا بالعدالة. ليس لقضيتنا أي علاقة بالدين. لقد عاش الأرمن مع المسلمين والعرب منذ القرن السابع ميلادي جنباً إلى جنب في مناطق تواجدهم بإحترام متبادل وتفاهم. نحن ممتنون لإخواننا العرب الذين فتحوا ديارهم أمام الناجين من الإبادة والمجازر وتقاسموا خبزهم وبيوتهم. أما العالم العربي، وبخاصة لبنان وسورية، فأصبح مركزاً للنهضة الأرمينية. نعرب عن أمتناننا للمنظمات الإنسانية والدينية الفرنسية والأميركية والسويسرية والدنماركية التي ساهمت بمختلف الوسائل لإنقاذ أبنائنا الناجين من المجازر. ونعرب عن امتناننا وتقديرنا لجميع الحكومات والمنظمات التي اعترفت رسمياً بالإبادة الأرمنية. ونتوقع من الدول المدافعة عن العدالة وحقوق الإنسان والحكومات التي لم تعترف بعد أن تدين جرائم الإبادة الجماعية بحق الشعب الأرميني في أوائل القرن العشرين وتساند قضية شعبنا. إن مساندة المجتمع الدولي هي في غاية الأهمية بالنسبة الى قضيتنا العادلة والمحقة».
واختتم: «نحن نرفض العنف والكراهية بكل أشكالها وأنواعها. نحن نؤمن بالسلام المبني على العدالة والتصالح بين الشعوب والأمم والأديان والدول المبنية على حقوق الإنسان والعدالة والتفاهم المتبادل والإحترام. هذه القيم والمبادئ تعزز نضال أمتنا واستمراريتها».
مواقف متضامنة وقرع أجراس حزناً
وبالتزامن، قرعت أجراس دير سيدة البلمند البطريركي مئة مرة حزناً على ضحايا الابادة الجماعية للشعب الارميني في العام 1915، ورفعت الصلوات بناء لتوجيهات بطريرك انطاكيا وسائر المشرق للروم الارثوذكس يوحنا العاشر اليازجي، الى مطارنة الابرشيات والأساقفة. فيما صدرت مواقف
متضامنة مع الشعب الأرميني وقضيته.
فرأى الرئيس العماد إميل لحود في بيان صدر عن مكتبه الاعلامي: «إن الذكرى المئوية للإبادة الارمنية إنما هي مناسبة، ليس فقط للتذكير بهذه المأساة الانسانية التي قضت على اعداد غفيرة من شعب كبير وحي، يعود تاريخه الى المسيحيين الاوائل، بل أيضاً لأخذ العبرة من أن الشعوب الحية لا يمكن لأي جائر ومستبد وظالم ان يقضي عليها وعلى ثقافتها وحضارتها وتراثها».
وقال: «بادر السلطان عبدالحميد الثاني إلى قتل الأرمن والسريان والكلدان والآشوريين، وإلى فرض حصار بالتزامن على مسيحيي جبل لبنان ما أدى الى المجاعة الكبرى التي أودت بحياة أربعين في المئة من سكان هذا الجبل الأشم في حينه».
وأضاف: «إن الشعلة لا تزال حية، وإن سلطان بني عثمان في العهد الحديث لا يستطيع التنكر لجرائم أجداده، وهي جرائم ضد الانسانية بامتياز، وبعضها استمر بعد نشأة الدولة التركية. الا أن الأنكى أن السلطان الجديد تحركت غرائزه باتجاه كسب في الريف اللاذقي لسورية بحجة استعادة رفات مؤسس السلالة، وهو اليوم يعقد مؤتمراً للسلام في إسطنبول، ما من شأنه أن يحرك السكين في الجروح التي لم تندمل بعد ولن تندمل قبل ان يصار الى الاعتراف بالابادة والتعويض عما لحق بشعوب بأكملها من قتل وتهجير وتدمير للممتلكات والرموز الدينية والحضارية».
وتابع لحود: «معيب أن لا تقدم الدولة اللبنانية على يوم حداد وطني بمناسبة ذكرى هذه المئوية التي تخص كل إنسان وكل لبناني على مختلف انتماءاته، ولا ضير من التذكير أن الطائفة الأرمنية الكريمة تجاوزت كل التجاذبات والانقسامات السياسية لتتحد وتقول كلمتها الواحدة: نطالب ولا ننسى». ولفت إلى «أن الطائف جعل من الطائفة الأرمنية الطائفة المؤسسة السابعة»، معتبراً «ان ما اصاب هذه الطائفة انما يصيب الانسانية جمعاء واللبنانيين والسوريين عامة. لا يموت حق يقف وراءه مطالب».
وقال الرئيس ميشال سليمان عبر «تويتر» بالعربية والأرمنية، «نتعاطف مع الشعب الأرميني ونطالب معه».
واتصل رئيس الحكومة تمام سلام بالكاثوليكوس كيشيشيان معرباً له عن «مشاعر التعاطف مع الطوائف الأرمنية كافة في الذكرى المئوية الأليمة للمجازر التي تعرض لها الشعب الأرميني»، وأكد «أن لبنان يعتز بكل مكوناته ويعيش قضاياها وما تحملته تاريخياً من مآسٍ».
كما أعرب سلام «عن تقدير جميع اللبنانيين للدور الإيجابي والبناء الذي تضطلع به الطوائف الأرمنية كافة في الإطار الوطني الجامع بهدف تعزيز وحدتنا وتماسكنا الوطني».
وأبدى وزير الاعلام رمزي جريج، «تعاطفه مع جميع الأرمن في العالم وخصوصاً اللبنانيين منهم، الذين يؤلفون مكوناً أساسياً في المجتمع اللبناني».
وقال: «لا يسعنا امام هذه القضية ان نقف مكتوفين، بل علينا جميعاً كلبنانيين ان نتبناها، وان نرفع الصوت عالياً لإيصالها الى المحافل الدولية».
وأكد الرئيس حسين الحسيني في تصريح، أن «الذكرى المئوية للمأساة الأرمنية، التي تبدو وكأنها حصلت اليوم وليس منذ مئة عام، ستبقى حية ليس في ضمير الشعب الأرميني فحسب، بل في ضمير الإنسانية جمعاء».
وقال: «المطلوب أولاً وأخيراً، لعدم تكرار هذه المأساة، الضمانات الدولية عبر الشرعية الدولية بعد إعادة الصدقية لها، حيث أصبح تخلي هذه الشرعية عن مسؤوليتها يقلق الإنسانية بأسرها».
وأكد «أن تضامننا مع الشعبين الأرميني والفلسطيني إنما هو واجب وطني وإنساني».
وقال رئيس المجلس العام الماروني الوزير السابق وديع الخازن: «إن أهمية الطائفة الأرمنية الكريمة تتجلى بأروع معالمها في المحنة التاريخية التي عاشتها خلال الحرب العالمية الأولى والتي أودت بأكثر من مليون شهيد على طريق الجلجلة التي قطعتها هرباً من الجور العثماني وظلمه العاسف. ولأن تجربتها المريرة تشبه إلى حد بعيد تجربة لبنان الذي رزح على غرارها تحت أهوال الظلم العثماني وقدّم الشهداء في سبيل إنقاذ حريته على أعواد المشانق في برجنا وسط بيروت، فقد امتزجت أرواح هؤلاء لتجسد أسطورة الحرية ورسالة لبنان الخالدة إلى العالم».
وأضاف: «في هذه المناسبة، لا يسعنا، نحن الذين اكتوينا بنار العذاب عبر التاريخ، إلا أن نحيّي أرواح الشهداء الأرمن في هذه الذكرى الأليمة، آملين بأن ينعم وطننا بالسلام الذي يستحقه وينشده منذ مطلع تاريخه».
وإذ أكد الحزب الشيوعي في بيان، تضامنه مع مطالب الشعب الأرميني، دعا «شعوب العالم الى التحرك من أجل الاقتصاص من كل مجرمي الحرب وعدم السكوت عن جرائم تحاول بعض القوى النافذة عالميا لفلفتها».
وتوجهت الهيئة القيادية في حركة الناصريين المستقلين المرابطون في بيان «بأحر التعازي من أهلنا الأرمن في الذكرى المئوية للمجازر التي ارتكبها الاتراك العثمانيون بحق الأطفال والنساء والعجز الأبرياء».
ودعت «الجميع الى عدم الرضوخ للغرائز المذهبية والطائفية المقيتة في تقدير حجم المجازر التي ارتكبها الأتراك»، محذرة من «عودة المشاريع المذهبية والطائفية الإرهابية للسيطرة على مقدرات امتنا العربية تحت مسميات صحوات متأسلمة منافقة ومذهبية»، مشيرة الى ان «صمود سورية العربية وإسقاط عصابات الإخوان المتأسلمين على أرض مصر العربية، أفشل تلك المشاريع».
ودعا رئيس «حزب النهضة والتحرير» جوزف الاسمر في بيان، «السلطات التركية إلى الإعتراف بهذه الإبادة، والمجتمع الدولي الى التحرك الفوري لوقف المجازر في الشرق الأوسط».