مشاهد وعيّنات وأسئلة… والمشكلة قائمة

رؤوف قبيسي

لعلّ أهمّ ما أنجزته مسرحية «هيدا مش فلم مصري» التي كان آخر عرض لها ليل الأحد الفائت على مسرح « غلبنكيان» في الجامعة اللبنانية الأميركية، أنها طرحت موضوعاً غاية في الخطورة، يدور حول العنف المنزلي ضد المرأة، أماً وابنة وزوجة وأختاً وعشيقة.

يفيد عنوان المسرحية التي أخرجتها لينا أبيض بأن النص أو النصوص ليست وهمية أو من نسج الخيال، إنما هي تصوير لحوادث فعلية ألمت بنساء تعرضن لعنف الرجل: الرجل الأب، والرجل الزوج، والرجل الأخ، والرجل العاشق. الموضوع هنا حول نسوة من لبنان، مشكلتهنّ، ومشكلة المجتمع اللاتي هن منه، لبنانية، لا حلول لها إلاّ من الداخل اللبناني، حكومة وأفراداً وهيئات ومؤسسات عامة وخاصة.

لم تقدم المسرحية التي أدّاها واحد وعشرون شاباً وفتاة، غير الشكوى والأنين والتألم والتحسر، وتركت للمشاهدين لوعة التفكير والتساؤل: كيف تحدث هذه الأمور في لبنان؟ كيف تترك المرأة وحيدة تعاني الأمرّين؟ وكيف يسمح لهذا الرجل «الشقي» بأن يسومها العذاب من دون عقاب؟

ركزت على العنف الكامن في علاقة الرجل بالمرأة ضمن البيت وخارجه، وطرحت المشكلة بأبعادها الشائكة كمعضلة عامة، فلتعنيف المرأة، خاصة المرأة الأم، تأثيرات حادة في الأطفال، في أدائهم في المدرسة وخارج المدرسة، وفي المجتمع كله، ما يضاعف الحاجة إلى قوانين تحمي النساء الضعيفات من عنف الأشقياء من الرجال، وتجعل من مهمة البحث عن حلّ عبئاً عاماَ.

أرادت أبيض ومن شاركها نكء الجروح، وتصوير جانب رديء من حياة مجتمع لا تزال المرأة فيه مواطناً من درجة ثانية، لا تسعفها التقاليد ولا تحميها القوانين إلى الحد الذي يصون حقوقها وكرامتها كإنسان حر وفاعل. وسط هذا الجو، وجدت المخرجة اللبنانية أن عليها أن تدلي بشهادتها وتقول: « ما من أحد كلمته في المشروع إلا اقترب مني ووشوشني بقصة عن إمرأة ضربت، أو أولاد تسمروا خلف الأبواب يستمعون إلى شتائم الأب وصراخ الأم».

وتؤكد أبيض التي أخرجت الكثير من المسرحيات مثل «العميان» و «الديكتاتور» و «عائد إلى حيفا» أن «هيدا مش فلم مصري» من صميم الواقع: « أثناء عملنا سالت دموع وتفجر غضب، لكن كان هناك أمل في أن تتكلم النساء ويعرفن أنهن يستحققن الإحترام، وأن هناك قوانين جديدة سوف تحميهن من العنف».

هل هناك فعلاً مساع لسن قوانين جديدة تحمي المرأة من العنف في لبنان، المنكوب سياسياً واجتماعياً، أم أن الرجاء وحده، جعل المشاركين في هذه المسرحية يصرخون؟

يعرف الجميع أن العنف ضد المرأة مشكلة عويصة، وأن ردع الرجل العنيف يحتاج إلى غير مراجعة اجتماعية ونقد ذاتي، مراجعة للقوانين البالية، وتقديم تفسير جديد للنص الديني الذي أعطى الرجل أو استمد الرجل «الشقي» منه عبر مئات السنين سلاحه الماضي للتحكم في المراة وعقلها وروحها وجسدها.

لا يمكن حل المشكلة عامة إلا بتخليص التراث من الشوائب، إلى حد لا يعود الرجل «الشقي» بعد ذلك إلى استغلال ما فيه لمصلحته على حساب المرأة وحقوقها، مثل جرائم الشرف والزواج القسري، وحرمان المرأة الحامل مستلزمات صحية هي في أمس الحاجة إليها، كما هي الحال في بعض الدول، العربية خاصة، حيث تضرب المرأة إذا بان جزء من جسدها ولو من طريق الخطأ، وتمنع من القيام بما يقوم به الرجل، وحتى في حالات الاغتصاب تكون هي المسؤولة، والمذنب الوحيد في الجريمة!

تعنيف المرأة ظاهرة خطيرة تؤدي إلى العبودية وإلى عائلات مدمّرة نفسياً وإجتماعياً، وتفقد نساء كثيرات حقهن بالتحكم في أجسادهن وتحرمهنّ التعلم، والمشاركة في بناء المجتمع على غير صعيد. هي ظاهرة قديمة جذورها ضاربة في التاريخ، لكنها ما زالت، ويا للأسف، شائعة في بلادنا، أكثر ربما من أي مكان آخر في العالم. هي لا تخص المرأة وأطفالها وحدهم، بل الرجل أيضاً، وبنسبة تكاد تكون مماثلة، فالرجل ساعة يستعبد المرأة يستعبد نفسه!

تقول الممثلة فاديا أبي شاهين التي شاركت في المسرحية إن ما قالته على الخشبة نابع من تجربة حدثت لصديقة لها، إذ «أمرها» صديقها بعدم الخروج مع أحد من أصدقائها، وأشعرها بالذل والهوان، إلى درجة لا تطاق. وتضيف أنها كانت تتمنى لو أعطيت دوراً أكبر في التمثيل، وتكلمت عن شؤون وشجون كثيرة تتصل بما تعانيه النساء من صلف الرجال.

انتهى عرض المسرحية، لكن المشكلة لا تزال قائمة، فهل يفيق نواب الأمة الكرام ويقدمون الحلول؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى