«ولاية الموصل العثمانيّة في القرن السادس عشر» كتاباً بحثيّاً لعلي شاكر

كتب: د. ذنون الطائي: صدر لدى دار «غيداء للنشر والتوزيع» كتاب «ولاية الموصل العثمانية في القرن السادس عشر… دراسة سياسية ادارية اقتصادية»، وهو في الأصل أطروحة دكتوراه قدمت الى كلية الآداب، قسم التاريخ، جامعة الموصل، سنة 1992. وأجرى المؤلف د. علي شاكر علي إضافات ضرورية في ضوء المستجدات العلمية والفكرية التي وجدها مناسبة في إطار استكمال الموضوع بشكله النهائي. ويعتبر الدكتور علي شاكر علي في طليعة المؤرخين العراقيين الذين تتسم كتاباتهم بالجدية وروح البحث العلمي الأكاديمي القائم على الاستقصاء والتحليل والاستنتاج وربط الحوادث، وصولاً إلى تشكيل الحدث التاريخي في الزمكان. ويملك مؤرخنا الجليل رؤية علمية دقيقة في الوصف والاستقراء، وبخاصة ربط الجزئيات بالكليات ضمن منهج بنيوي يرتكز على الحقائق التاريخية الموشحة بالوثائق والمصادر الأولية في مظانها، فهو مقلّ في إنتاجه العلمي، ويعود ذلك في اعتقادي الى طول إناته في البحث والاستقصاء وإعطاء الموضوع حقه على صعيد تعزيزه بالمصادر المناسبة وتصديه للمواضيع ذات القيمة العلمية والإضافة النوعية.

أتذكر وكنت طالباً في مرحلة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، كم كان أسلوبه أخّاذاً في إلقاء محاضراته وطريقة مناقشته ودقة تحليله وتشخيصه للحوادث وتناوله الأسباب والمسببات في التاريخ العثماني، على نحو يفضي الى كشف الحقائق ورسم صورة واضحة الأبعاد عن الحدث المتناول، ويفصح ذلك عن تجاربه العميقة في القراءة والتتبع للمصادر والوثائق العثمانية، فهو يجيد اللغة التركية التي تساعده في تفسير الوقائع وجلي الغامض منها، بالارتكاز على الوثائق الأصلية وهذا ما نجده في إصداره مع زميله أ. د. خليل علي مراد لدراسة «الموصل وكركوك في الوثائق العثمانية» في أواخر تسعينات القرن الفائت وبنسخ محددة. وأجدني سعيداً في الكتابة عن أحد رموز العلم والمعرفة، مؤرخاً فاضلاً وعالماً جليلاً في مجال التاريخ العثماني للعراق الحديث، فهو ذو سجايا رفيعة وأخلاق عالية، وروح صافية متآلفة مع الآخرين، محبوبة من الجميع مقبلة على الحياة. ولا أخفي عميق محبتي له، أدامه الله ومتعه بالصحة والعافية وغزارة معرفته.

يؤكد الدكتور علي شاكر علي في مقدمة كتابه على أن صلته بتاريخ العراق في العهد العثماني تعود الى منتصف السبعينات حينما أنجز رسالته للماجستير تحت عنوان «تاريخ العراق في العهد العثماني 1638-1750 دراسة في اوضاعه السياسية» وقدمت الى جامعة بغداد سنة 1976 ونشرت في كتاب سنة 1984. ويشير مؤرخنا الفاضل إلى أن دراسة حوادث الموصل خلال القرن السادس عشر دراسة علمية تقودنا الى فهم أفضل لأوضاع العراق السياسية والاقتصادية والاجتماعية في القرون التالية على نحو أدق وأفضل. ومن هنا كانت دراسته التي بين أيدينا وتقوم على دراسة الأوضاع السياسية والإدارية والاقتصادية في ولاية الموصل خلال القرن السادس عشر، إذ اقتضت طبيعة الدراسة تقسيمها أربعة فصول خصص الأول منها لدراسة الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مدينة الموصل قبيل السيطرة العثمانية، فكان التركيز على دراسة الموقع الجغرافي للمدينة وتأثيره في مسار الحوادث السياسية والعسكرية، كما بحث في الصراع العنيف الذي وقع بين الكيانات السياسية التي حكمت في جنوب شرق الأناضول والشام والعراق، وكان للموصل دورها الواضح في مجريات ذلك الصراع، وتضمن الفصل كذلك الاشارة الى التوسع الصفوي في جنوب شرق الأناضول والعراق خلال السنوات 1502-1508 أي مدة حكم الشاه اسماعيل الصفوي ورد الفعل العثماني، وتمثل بسلسلة خطوات لمواجهة ذلك التوسع منها معركة جالديران سنة 1514 ثم موقعة قره غين دده 1516.

أما الفصل الثاني فعالج الاوضاع السياسية في الموصل سواء كانت ولاية قائمة بذاتها أو سنجقاً لواء تابعاً لولاية ديار بكر أو بغداد، ويشير هذا الفصل الى الوضع السياسي بعيد السيطرة وموقف العثمانيين من القوى السياسية المحلية في المدينة، ولا يغفل التركيز على علاقة الموصل بالولايات العراقية أو الولايات المجاورة في الشمال والغرب، كذلك علاقة الموصل بالامارات العربية والكردية في تلك الحقبة التاريخية.

يركز الفصل الثالث تحت عنوان الإدارة العثمانية في ولاية الموصل على حدود ولاية الموصل ويعرض للهيئة الحاكمة فيها والمؤسسات الإدارية والجهاز الاداري، فضلاً عن ادارة المدينة وأثر التطورات السياسية في الوضع الإداري للموصل، وفي الفصل إشارة الى إدارة العشائر أيضاً. ولما كانت التقسيمات الادارية ذات دلالات إقطاعية، يتناول الفصل الرابع الاوضاع الاقتصادية في الولاية، إلى عرض موجز لوضع الأراضي في الموصل قبيل السيطرة العثمانية، ثم حيازة الاراضي في العهد العثماني، وأصناف الأراضي في الولاية.

نسج مؤرخنا الفاضل فصول هذه الدراسة وفق منهج علمي قويم لا يقوم على أساس ذكر الحوادث السياسية والادارية والاقتصادية فحسب، بل عمد أيضاً الى تحليلها باستمرار وربطها مع العوامل الأخرى التي أثرت فيها او تأثرت بها، أي الأسباب والمسببات. وقامت الدراسة على مجموعة متنوعة من المصادر الأصلية كالوثائق العثمانية غير المنشورة، وأخرى منشورة، الى جانب المصادر الأجنبية باللغة الإنكليزية، كذلك الرسائل والأطروحات الجامعية والمصادر والمراجع العربية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى