ما وراء انتقاد أوباما للإمعات الخليجية
د . تركي صقر
تتالت في الآونة الأخيرة انتقادات بارك أوباما غير المسبوقة لسلوك حكام السعودية والخليج عموماً. فبعد تصريحه المدوي للصحافي الأميركي المعروف توماس فريدمان بأنّ الخطر على السعودية هو من السعوديين في الداخل وليس من إيران، جاء تصريحه التالي مدوياً أكثر ويشير بإصبع الاتهام إلى حكام السعودية والخليج بأنهم وراء تأجيج الإرهاب في ليبيا وتغذيته.
لم يسبق لرئيس أميركي أن وجه مثل هذه الانتقادات الحادة لأتباعه وعبيده من أصحاب العروش والكروش بصورة علنية، وهذا تطور لافت في العلاقة بين البيت الأبيض والأنظمة التي تدين له بالولاء المطلق والطاعة العمياء.
إنه تطور لافت لأنّ تأنيب هؤلاء وتأديبهم كان يتم دائماً في السرّ وضمن الغرف المغلقة، أمّا أن يخرج إلى العلن، وفي وقت اشتداد المعارك مع اليمن ووسط لهيب النيران المحيطة بالسعوديين نتيجة الحروب الإرهابية التي تعهدوا بها واحتمالات انتقالها في أية لحظة إلى داخل قصورهم، فهذا ما صدمهم وألقى الرعب في قلوبهم وجعلهم يضربون أخماساً بأسداس، فيما إذا كان السيد الحامي والراعي يمكن أن يمازحهم وبالتالي هي «فركة أذن»فقط، أم أنها يمكن أن تتطور إلى حدّ التخلي عنهم في أوقات الشدة وتركهم لمصير مجهول أمام مغامرات ليسوا من وزنها. وما يزيد من قلقهم ووساويسهم أنّ هذه الموجة من التصريحات التأديبية القاسية ترافقت مع إعلان لوزان حول التفاهم الإطاري في شأن الملف النووي الإيراني واحتمال أن يتم التوقيع على الاتفاق النهائي مع نهاية شهر حزيران المقبل.
لا ندري إذا كان في جعبة أوباما المزيد من هز العصا في وجه هؤلاء الخدم حتى يحين موعد الاجتماع الذي استدعاهم إليه في البيت الأبيض منتصف الشهر المقبل، لإفهامهم الموقف الأميركي من الاتفاق النووي مع إيران الذي كانوا آخر من يعلم به، وسيكونون خلال الاجتماع مع أوباما آخر من يحقّ له الاعتراض عليه، وسيقدمون له بالتأكيد، قبل الاجتماع وبعده السمع والطاعة. فعندما تكون هناك مصلحة عليا للولايات المتحدة الأميركية تذهب مصالح هؤلاء الصغار إلى الجحيم وهم ليسوا بأهم من الكيان الصهيوني ونتنياهو الذي لم يمنع صراخه أمام أعضاء الكونغرس ولا تحريضه للفرنسيين من توقيع التفاهم الإطاري في لوزان الشهر الماضي.
المضحك في سلوك حكام السعودية والخليج أنهم يصفون ما يجري خارج بلدانهم بـ«الثورة»، كما يصفون القتلة وقطعان العصابات الإرهابية المتوحشة بـ«الثوار»، ويبرّرون دعمهم لهؤلاء بأنه من أجل إقامة أنظمة حكم ديمقراطية خارج بلدانهم وينسون أنفسهم، إذ لم تعرف كياناتهم في تاريخها حرفاً من حروف كلمة الديمقراطية. فكيف يمكن لفاقد الشيء أن يعطيه؟
من هنا، فإنّ ما يخشاه هؤلاء الحكام هو أن يكون كلام أوباما جدياً وأن تكون صلاحيتهم قد انتهت عند سيدهم وحان وقت التغيير أو الاستبدال، وإلا فما معنى قول الرئيس الأميركي إنّ الاستبداد الذي يمارسه حكام السعودية والخليج هو المولد لأفواج الإرهابيين وإنّ البيئة الوهابية المحتضنة والمحمية من بني سعود تدفع الشباب إلى الانخراط في الأعمال الإرهابية التي لن تكون السعودية في منأى من ارتداداتها، ما دفع الرئيس الأميركي إلى توجيه هذه العاصفة الاستباقية من التأنيب والتأديب لحكام السعودية والخليج السادرين في ترفهم ومجونهم وغيهم؟
وتثير حملة الانتقادات الصادرة من عواصم الخليج لتصريحات أوباما الشفقة والسخرية في آن معاً، فهي حملة لا تحمل أية مصداقية أو مضمون مقنع فكلّ ما أبداه أوباما أقلّ بكثير من واقع الحال في تلك الأنظمة، ولا يمكن لأراجيف الإعلاميين الخليجيين الذين اعتادوا التغني بالسياسات الأميركية وتبجيلها يمكن أن يتجاوزوا الخطوط الحمراء، فضلاً عن أنّ حملتهم مهزوزة ومربكة ولا تعرف من أين تبدأ ولا أين تنتهي، فصاحب التصريحات مستمر فيها ولا يأبه لهذه الأصوات المبحوحة الخائفة وهي لن تقدم أو تؤخر في القرارات الأميركية، سواء لناحية الملف النووي الإيراني أو الاستمرار في رفض الاستجابة لهم في ما يتعلق بتدخل عسكري أميركي مباشر في اليمن أو العراق أو ليبيا أو سورية، ما يزيد من ورطة هذه الأنظمة التي ظنت أنّ أسابيع قليلة من القصف المدمر ستدفع الشعب اليمني إلى الاستسلام، كما كانت تظن أنّ سورية ستركع خلال شهرين أو ثلاثة عندما حركت الإرهابيين نحوها وتبدّدت أحلامها وأخفقت رهاناتها.
في جميع الأحوال، من المبكر الحديث عن تخلي البيت الأبيض عن خدمات أنظمة التخلف الخليجية إلا أنّ ما كشفه أوباما مؤخراً يشير إلى أنّ وراء الأكمة ما وراءها وأنّ ما خفي أعظم مما جرى إعلانه، وأنّ الإدارة الأميركية لا تقبل أن تعامل حكام هذه الأنظمة إلا كأتباع صغار ترفع العصا في وجوههم كلما انتفخت أحجامهم أو تجاوزوا أدوارهم المرسومة في اللعبة التي تقودها واشنطن في المنطقة.
tu.saqr gmail.com