رحلة عذاب من المصنع إلى ضهر الأحمر… ولا من يسأل! صراع بين المتعهدين أم تجاهل من نواب المنطقة؟

البقاع ـ أحمد موسى

وكأنّ أبناء راشيا والبقاع لم يكن ينقصهم، إلى جانب مشاكلهم الأمنية والاقتصادية والحياتية، إلا تضرّر طريق المصنع ـ راشيا، الذي بات مليئاً بالحفر الكبيرة التي تحولت إلى خنادق ومطبات.

ويمتد هذا الطريق على مسافة تزيد عن 22 كلم، وهو طريق يربط بين أكثر من 15 قرية وبلدة هي: راشيا، ضهر الأحمر، المحيدثة، كفردنيس، الرفيد، خربة روحا، عين عرب، مذوخا، البيرة، عزّة، عيثا، السلطان يعقوب الفوقا، المنارة، الصويرة، مجدل عنجر، ونقطة المصنع. وتعبر هذا الطريق آلاف المركبات يومياً، كونه يشكل رابطاً بين محافظتي الجنوب والبقاع، وتنتشر على جانبيه عشرات المؤسسات التجارية والصناعية والخدماتية الكبيرة منها والصغيرة، فضلاً عن عشرات المدارس التي يرتادها آلاف الطلاب من المنطقة والجوار.

صراع المتعهدين

لم تكد تمض بضع سنوات على توسيع وتعبيد الطريق الرئيسي من قبل «مؤسسة حمود للمقاولات» بمواصفات أثنت عليها وزارة الأشغال والفرق الهندسية الفتية والتقنية فيها، على طريقة التنفيذ ومدة الالتزام في حينه، طريق بمواصفات أوتوستراد يربط البقاع بالجنوب عبر مثلث المصنع ـ الفالوج ـ مثلث ضهر الأحمر ـ مثلث كفرمشكي فالحاصباني، حتى تحولّ إلى انسيابات فقدت مواصفاتها الفنية وصلاحية سلوكها، بفعل والحفر التي تحولت إلى خنادق ومطبات والأخاديد المتناسلة بطول الطريق وعرضه، نتيجة الخراب الذي خلفته إحدى الشركات المتعهدة تمديدات مد شبكة جرّ المياه الرئيسية التي تجمع بين مصادر المياه التي تغذي البقاع الغربي وراشيا، في شمسين ولوسي وعين الزرقا، من دون أن تقوم بإعادة تأهيل الطريق وتعبيده، وكانت حجة الشركة أنّ «عقد التلزيم من مجلس الإنماء والإعمار، لم يتضمن بنداً في هذا الشأن»، فضلاً عن الأضرار الجسيمة التي تسببت بها «شركة قنبريس للتعهدات» من خلال نزع الطبقة الإسفلتية عن وجه الطريق، منذ أوائل الصيف الماضي، من دون أن تستكمل الأعمال النهائية أي التعبيد وغير ذلك، وإيقاف العمل فجأة لأسباب وضعتها مصادر بلدية ومخاتير المنطقة والأهالي الطريق، في سياق «الصراع على انتزاع تعهد المشروع من وزارة الأشغال»، وقد عمل المتعهد وليد قنبريس من تلقاء نفسه على تنفيذ أشغال إزالة الطبقة الإسفلتية عن هذا الطريق من دون إذن المباشرة من وزارة الأشغال، المعنية بالتلزيمات وإعطاء الأمر بمباشرة العمل وفق «أصول التعهدات والالتزامات»، وتركه مسبباً المعاناة والويلات. ولم يتوقف التخريب عند عتبة المؤسسات المتعهدة، فالتعديات التي تفتعلها أيادي السكان المحليين بغية سرقة خط للمياه أو فتح العيارات، دمرت ما تبقى من معالم هذا الطريق.

طريق الموت

يعتمد المواطنون على هذا الطريق، الذي يربط منطقة راشيا بالبقاعين الأوسط والشمالي وبيروت، كما يربط المنطقة بالجنوب، ونقطة المصنع المؤدية إلى الأراضي السورية، إلا أنه يعاني من مشاكل جمة، جعلت المرور عليه، بمثابة معاناة يومية وحياتية محفوفة بالمخاطر لساليكها.

حفر تحولّلت إلى خنادق ومطبات، جعلت من الطريق الذي يربط نقطة المصنع براشيا، غير مؤهل للاستعمال. وما زاد الطين بلّة، وعود وصلت قبل أشهر بتعبيد الطريق، وقد أزيل الإسفلت قبل الشتاء لكي يعبّد، لكنّ أعمال صيانته توقفت ولم تستأنف مجدّداً، وسط تقاذف للمسؤوليات بين عدة أشخاص، وبين متعهدين على حساب المواطنين من المنطقة والعابرين من مناطق ومحافظات وأقضية أخرى.

تعدّدت التسميات التي يطلقها السكان على الطريق، منهم من يصفه بـ«طريق الموت»، وآخرون يشبّهونه بـ«طريق جهنم» فيما ينعته الكثيرون بـ«خاطف الأرواح»، باعتباره طريقاً «محفوفاً بالمخاطر»، حصد في إحصاء غير رسمي، حوالي 60 ضحية، وما يربو على المئة مصاب، معظمهم في مقتبل العمر، يتوزعون على قرى وبلدات الصويري، المنارة، خربة روحا، عين عطا، العقبة، ضهر الأحمر، مرج الزهور، الرفيد، المرج، عيحا، كفرقوق والمحيدثة وغيرها.

الهادي

وفيما يصف رئيس اتحاد بلديات قلعة الاستقلال عصام الهادي، سلوك الطريق بين المصنع وضهر الأحمر، بـ«رحلة العذاب»، نظراً إلى ما فيه من خنادق وحفر تصطاد وسائل نقله، فتنال من استقراره مادياً وجسدياً، لفت الهادي في حديث لـ«البناء» إلى أنّ الطريق «بات من أخطر الطرق في لبنان، وبالكاد يمرّ يوم من دون وقوع حوادث سير تحصد المزيد من الضحايا والمصابين»، لافتاً إلى سلسلة الأضرار التي خلفتها الشركات المتعهدة على هذا الطريق والتعديات التي يفتعلها المواطنون، ما جعله مزروعاً بالخنادق والحفر والأخاديد، التي قد يزيد عمق بعضها على الخمسين سنتيمتراً.

وكشف الهادي عن سلسلة اتصالات تولاها كرئيس للاتحاد ومعه البلديات والمخاتير والاتحادات البلدية وقائمقام راشيا نبيل المصري مع وزير الأشغال العامة غازي زعيتر لرفع الضرر عن كاهل أبناء المنطقة والمتضررين من العابرين نحو الجنوب وبالعكس، مؤكداً «أنّ الطريق أضحى المتنفس الوحيد والممر الإجباري لوسائل النقل، التي تحتجزها العواصف الثلجية في فصل الشتاء وتمنعها من سلوك ضهر البيدر».

وقال: «بعد مراجعات مكثفة من قبلنا كرئيسي اتحادين في راشيا والقائمقام نبيل المصري مع وزير الأشغال غازي زعيتر طالبناه بحلّ موقت لبدء عمليات الترقيع للحفر والخنادق على الطريق، فوافق الوزير وطلب من المتعهد وليد قنبريس المباشرة بالحلّ الجزئي ريثما تسمح الحوال الجوية المؤاتية لعملية الحلّ النهائية وبدء التعبيد كلياً للطريق من المصنع حتى الرفيد في منتصف الشهر الجاري». وأكد وقوع عشرات الحوادث على الطريق، وسقوط عشرات الضحايا والمصابين، إما بسبب السرعة أو بسبب غياب المواصفات الفنية وانتشار الخنادق والحفر، لافتاً إلى أنّ المواطنين أصبحوا مضطرين لسلوك طرق أخرى، قد تطول مسافاتها، هرباً من الوقوع وسط الأفخاخ.

ولفت الهادي إلى أنّ متعهد الطريق وليد قنبريس أوقف عملية التعبيد، رغم أنّ المتعهد سلّم فعلاً الأشغال النهائية لـ CDR منذ أشهر، في حين أنّ المتعهد وليد قنبريس لم ينهي أعمال التعبيد بل ولم يباشر فيها حتى.

وكشف عمّا دار في جلسة جمعته ورؤساء البلديات والمخاتير والقائمقام نبيل المصري والمتعهد وليد قنبريس مع الوزير وائل أبوفاعور في مكتب الأخير في راشيا، مشيراً إلى أن قنبريس تعهد أمام الجميع بعملية الترقيع للحفر. وقال: «نحن في انتظار وفاء قنبريس بوعده أمام الوزير أبو فاعور والقائمقام نبيل المصري ورؤساء الاتحادات البلدية والبلديات والمخاتير».

هاجر

أما رئيس بلدية خربة روحا عبد الرحمن هاجر، فقد لفت، من جهته، إلى أنّ أزمة الطريق بدأت منذ الصيف الماضي، عندما حصل خلاف بين العمّال والمتعهّد المسؤول عن أعمال صيانة الطريق، الأمر الذي أدى إلى توقف العمل. وقال هاجر في حديث لـ«البناء» إنّ اتحاد بلديات قلعة الاستقلال «حاول التواصل مع وزارة الاشغال العامة والنقل مرات عدة ولكن من دون فائدة، فلا موازنة مرصودة ولا تكليف في تنفيذ الأشغال في الأصل».

وأكد أنّ وفداً ضم عدداً من رؤوساء البلديات والأعضاء، وعلى رأسهم رئيس الاتحاد عصام الهادي، زار وزير الأشغال العامة غازي زعيتر، شارحاً له المشكلة، فوعدهم الأخير بمشارع تنموية تأهيلية للمنطقة، ومنها تأهيل الطريق، مؤكداً أنّ عمليات التعبيد ستسأنف بدءاً من منتصف الشهر الجاري.

ووجه المواطنون الذين التقتهم «البناء» في جولتها على هذا الطريق سؤالاً إلى النواب: هل نعبر الطريق بالطائرة مثلاً؟ فيما قال المواطن ابراهيم هاجر ساخراً: «جميع المسؤولين نائمون، والحلّ لأزمتنا اليومية يكون باختراع سيارات جديدة مطابقة لمواصفات طريق المصنع- راشيا».

وتساءل خالد شاهين، بدوره: «لماذا يطالبوننا بدفع الميكانيك وصيانة السيارة، إذا كانت الطرقات العامّة غير مؤهلة؟ سيارتي جديدة لكن بسبب هذا الطريق أدفع نحو 600 ألف ليرة قيمة الميكانيك سنوياً».

وأشار رواد فاعور، مواطن من راشيا، إلى أنه تعرض لحادث خطير قبل أشهر بسبب هذا الطريق، بعد أن تسببت إحدى الحفر في ثقب عجلة سيارته، الأمر الذي أدى إلى اختلال توازنها واصطدامه بسيارة أخرى. وللمفارقة، وبعد تصليح العجلة، ولدى خروجه من محل الصيانة وفي أقلّ من دقائق وبعد استكماله طريقه إلى العمل، ثقبت إحدى الحفر العجلة الثانية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى