كيف يمكن «إعادة الأمل»… بحزم؟

د. عصام نعمان

أعلنت السعودية وقف «عاصفة الحزم»، لكن الحرب لم تتوقف. لماذا؟

لأنّ اتصالات ما زالت تجري في الكواليس لتحديد أسس الحوار المرتقب بين الأطراف اليمنية المتصارعة، ولأنّ السعودية تحاول بغاراتها المتواصلة على مواقع خصومها ومرافق البلاد التأثير في الاتصالات الكواليسية الجارية لمصلحة حلفائها.

إلى ذلك، ثمة ثلاثة مواقف لافتة صدرت عن الثلاثة الكبار: الولايات المتحدة وروسيا والصين. فقد انتقد ثلاثتهم استمرار الغارات ودعوا إلى بدء الحوار. ممثل الأمم المتحدة في اليمن باولو ليمبو بدا أكثر وضوحاً وأملاً بقوله إنه يتوقع عقد مؤتمر للحوار بجميع الأطراف لأن «لا مفرّ من محادثات السلام». مبعث تفاؤله إعلان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تعيين الدبلوماسي الموريتاني اسماعيل ولد شيخ أحمد مبعوثاً جديداً إلى اليمن خلفاً لجمال بن عمر، وأنّ تعيينه سيصبح سارياً اليوم الاثنين . وفي انتظار محادثات السلام التي «لا مفرّ منها»، يستمرّ أطراف الصراع في جدال عقيم عمّن انتصر في الحرب.

خلافاً لما تقوله أطراف الصراع، ما من رابح في حرب اليمن. لو لم يشعر الجميع بأنهم خسروا، بمقادير متفاوتة، لَما توافقوا، سراً وعلناً، على إنهاء الحرب والاتجاه إلى تسوية سياسية.

الخسارة لا تنحصر بالساحة اليمنية وحدها بل تشمل ساحات الصراع جميعاً من شواطئ البحر المتوسط شرقاً إلى شواطئ بحر العرب جنوباً. لذلك لن يتفاجأ أحد إنْ اتجهت أطراف الصراع الدولية والإقليمية إلى اتصالات وحوارات في الكواليس تمهيداً لمفاوضات معلنة تتناول حروباً عالقة في سورية والعراق وليبيا.

أجل، الجميع خسروا: من اليمن الذي لم يبقَ سعيداً بالدمار الهائل، الإنساني والعمراني، الذي لحِقَ به مروراً ببلاد الشام وبلاد الرافدين التي تنزف بشرياً واقتصادياً منذ نحو خمس سنوات، إلى أوروبا التي تعاني من مآسي اللاجئين إليها والغارقين في عرض بحارها لدرجة أنّ الناطق باسم منظمة الهجرة التابعة للأمم المتحدة جويل ملمان، حذّر أخيراً من أن عدد الضحايا «قد يصل، في حال استمرار الأمور على هذا المنوال، إلى 90 ألف ضحية حتى نهاية السنة الحالية».

طالما أنّ أطراف الصراع جميعاً خسرت واتجهت إلى تسويات سياسية للحروب والأزمات العالقة، كيف يمكن «إعادة الأمل» بحزم ودونما عواصف إلى بلاد العرب التي يخوض حكامها وشعوبها حروباً أهلية، تُشعل نارها أحياناً وتستغلها دائماً قوى خارجية طامعة؟

ثمة ثلاث مسائل تنهض في هذا السياق: الأولى، مَن يفاوض مَن بغية التوصل إلى تسويات سياسية. الثانية، أيُّ موضوعات ستكون محور المفاوضات. الثالثة، مكان المفاوضات.

في المسألة الأولى، هويةُ المتفاوضين، تقتضي التنبّه إلى دروس صراعات سابقة انتهت إلى الانحسار، والاتعاظ بها. لعل أهم الدروس المستخلصة أنّ أحداً من أطراف الصراع لم يستطع أن يفرض على الآخر أو الآخرين مَن يفاوضه. ذلك أن فرض المفاوضين من جهة طرفٍ على آخر لا يمكن أن يتمّ إلاّ في حال استسلام الطرف المهزوم. والحال في اليمن أنّ أحداً من الأطراف المتصارعة لم يستسلم بعد. وعليه، يكون من حق الأطراف المتصارعة جميعاً المشاركة في المفاوضات دونما إقصاء أو استبعاد لأحد. ذلك أن التوصل إلى نتائج في المفاوضات لا يكون بالتصويت بل بالتوافق، ما يقلّل من أهمية عدد المتفاوضين.

في المسألة الثانية، موضوعاتُ المفاوضات، يقتضي التحلّي بالمنطق السليم حيال الاختلاف المتوقع بين الأطراف المتصارعة حول تقدير الموضوعات الأكثر أهمية وإلحاحاً. ذلك أن الأمر يتأثر بظروف كلّ طرف من الأطراف ومصالحه وهواجسه. وعليه، يكون من حق الأطراف جميعاً طرح الموضوعات التي يرون وجوب التفاوض بشأنها بصرف النظر عمّا إذا كانت تسويتها ممكنة أو متعذرة. فبقاء بعض الموضوعات أو المشاكل عالقاً ليس نهاية العالم.

في المسألة الثالثة، مكانُ المفاوضات، يقتضي التحلّي في شأنه بالمنطق والواقعية. فالصراعات غير المحسومة، وهي واقع الأمر حاليّاً، لا تولي أيّاً من أطرافها سلطة تحديد مكان المفاوضات وفرضه على الآخرين. بإمكان أطراف الصراع التوافق على مكان المفاوضات وإذا تعذّر ذلك، فالأفضل اعتماد المكان المخصص بحكم طبيعته ووظيفته وهو الأمم المتحدة.

في انتظار التوافق على تسويات مقبولة للمسائل الثلاث المار ذكرها، سيثور جدال سياسي وإعلامي طويل حول الأسباب والدوافع التي أدّت إلى إنهاء «عاصفة الحزم» ومباشرة «إعادة الأمل»، كما حول العوامل التي قد تعرقل المفاوضات ووصولها إلى تسويات سياسية مقبولة.

لعلّ الدافع الرئيس لوقف الحرب والاتجاه إلى التسوية هو اقتناع أطراف الصراع، ولا سيما الولايات المتحدة، بأن اعتماد أسلوب «الحرب الناعمة»، أي أشكال مختلفة من العمل العسكري المحدود، العقوبات، الحصار، العمليات الاستخبارية، والميليشيات المدعومة بالمال والسلاح، قد وصل إلى طريق مسدود بعد أن تجاوزت تكلفته الباهظة مكاسَبه المحدودة.

كان هذا الفهم العقلاني للواقع قد تجلّى بتوصل الولايات المتحدة ومجموعة دول 1+5 مع إيران إلى «تفاهم تاريخي» في لوزان حول برنامج إيران النووي، على أن يقترن قبل أواخر شهر حزيران المقبل باتفاق نهائي. هذا «التفاهم التاريخي» سوف ينسحب، على الأرجح، على سائر ساحات الصراع في المنطقة، ولا سيما على الحروب الدائرة في سورية والعراق وليبيا، فضلاً عن اليمن بطبيعة الحال.

إلى ذلك، فإنّ ولوج الأطراف المتصارعة، كباراً وصغاراً، طريق المفاوضات والتسويات السياسية يؤدّي، بالضرورة، إلى اندلاع جدال سياسي وفكري بين الحكام كما بين قادة الرأي وقادة قوى المقاومة والأحزاب السياسية، حول ترتيب أولويات المرحلة المقبلة بغية تقرير أيٍّ من القضايا والتحديات هو الأكثر مركزية وأهمية من غيره، وكيف السبيل إلى مقاربته أو مواجهته.

هذا الجدال المرتقب قد يترجم نفسه إلى منازعات وصدامات وربما إلى صراعات ساخنة.

وزير سابق

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى