«إسرائيل» تقرع طبول الحرب على حزب الله!
هشام الهبيشان
في الوقت الذي أشارت صحيفة «معاريف» الصهيونية إلى أنّ اللواء 188 مدرعات في الجيش «الإسرائيلي» قد أنهى أخيراً مناورة خاصّة في منطقة الجولان السوري المحتل، تحاكي احتلال قرية نموذجية في جنوب لبنان، في إطار السيناريوات التي يرسمها الجيش الصهيوني للحرب المقبلة مع حزب الله، ومن ضمنها الدخول البري إلى لبنان. وتزامن ما أوردته الصحيفة مع تصريح رئيس الهيئة السياسية والأمنية في وزارة الدفاع «الإسرائيلية، اللواء عاموس غلعاد الذي لم يستبعد نشوب حرب جديدة بين «إسرائيل» وحزب الله، من جانب آخر كشفت قيادة الجبهة الداخلية في جيش العدو مؤخراً أنّ حزب الله قادر خلال الحرب المقبلة على إطلاق ما بين 1000 و1500 صاروخ يومياً باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، ليؤكد بما لا يقطع الشكّ بأنّ قادة الكيان الصهيوني بدأو بالفعل رسم سيناريوات الحرب المقبلة مع حزب الله.
وكتب وزير الحرب الصهيوني السابق موشيه آرينز في صحيفة «هآرتس» مقالاً جاء فيه: «كلّ عام يزداد تهديد الصواريخ التي يملكها حزب الله من ناحية العدد والمدى والدقة». وأضاف: «رغم الجهود التي بذلت على مدى سنوات لمنع نقل السلاح إلى حزب الله من إيران ومن سورية، فإنّ قدرة المنظومة على إلحاق ضرر جسيم بالسكان وبالبنى التحتية المدنية والعسكرية لإسرائيل ازدادت، وينبغي أن يكون واضحاً أنّ الأمل في أن تتمكن إسرائيل من ردع حزب الله عن استخدام قدرته لا يمكن أن يعتبر استراتيجية مناسبة»، معتبراً «أنّ العامل الأول والحيوي في استراتيجية ناجعة لحماية السكان المدنيين من تهديد الصواريخ يجب أن يستند إلى قدرة الجيش الإسرائيلي على تعطيل مخزون حزب الله في مدة لا تتعدى 48 ساعة في أقصى الأحوال، فهذه القدرة ستمنح إسرائيل خيارات عدة للتخلص من هذا التهديد».
بقراءة موضوعية لما جاء في الإعلام الصهيوني الذي يعكس بالضرورة الصدى الحقيقي لما يحاك داخل دوائر صنع القرار الصهيوني، يبدو أنّ «إسرائيل» بدأت تعدّ لحرب كبيرة ستفرض وجودها بقوة على الإقليم المضطرب في شكل كامل، ويلاحظ جميع المتابعين لتداخلات وتقاطعات الفوضى في الإقليم ومسار تحركات الأهداف «الإسرائيلية» في الإقليم ككلّ، أنّ لدى «الإسرائيليين» رغبة جامحة في التحرك عسكرياً باتجاه فرض حرب جديدة في المنطقة، وخصوصاً بعد فشلهم في تحقيق الأهداف الاستراتيجية لعملية «الجرف الصامد» الأخيرة في غزة. من هذا المنطلق، يتوقع غالبية المتابعين أن تكون أولى مغامرات نتنياهو المقبلة بعد تشكيل حكومته هي القيام بعمل عسكري ضدّ حزب الله ومن المتوقع أن يدعم نتنياهو بهذا المسعى الجديد نخبة كبيرة من قادة الرأي «الإسرائيليين» وبعض الساسة وعدد كبير من جنرالات الجيش بالإضافة إلى دعم واشنطن وباريس وحلفائهم في المنطقة لخوض هذه الحرب ضدّ حزب الله.
ومن هنا، فإنّ تصريحات وزراء وقاده أمنيين «إسرائيليين» وجميع التصريحات والتحليلات والسيناريوات تصبّ في خانة التحرك شمالاً باتجاة ضرب منظومة حزب الله العسكرية واللوجستية، وفي آخر هذه التصريحات قال رئيس أركان جيش العدو بيني غانتس إنّ الجبهة الشمالية لـ»إسرائيل»، أي الحدود مع لبنان، «قابلة للانفجار في أي وقت، ومن هنا يبدو واضحاً أنّ الإسرائيليين قد بدأو بالفعل التحضير ورسم سيناريوات المعركة المقبلة مع حزب الله، لكنهم، على ما يبدو، ينتظرون إعلان ساعة الصفر من واشنطن لبدء المعركة.
في ظلّ الحديث عن دور واشنطن في هذه الحرب المتوقعة، كتكرار لنموذج حرب تموز 2006، تركزت التقارير العسكرية والسياسية الأميركية في الأسابيع والأيام القليلة الماضية، على تعاظم قوة حزب الله، وتشير هذه التقارير إلى أنّ تعاظم قوة حزب الله النارية والعسكرية تعدّ نكسة كبيرة للمشروع الرامي إلى إعادة رسم موازين ومواقع القوى في المنطقة، فلوجستية الحزب العالية وقوة الردع العالية التي يملكها مقاتلو الحزب، والمخزون الهائل من السلاح المتطور الذي يملكه الحزب، سوف تؤدي بمجموعها إلى إحداث تغيير جذري في الخارطة العسكرية لأطراف الصراع في المنطقة، والمقصود بأطراف الصراع وفقاً للمقصد الأميركي، قوى المقاومة من جهة، و»إسرائيل» وأدواتها في المنطقة العربية، من جهة أخرى.
من خلال هذه التقارير نستنتج أنّ قادة وصناع الرأي والقرار الأميركي بدأو يدركون أكثر من أي وقت مضى أنّ مشروعهم الأكبر الرامي إلى تعظيم قوة «إسرائيل» في المنطقة بدأ يواجه خطراً وجودياً منذ هزيمة تموز 2006، وبعد الهزيمة الكبرى التي منيت بها «إسرائيل» في معركة «الجرف الصامد» في غزة، لهذا تسعى دوائر صنع القرار الأميركي إلى دفع «إسرائيل» نحو حرب جديدة في المنطقة لعلها تستطيع استعادة جزء من هيبتها في الإقليم بعد هزائمها المتلاحقة منذ عام 2000 وحتى اليوم.
بالعودة إلى دوائر صنع القرار الصهيوني، فقد أصدرت تل أبيب مؤخراً مجموعة التقارير العسكرية الاستخباراتية أعدتها مجموعة من كبار القادة العسكريين «الإسرائيليين»، وتشير هذه التقارير إلى «أنّ قدرة حزب الله اللوجستية وقوة الردع، لدى الحزب قد تحدثان تغييراً كبيراً في موازين القوى بين أطراف الصراع في المنطقة، وهنا يقول الرئيس السابق لقسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات الإسرائيلية الجنرال إيتاي بارون لصحيفة «يسرائيل هيوم» العبرية: «في حرب لبنان المقبلة يستعد حزب الله لإطلاق أكثر من ألف صاروخ يومياً على إسرائيل»، لافتاً إلى «أنّ حزب الله سيحاول ضرب المنشآت الاستراتيجية في إسرائيل». ويضيف: «خلافاً لحرب لبنان الثانية أتوقع أننا سنجد قوات حزب الله على أرضنا من خلال طرازين، الأول طراز العمليات، طعنات محدّدة في نهاريا أو شلومي أو معلوت، والثاني عمليات ملموسة للسيطرة على أراض إسرائيلية، أي سيطرة حزب الله على بلدة إسرائيلية كاملة».
أما حزب الله، فهو دروه متيقن من حتمية المواجهة المؤجلة منذ زمن مع «الإسرائيليين»، ولكن هذه المرة ستكون المواجهة مختلفة، وليست كمواجهة حرب تموز 2006، فحزب الله سيواجهه ثلاثة أعداء هذه المرة، وهم: أعداء الداخل اللبناني، تنظيما «النصرة» و»داعش»، وبعض التنظيمات المسلحة الأخرى على الجانب الآخر من الحدود السورية، بالإضافة إلى العدو الرئيسي «إسرائيل»، وكلّ هؤلاء يجمعهم هدف واحد هو ضرب وشلّ القدرات اللوجستية والعسكرية للحزب، وهذا لا يخفي حقيقة وجود دعم إقليمي ـ عربي ـ دولي من الدول الشريكة علناً في الحرب على قوى المقاومة في المنطقة من أجل تصفية الحزب عسكرياً، وهذا ما تؤكد عليه دوائر صنع القرار الأميركي في شكل دائم، باعثة رسائل طمأنة لـ»إسرائيل»، مضمونها أنّ حربك المستقبلية مع حزب الله، ستثير ردود فعل إقليمية وعربية مؤيدة.
بات واضحاً أنّ «الإسرائيليين» وأدواتهم في المنطقة وداعميهم في الغرب، مصممون أكثر من أي وقت مضى على إعلان قريب لبداية الحرب على حزب الله، مستغلين فوضى الإقليم، فبعد أن تمّت شيطنة الحزب إعلامياً، والرهانات الكبرى على مدى قدرة الحزب على الصمود في المواجهات الكبرى، هناك قناعة شاملة عند الكثير من المتابعين لمسيرة الحزب التاريخية، بأنّ الحزب وبما يملكه من قوة ردع نارية عسكرية وبشرية، والأهم من ذلك عمق التحالفات مع بعض قوى الإقليم، مؤهل للتصدي وردع أي عدوان، وسننتظر الأشهر الثلاثة المقبلة لتعطينا إجابات واضحة على كلّ تساؤلاتنا.